السودان: بين استهتار الإسلاميين ولا مبالاة المسلمين: كتبه خالد كودي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-14-2025, 10:39 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-08-2025, 01:10 PM

خالد كودي
<aخالد كودي
تاريخ التسجيل: 01-01-2022
مجموع المشاركات: 97

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
السودان: بين استهتار الإسلاميين ولا مبالاة المسلمين: كتبه خالد كودي

    01:10 PM June, 08 2025

    سودانيز اون لاين
    خالد كودي-USA
    مكتبتى
    رابط مختصر






    2/6/2025 ، بوسطن

    دولة بلا روح: كيف جرى تأسيس السودان الاول على إقصاء غير المسلمين وتجريم التعدد؟

    لا يمكن فهم الحرب المستعرة اليوم في السودان، وتفكك مؤسساته، واشتداد خطاب الكراهية الديني–الاثني والجهوي، بمعزل عن المشروع الإسلاموي الذي حكم البلاد منذ انقلاب 1989 تحت مسمى "الإنقاذ". غير أن هذا المشروع لم يكن انقطاعًا عن ماضٍ وطني موضوعي، بل كان امتدادًا مباشرًا لعيوب التأسيس الأول للدولة السودانية عقب الاستقلال، حين تم تخيّل السودان – رسميًا ودستوريًا – بوصفه دولة "عربية إسلامية"، في إنكار بنيوي لواقع التعدد العرقي والديني والثقافي الذي يُشكّل جوهر هذا البلد.
    لقد فشل من يُسمَّون "الآباء المؤسسين" في إدراك أن السودان لا يمكن أن يُختزل في هوية واحدة، لا عربية ولا إسلامية، ولا افريقية دون أن يؤدي ذلك إلى صراعات وجودية. ولم تكن لديهم – في أغلبهم – رؤية استراتيجية تستشرف المستقبل، أو فلسفة حكم تقوم على الاعتراف بالتنوع كأساس للشرعية السياسية والاجتماعية. بل على العكس، كانت العقلية المهيمنة آنذاك تكرّس فهمًا استعلائيًا، يُعامل غير المسلمين من أبناء الجنوب وجبال النوبة والأنقسنا وشرق السودان بوصفهم شعوبًا "ناقصة" تحتاج إلى "الهداية"، حيث يُصوَّر الإسلام لا كخيار روحي حرّ، بل كغاية يجب فرضها – حتى بالقهر – على من لا يدين به.
    هذا التصور لم يكن عرضيًا، بل استند إلى فهم حرفي لمفاهيم الفتح والجهاد في الموروث الإسلامي، حيث يُنظر إلى غير المسلمين بوصفهم "كفار/مشركين/أهل ظلام" يجب إخراجهم إلى "نور الإسلام"، وهو ما أعاد إنتاجه الإسلاميون لاحقًا بمنهجية عنيفة، عبر خطاب ديني يضفي قداسة على الغزو والقهر تجاه المواطن السوداني الغير مسلم، ويكافئ "المسلم" الذي يسهم في "أسلمة" غيره، مهما كانت الوسائل غي الدنيا والاخره.
    وحين استولى الإسلاميون على السلطة عام 1989، لم يبتدعوا هذا المنطق من فراغ، بل قاموا بتوسيعه وتطويره من خلال منظومة مؤسسية متكاملة: دستور إسلامي، تعليم إقصائي، إعلام تعبوي، ومؤسسة جهادية عسكرية تهدف إلى إخضاع كل مناطق السودان التي ترفض هذا المشروع المركزي المتأسلم. فشهدت البلاد سلسلة من الحروب المقدسة، بدءًا من الجهاد ضد الجنوب، مرورًا بجبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور، وصولًا إلى تفتيت الجيش نفسه وتحويله إلى مليشيات أيديولوجية (الدفاع الشعبي، كتائب الظل، ثم البراء ابن مالك وغيرها)، تعمل وفق منطق ديني–أمني، لا وطني.
    إن ما نراه اليوم من احتراب أهلي، ومن فوضى مسلّحة، ليس سوى النتيجة الطبيعية لهذا المشروع. فالإسلاميون، بعد أن فقدوا السلطة المركزية، أعادوا إنتاج أدوات العنف عبر تحريك مليشيات ما دون الدولة، وتوظيف خطاب المظلومية الدينية، والفتاوى المفصّلة لتبرير القتل والتشريد، لا باسم الدولة، بل باسم الله كما يرونه!
    في ضوء ذلك، لا يمكن مقاربة الأزمة السودانية اليوم بوصفها مجرد صراع على السلطة، بل يجب فهمها كتجسيد لانهيار مشروع تأسيس الدولة على أسس غير عادلة، ولا تمثيلية، ولا تعددية. وما لم تتم إعادة صياغة هوية الدولة السودانية على أسس علمانية، ديمقراطية، لا مركزية، تعترف بالمواطنة المتساوية، وتقطع جذريًا مع الإرث الاستعلائي للإسلام السياسي، فإن دائرة العنف ستستمر، وإن بأسماء ورايات مختلفة.

    الإسلام السياسي: سلطة الغنيمة ضد حلم السودان الجديد:
    حين نقول إن الإسلام السياسي في السودان ليس إلا امتدادًا لعصور الاستبداد الديني، فإننا لا نمارس التهويل، بل نصف بدقة ما يحدث على الأرض. إنهم لا يحكمون باسم الشعب، ولا يستمدّون شرعيتهم من المواطنين، بل يحتكرون السماء ويفرضون أنفسهم على الأرض، يرفعون المصاحف لا ليضيئوا بها الطريق، بل ليجلدوا بها ظهورنا ويكتموا بها أنفاسنا. يفرضون علينا الخضوع لسلطة تقفز فوق التاريخ والعقل، وتعيدنا قرونًا إلى الوراء، إلى حيث يصبح الإنسان مجرّد "رعية"، طيّعًا، خانعًا، يرى في الوطن مغنمًا، وفي الطاعة عبادة، وفي الاستبداد قداسة... وهيهات....

    لقد ظهر الإسلام في القرن السابع، وتحول سريعًا من دعوة إلى دولة، من الوحي إلى السلطان. وما بين الخلافة الأموية والعباسية، ومن ثم المماليك والعثمانيين، لم يكن الدين سوى غطاء لأطماع السلطة وتبريرًا لنهب الثروات وتكريس التراتبية باسم الله. وما يفعله الإسلاميون في السودان منذ عقود هو تكرار هذا النموذج القديم: اختزال الدين في شعارات، وتسليط السيف على رقاب المعترضين، واستباحة الدولة باسم "التمكين" و"الجهاد".
    في مشروعهم، لا وجود للإنسان السوداني كذات حرّة فاعلة. الإنسان عندهم أداة، عبد مأمور، يُقاد بالفتوى، ويُزجّ به في المعركة من أجل راية لا تمثله، ولا يرى فيها سوى وعد الغنائم أو الفردوس. وهكذا تحوّل الوطن إلى غنيمة، الدولة إلى فيء، والناس إلى جنود مجنّدين لحروب لا تخصهم. هكذا جرى تبرير نهب ثروات السودان، خصوصًا من الهامش، وسرقة المال العام باسم الجهاد، فيما المركز – مركز الإسلام السياسي – يعيش في رفاهٍ مؤسس على جوع الآخرين.
    كل هذا لا علاقة له بالدين كقيمة أخلاقية أو روحية. بل هو نسخة معاصرة من عصور الظلام، حيث كانت الكنيسة في أوروبا تحكم باسم الإله وتمنع الناس من التفكير، قبل أن تنتفض البشرية بعصر النهضة والتنوير، فتعلن أن لا سلطة تعلو على الإنسان الحر، وأن لا دين يُستعمل عصا لتكريس الطغيان. أوروبا خرجت من نفق الظلام حين فصلت الكنيسة عن الدولة، واعتمدت العلمانية، والديمقراطية والمواطنة والعقلانية، لا الغيبيات والتكفير.

    ونحن، في السودان، أمام نفس الاختبار. إما أن نستمر في اجترار هذا الماضي الثقيل، حيث يُذبح الناس باسم الله وتُنهب مواردهم باسم الدين، أو نختار طريقًا جديدًا: السودان الجديد.

    السودان الجديد: قطيعة جذرية مع دولة الغنيمة:
    السودان الجديد ليس مجرد شعار. إنه رؤية سياسية وأخلاقية تقف في النقيض التام لمشروع الإسلام السياسي. هو مشروع يؤمن أن الإنسان السوداني – كل إنسان، من دارفور إلى النيل الأزرق، من جبال النوبة إلى البحر الأحمر – يستحق أن يعيش في ظل دولة لا تُعاقبه على معتقده، ولا تهمشه بسبب لغته، ولا تقمعه بسبب رأيه. السودان الجديد يعني دولة علمانية تفصل الدين عن الحكم، لا كعداء للدين، بل كتحصين له من التوظيف الفاسد.
    السودان الجديد يعني ديمقراطية حقيقية، لا ديمقراطية الطغاة، ولا "شورى" المحكوم فيها بالإقصاء. ديمقراطية تشارك فيها كل الأصوات، وتُبنى على المواطنة لا على الولاء. والسودان الجديد يعني لا مركزية جذرية، تعيد السلطة والثروة إلى الأقاليم، إلى حيث تُنتج الموارد وتُصنع الحياة، لا إلى الخرطوم وحدها.
    هذا المشروع ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية. لا يمكن أن نبني سلامًا مستدامًا أو نوقف الحروب طالما بقيت الدولة مركزية، عسكرية، دينية، تفرض نفسها على الناس من فوق. ولا يمكن أن نخرج من التذوّر الحضاري والتقهقر الاقتصادي طالما بقيت المؤسسات تُدار بعقليات القرون الوسطى.

    الطريق إلى الحداثة يبدأ من هنا: من السودان الجديد، من العلمانية، من الديمقراطية، من اللا مركزية، من الاعتراف بأن ما يجمعنا هو العيش المشترك لا الدين الواحد، و لا الطاعة.
    ما يحتاجه السودان ليس "مصالحة" مع الإسلام السياسي، بل قطيعة معرفية وتاريخية معه، فالمعركة ليس بين إسلام وكفر، بل بين مستقبل وماضٍ، بين دولة المواطنة ودولة الغنيمة.
    آن أوان أن ننتقل من الطاعة إلى الحرية، من التبعية ومن التسبيح للحاكم الي مساءلته، من دولة الثواب والعقاب إلى دولة الحقوق والواجبات.

    السودان الجديد ليس مجرد أمل، إنه ضرورة، وهو لا يُمنح، بل يُنتزع. فليكن صوتنا واحدًا: لا قداسة لسلطة، لا غنيمة في وطن، لا وصاية على الضمير، وداعًا للقرن السابع، مرحبًا بالقرن الواحد والعشرين!

    المقولات الدفاعية: من تواطؤ الصمت إلى تواطؤ الامتياز:
    حين يُسأل المواطن السوداني المسلم (الأغلبية) عن جرائم الإسلاميين، يرد غالبًا بمقولات دفاعية مألوفة: "هذا ليس الإسلام"، أو "لو طُبِّق الإسلام الصحيح لما حدث هذا". غير أن هذا التبرير – الذي طالما قدّم نفسه كبراءة سياسية – لم يعد بريئًا. نحن لا نتحدث هنا عن نظرية مجردة، بل عن تجربة سلطوية كاملة منذ الاستقلال، تجلت في الثلاثة عقود الاخيرة، رفعت فيها راية الإسلام، وارتكبت فيها الجرائم باسم الشريعة، من التعذيب والقمع إلى المجازر والنهب. فإذا لم يكن هذا هو "الإسلام الصحيح"، فأين هو إذن؟ ولماذا لا يظهر إلا في الخيال، أو في لحظة مؤجلة خارجة عن الواقع؟
    هنا تكمن خطورة الخطاب الدفاعي: أنه لا يفكّك الجريمة، بل يبرّئ البنية التي أنتجتها، ويرفض الاعتراف بأن الدين، حين يتحوّل إلى أداة حكم، يصبح عرضة للاستعمال العنيف والمنفعي. وكما قال الفيلسوف كارل بوبر: "لا نحكم على الأفكار بنوايا أصحابها، بل بنتائجها." فهل يكفي أن نقول "النية كانت طيبة"، بينما الواقع يصرخ بملايين الضحايا، وثروات منهوبة، وأوطان ممزقة؟ هي الاسئلة التي يجب ان يواجهها كل مسلم سوداني بجد في هذا الوقت.

    في هذا السياق، لا يعود الصمت موقفًا محايدًا، بل تواطؤًا فعّالًا مع بنية الاستبداد الديني، وخاصة حين يصدر عن الفئات التي استفادت اجتماعيًا وثقافيًا من مشروع الإسلام السياسي، أو من موقع "الامتياز الإسلامي" في الدولة السودانية. لقد تحوّل الامتياز الديني في السودان – كامتياز إثني ثقافي – إلى شكل من اللامسؤولية الأخلاقية؛ حيث يتخيّل المسلم أنه غير معني بجرائم تُرتكب باسمه، طالما أنه لم يشارك فيها بشكل مباشر. وهذا هو جوهر ما سمّته حنة أرندت: "تفاهة الشر" – الكارثة لا تقع فقط حينما يقتل المجرمون، بل حين يصمت العاديون ويعيشون داخل "فقاعة البراءة"

    السلطة باسم الله: من شرعية الروح إلى استباحة الجسد:
    ليست الظاهرة الإسلاموية في السودان، كما تدّعي بعض النخب، انحرافًا طارئًا عن مسار سياسي طبيعي، بل هي نتيجة منطقية لبنية فكرية وتاريخية متجذّرة، قامت على توظيف الدين كأداة للضبط والإخضاع، لا للتحرير أو التنوير. فمنذ تأسيس الدولة الوطنية، تمأسست "الهوية الإسلامية" لا باعتبارها أحد مكونات الشخصية السودانية، بل كأداة لإعادة تشكيل المجتمع على صورة المركز، وتكريس الإسلام لا بوصفه مرجعية روحية، بل كآلية للسلطة والسيطرة باسم الدين والشريعة.
    في هذا السياق، لم يكن الإسلام السياسي مشروعًا فكريًا يقدَّم في فضاء تعددي ضمن صراع سلمي للأفكار، بل طُرح كحقيقة كُلّية مُنزّلة، لا تقبل النقاش أو المراجعة، تستمد شرعيتها من الغيب، وتُفرض على الواقع بقوة الدولة والدعوة والجهاد. وبهذا، تحوّل الإيمان من تجربة فردية بين الإنسان ومطلقه، إلى منظومة بوليسية شاملة، تُخضع الجسد والضمير، وتُقنن القمع من خلال فتاوى وفقه سلطوي يجعل الطاعة للحاكم عبادة، والتمرد معصية، والمحاسبة خروجًا على الدين.
    هذه هي الثيولوجيا السلطوية التي نقدها مبكرًا الشيخ علي عبد الرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم (1925)، حين نبّه إلى أن تديين الدولة لا يُنتج عدالة، بل يُنتج استبدادًا مموَّهًا بالمقدّس، حيث تُصبح الدولة فوق الشعب، والحاكم فوق القانون، والناقد خصمًا لله لا للسلطة. أما في السودان، فقد وجدت هذه البنية تجلي تعبيرها الكارثي في المشروع الحضاري الذي طرحه نظام "الإنقاذ"، والذي لم يكن سوى إعادة بعث لسلطة الفقه فوق الدولة، باسم الشريعة، تحت راية الجهاد.
    وكما يؤكد الفيلسوف سلافوي جيجك، فإن الإشكال لا يكمن في "تطرف" التطبيق، بل في البنية اللاهوتية نفسها التي تتيح تسليح العقيدة وتحويلها إلى جهاز قمع. فطالما أن مفردات الدين قابلة للتأويل السلطوي، فإن المطالبة بـ"إسلام سياسي معتدل" ليست إلا مناورة شكلية لا تمسّ الجذر- محض احتيال. ومن هنا، فإن ما نشهده اليوم في السودان من نحر البني الدميين على الهوية، وعمليات صلب وتمثيل بالجثث، تُرتكب تحت شعارات "الله أكبر"، ليست استثناءات عن المشروع الإسلاموي، بل هي تمثيل نقي له، حين يُترك بلا نقد ولا مساءلة، ويُستخدم الدين ذريعة لتجريد الإنسان من جسده ومن كرامته.

    سؤال المسؤولية: من الأخلاق إلى القانون، ومن التواطؤ إلى المساءلة:
    في الفقه القانوني الدولي، لا تُقاس المسؤولية فقط بالفعل المباشر، بل تمتد لتشمل كل من يشارك في الجريمة عبر التحريض، أو التسهيل، أو الصمت عن علم. ووفق هذا الإطار، لا يمكن إعفاء قطاعات واسعة من السودانيين – خصوصًا من داخل النخبة المتدينة أو الملتزمة بالصمت – من المسؤولية الأخلاقية والسياسية عن الجرائم والانتهاكات التي رافقت حكم "الإنقاذ". فالصمت حين يُصبح قاعدة، والتبرير حين يُصبح عقيدة، يُحوّل المجتمع من ضحية إلى شريك في الجريمة.
    لقد استند النظام الإسلامي إلى شرعية مستمدة من الامتياز الديني والثقافي. فئة من السودانيين تمّت تعبئتها – صراحة أو ضمناً – بوصفها "الأقرب إلى الله"، الأحق بالسلطة، والمرشحة لتأديب غير المسلمين وغير المتعلمين دينياً باسم الدعوة. وبهذا المعنى، لم يكن الامتياز الإسلامي مجرد خطاب، بل شبكة من المنافع السياسية والاقتصادية والرمزية، مكّنت جماعات بأكملها من الاستحواذ على السلطة والثروة، على حساب الهامش، وعلى حساب وحدة الدولة.
    وفي الفلسفة السياسية، لا تقوم المسؤولية الأخلاقية على النية وحدها، بل على نتائج الأفعال، وعلى التواطؤ البنيوي الذي يصمت عن القمع، أو ينتفع منه، أو يغض الطرف عن ضحاياه. ولذا فإننا بحاجة إلى إعادة مساءلة الفرد المسلم – لا بوصفه متفرجًا سلبيًا – بل كفاعل ضمن شبكة من الامتيازات أنتجت وسوّغت منظومة التمييز والاستبداد.
    من دون هذا الاعتراف، ومن دون المساءلة الأخلاقية والقانونية، لن يكون هناك مستقبل لسودان عادل. فالقطيعة مع المشروع الإسلامي لا تمر فقط عبر تغيير السلطة، بل عبر تفكيك بنيتها الفكرية والثقافية، وتأسيس دولة تقوم على المواطنة لا على العقيدة، وعلى المساواة لا على الامتياز، وعلى الحرية لا على الطاعة.

    نحو السودان الجديد: تفكيك الامتياز واستعادة الأخلاق:
    إن القطيعة مع الإسلام السياسي لا تتم فقط بإسقاط نظامه، بل بتفكيك الامتياز الذي أنتجه، قانونيًا وثقافيًا. وهذا لا يتحقق إلا عبر مشروع السودان الجديد: دولة علمانية ديمقراطية، تحرر الدين من الدولة، وتحرر المواطن من الخوف، وتعيد الاعتبار للمسؤولية الأخلاقية والمدنية كجوهر للانتماء.
    لا مساواة دون قطيعة مع الامتياز.
ولا عدالة دون مساءلة التواطؤ.
ولا سلام دون إعادة تعريف الإسلام بوصفه تجربة روحية، لا مشروعية سياسية.

    من أجل عقد اجتماعي جديد:
    السودان اليوم بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد لا يُختطف فيه الدين لصالح نخبة، ولا يُفرض على أحد من أعلى، بل يقوم على مبادئ المواطنة والعدالة والعيش المشترك. وكما أكد جون رولز، فإن الدولة الديمقراطية لا يمكن أن تُبنى على ميتافيزيقيا دينية أو عقائدية، بل على توافق مدني يُراعي تعدد الرؤى، ويمنح الأفراد الحق في الإيمان أو عدمه، دون أن يُستخدم هذا الإيمان كذريعة للسلطة وللهيمنة. هذا العقد الجديد يجب ان يؤسس علي فصل الدين عن الدولة صراحة ودون ماربه وان تسمي العلمانية كمبدا فوق دستوري لايجب المناوره بها او التحايل عليها.

    خاتمة: قطيعة لا تبرير:
    لقد آن الأوان لمراجعة حقيقية وشجاعة. ليس فقط لمحاسبة الإسلاميين على جرائمهم، بل أيضًا لمساءلة المسلمين الذين يواصلون الدفاع عن خطاب ديني بدرجات ورؤي مختلفة لم ينتج عبر تاريخه ومنذ القرن السادس سوى المزيد من الاستبداد والتطرف. الدين شأن خاص، أما السلطة فهي مسؤولية عامة. وعلى الجميع أن يقول بوضوح: لن نسمح أن يُستخدم ديننا لتبرير الذبح والاستعباد بعد اليوم.
    وإلا فإننا سنظل في حلقة مفرغة، لا تُنتج سوى المزيد من المهوسين اسلاميا، والمزيد من الموتى، والمزيد من الخراب.

    النضال مستمر والنصر اكيد.

    (أدوات البحث التقليدية والإليكترونية الحديثة استخدمت في هذه السلسلة من المقالات)
























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de