أنا لم أكتب عن السودان لأنني أريد استدرار العاطفة، بل كتبت لأن في قلبي بلد، وناس، وتراب… فقدتُ فيه أعزاء، وشاهدت فيه الموت يمشي بين الأحياء بلا خجل. كتبت لأن الحرب علّمتنا أن لا أحد ينتصر، وأن الوطن حين يُذبح، فالدم لا يُفرّق بين جندي ومُتظاهر، بين شمالي وغربي، بين من حمل السلاح ومن حمل العلم. قال لي أحدهما : “عواطفك كاذبة”، فابتسمت. لأن من لا يعرف الحنيه ، لا يصدّق أن هناك من يكتب من ألم، لا من مصلحة. من يظن أن الوطنية صراخ وشتيمة، لن يفهم أن الحزن الصادق لا يحتاج إلى راية حزبية، ولا إلى قائد نزيه كي يُقال عنه صادق.
ذكرتُ في مقالي السابق دموع الأمهات، وأحذية الأطفال، وحقولًا احترقت، ومآذن سُكت فيها الأذان… ذكرتُ الجنوجيد الذي صمت عنه الجميع، مذابح في دارفور، في كردفان، في الخرطوم، ضحايا بلا أسماء، قبور بلا شواهد. فهل سأُصنّف بعد كل هذا؟ هل صرتُ “عدوة للثورة” لأنني تجرأت أن أقول: كل دم حرام؟ هل تُصبح شهادتي باطلة إن ذكرت جنديًا فقيرًا أُرسل للموت لا يعرف لماذا؟ نعم، هناك من قتل بوحشية، من سفك الدماء باسم الأمن أو الدين أو الثورة… لكن هناك أيضًا من قُتل لأنه ضاع وسط صراخنا، ومن نسيْنَا أن نذكره لأنه لم يُرضِ مزاج السياسة. أنا لا أوزع الشهداء على الجنة والنار، فربُّ الجنة أعلم بهم. ولا أُقسم الوطنيين حسب شعاراتهم، لأنّ الخراب ما فرّق بين بيت لثائر، وبيت لعسكري. أن تُهاجمني لا يُضيرني، لأن الكلمة الحقّ لا تموت أمام الشتائم، بل تزدهر حين تُحارب. وأنا لا أكتب لأُرضيك، بل أكتب لأجل وطن يحتضر، ولأجل جيل يستحق أن يرى سودانًا لا يُقسّم الناس إلى “شهداءنا” و”قتلاكم”. لكم ثوراتكم، ولي ألمي، ولي حنيني، ولكلمتي التي ستبقى حرة، ما دمت أتنفّس. سلامٌ على من يعرف الفرق بين الغضب والكره، وسلام على كل أمّ لا تسأل لمن انتمى ابنها، بل فقط: “هل عاد حيًّا؟” وسلام على السودان، إن عاد إليه السلام
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة