الناظر للوضع السوداني اليوم، لا يجد سوى الخراب والدمار على جميع المستويات، فأكثر من نصف الشعب أي فوق العشرين مليون مواطن مشرد او نازح، وفوق ذلك هنالك عشرات الالاف من الموتى ومئات الالاف من المصابين والذين اختفوا ولا بعرف لهم مكان!!! وحتى ما تبقى من نصف الشعب الاخر بعيش في ظل عدم توفر الأمن وقلة الطعام وغلائه إن وجد وندرة ماء الشرب الصحي والانقطاع شبه التام للتيار الكهربي. هذا الوضع اللاإنساني يزداد تأزما مع مرور الأيام والاسابيع ولا يبدو ان هناك حل في الأفق القريب لوقف هذا النزيف. رغم هذا الوضع الكارثي فأن الرأي العالمي لا يأبه لما يحدث في السودان او لا ينظر اليه باعتباره من الأولويات، نعم تحاول الأمم المتحدة من خلال آلياتها المتعددة السياسية والإنسانية ممارسة الضغوط على الأطراف المتحاربة لإيقاف شامل لإطلاق النار وإيجاد ممرات إنسانية آمنة لإيصال الغذاء والدواء، وتقديم شيء من العون الإنساني، ولكن يظل ذلك المجهود ضعيف مقارنة بحجم الكارثة. أما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وحتى الصين فهي دول تهمها مصالحها الاقتصادية والسياسية في المقام الأول والاستفادة من الوضع بقدر الإمكان دون تغليب النظر للوضع الإنساني الكارثي، وبناء عليه تتأرجح مواقفها ما بين تأييد أحد الطرفين المتحاربين بصورة مباشرة او غير مباشرة عبر مفاوضات بلا نتائج فاعلة وملزمة. وعلى نفس المنوال تحاول دول الإقليم والجوار التدخل استخباريا وأحيانا لوجستيا لضمان مصالحها الآنية والاستراتيجية اقتصادية كانت او سياسية توافقا على المثل "الثور كان بوقع تكثر سكاكينه"، وهذا الامر يزيد في تدويل الحرب واستطالتها ويزيد في معاناة الشعب السوداني ودمار بلاده. يبقى ان الحل الحقيقي هو بيد الشعب السوداني باعتباره المتضرر الحقيقي من الحرب، وعليه ان يستيقن ان لبس هناك قوة أخرى ستبحث له عن الحل، مما يستوجب عليه معرفة أسباب الحرب لمعالجتها، والا سيستمر حاله على ما عليه ويزداد سوءاً، فخلال هذه السبعين عاما الأخيرة أي منذ العام 1952م ظلت الحرب دائرة بلا انقطاع يذكر في السودان، ويمكن القول بأنه طوال هذه السنوات السبعينية كان الحكم عسكريا وديكتاتوريا. مع سنوات تكاد لا تذكر من الحكم المدني! إذن اول متلازمة للحرب هي الحكم العسكري الاستبدادي المستعين بقبضة بوليسية وأمنية قاهرة، مما يوضح إن هناك علاقة سبب ومسبب بينهما، وانه كلما اطل الحكم المدني كلما بعد شبح الحرب، ولكن الحكم المدني لن يأت به عسكري، بل يجب ان يقوى الصوت الشعبي الوطني المطالب بالحكم المدني بواسطة كل الآليات السلمية الممكنة وأدوات التغيير السلمي وأولها عن طريق نشر الوعي المدني عبر الوسائط الاجتماعية ولتوحيد صوت الجماهير ضد الحكم العسكري. ثم من الممكن ان تتجمع المبادرات المحلية على نطاق القري والاحياء بالمدن والاقاليم كمبادرات على رأسها شخصيات وطنية غير عسكرية وغير حزبية لنشر ثقافة السلام والرفض للحرب بين أبناء الوطن الواحد تحت أي مبرر كان. كما انها يمكن ان تقوم بالمصالحات الوطنية بين القبائل المتصارعة ويتم إقناع قادة الحركات المسلحة بضرورة إدماجها مباشرة في القوات المسلحة، والعمل على نزع السلاح الناري من ايدي المواطنين، مما سيودي لنشر الأمن وبداية الاستقرار والتعمير. فمن الحي ببدأ الاعمار وبأيدينا نبني السودان. بعد توفير قدر من الأمن والاستقرار الخطوة الأولى والأساسية لتمهيد الطريق أمام وصول المساعدات الدولية والأممية، لا سيما في مجالي الدواء والخدمات الصحية. ومن جانب آخر، فإن هذا الاستقرار قد يشكل عامل جذب لممثلي الدول الراغبة في الاستثمار في السودان من خلال المساهمة في جهود إعادة الإعمار مثل الولايات المتحدة والصين ودول الخليج. مرة ثانية وللتذكر ، يجب ألا يأمل الشعب السوداني بأن هناك حلول حقيقية لمأساته ستأتيه من الخارج من "عواصم القرار الدولي"، بل يجب عليه إدراك معنى المثل «ما حك جلدك مثل ظفرك"، بل يجب عليه تنظيم وتوحيد قواه المدنية من أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني ومبادرات شعبية طوعية وكفاءات سودانية مهنية من داخل وخارج السودان وغيرها، وعبر توحيد هذه الجهود، يمكن أن تتشكل قوة شعبية ذات كلمة موحدة في مواجهة الأنظمة الاستبدادية، مما يفتح الباب أمام تطوير مسار سياسي يقود إلى إقامة حكم مدني وطني، يرتكز على قيم المواطنة والعدالة، ويتجاوز الانقسامات الجهوية والقبلية الضيقة ويسد الباب نهائيا أمام الحرب
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة