إلى من اختار الشتيمة بدل الكلمة، وإلى من ظن أن الوطنية تُقاس بالصراخ والشتائم، أقول لك: لا وطن يُبنى بالكراهية، ولا ثورة تنتصر بالحقد، ولا شهداء تُكرَّم أرواحهم بتشويه الآخرين.
أنا لا أكتب بعاطفة كاذبة، بل أكتب بقلب أُم فقدت، وأخت حزنت، ومواطنة لا تزال تؤمن بأن السودان يستحق الأفضل، وأن كل قطرة دم سودانية سالت، من أي طرف، هي خسارة للوطن كله.
ذكرتُ برهان؟ نعم. وذكرت غيره. ليس لأنني أُقدّس أحدًا، بل لأنني أرفض أن يُحوَّل وطنٌ كامل إلى ساحة تصفية حسابات. ذكرتُ جنودًا، لأن بين صفوفهم شباب ماتوا لا يعرفون لماذا يُقاتلون، ماتوا وهم جوعى، عطشى، ضائعون بين أكاذيب السياسة وقساوة الحرب. ذكرتُ الشهداء، لأنهم ليسوا ملكًا لأحد، لا لي، ولا لك، ولا لأي جهة تُصنّفهم على حسب “مواقفهم”. نحن لسنا في بازار نوزّع فيه الحور العين والغلمان على من نحب ونحرم منها من نكره. الله وحده يعلم النوايا، والله وحده من يوزع الجنة والنار، ولسنا نحن من نحكم على أرواح الناس. أن تتحدث عن العنف الذي ارتكبه بعض من الجيش أو الأمن أو المليشيات — فهذا حقك، لكن أن تحوّل الألم إلى كراهية عمياء تُلغي الإنسان، فهذا ما يزيد النار اشتعالًا. لا أدافع عن قاتل، ولا أزغرد لمجرم، لكنني أُصر أن أُبقي شيئًا من الإنسانية في حديثي، وأن أحمي قلمي من أن يتحول إلى سكين. السودان اليوم لا يحتاج إلى مزيد من الدم، بل إلى من يوقف النزيف. أكتب لأني أُحب هذا البلد، أكتب لأني أؤمن أن الجنوح للسلام ليس ضعفًا، بل قمة الشجاعة. وإن كنت ترى أن كلماتي لا تُشبهك، فربما لأننا نحمل همَّ الوطن بطرق مختلفة. سلامٌ عليك، وعلى الشهداء جميعًا، من كل الأطراف، وعلى أمٍّ تنتظر، وعلى طفلٍ يبكي، وعلى وطنٍ يتألم لكنه لا يموت.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة