في خضم ما يشهده وطننا من محنٍ عظيمة، وتزامنًا مع سعي الأقلام الوطنية الشريفة لإيجاد مخرجٍ من دهاليز الحرب، تبرز أقلامٌ أخرى لا تتورع عن تسخير المهنة لخدمة أجنداتٍ مشبوهة، والتفنن في دجلٍ إعلاميٍ مكشوفٍ يهدف إلى قلب الحقائق وتشويه المواقف.
ولعل ما كتبه الأستاذ عثمان ميرغني في مقالته (تصريحات بابكر فيصل) يمثل نموذجًا صارخًا لهذا الانحراف المهني، الذي يكشف عن انكفاءٍ على الذات وتناقضٍ يبلغ حدَّ الفضيحة. ففي الأزمات الوطنية الكبرى، يتحول التضليل الإعلامي من مجرد افتراءٍ إلى جريمةٍ بحق الوطن، لأنه لا يكتفي بتشويه الحقائق، بل يسهم عمدًا في تأجيج الصراع وتعميق الانقسام الوطني، ويصبح معول هدمٍ في بناء جسور التوافق الضرورية لإطفاء نار الحرب.هذه المحاولات ليست إلا مساعي يائسة لخدمة سرديةٍ ركيكةٍ تهدف إلى شيطنة القوى المدنية وتشويه مواقفها.
إن من يقرأ مقال ميرغني ثم يطلع على حقيقة تصريحات الأستاذ بابكر فيصل، كما أوردها الأخير مفندًا، لا يملك إلا أن يصاب بالدهشة من هذا الاستخفاف المريع بذكاء القارئ، وهذا الابتذال الصارخ للمهنية الصحفية. لقد تعمد عثمان ميرغني، وبشكلٍ ينم عن سوء نيةٍ فاضحٍ وغاياتٍ مبيتةٍ، بتر تصريحٍ واضحٍ المعالم من سياقه الأصلي. لم يكتفِ بذلك، بل أتبعها بتأويلٍ ركيكٍ وادعاءاتٍ عاريةٍ تمامًا عن الصحة، ليصور الأستاذ بابكر فيصل، وهو القامة الوطنية المعروفة بمواقفه التي تنبع من قراءةٍ ورؤيةٍ سياسيةٍ مستقلةٍ لحزبه الذي يمثله، وكأنه ناطقٌ باسم الدعم السريع.
فضيحة عثمان ميرغني بين الانكفاء والتناقض وهنا يتجلى الفضيحة المهنية المدوية التي ارتكبها عثمان ميرغني؛ فكيف لكاتبٍ يدعي المهنية أن يتجاهل عمدًا جزءًا أصيلًا من الخبر الصحفي الذي أوردته الشرق الأوسط؟ ففي ذات التقرير الذي استشهد به ميرغني، جاء ذكر رأي قوات الدعم السريع بشكلٍ منفصلٍ تمامًا عن تصريحات الأستاذ بابكر فيصل. هذا ليس خطأً عابرًا، بل هو فعلٌ مدبرٌ لجريمةٍ إعلاميةٍ تهدف إلى إثبات سرديةٍ جاهزةٍ ومخدومةٍ، مفادها أن القوى المدنية الوطنية، وعلى رأسها مكونات مثل الحرية والتغيير،وتقدم ليست سوى (جناحٍ سياسيٍ) لقوات الدعم السريع. إنها محاولةٌ دنيئةٌ لربط مواقف سياسيةٍ مستقلةٍ بأطراف النزاع العسكري، لتبرير سياساتٍ إقصائيةٍ لا تخدم إلا استمرار الحرب والخراب.
إن ما قام به عثمان ميرغني ليس مجرد رد على مقال، بل هو شهادةٌ دامغةٌ على انحطاطٍ مهنيٍ مؤسفٍ، يكشف عن أجندةٍ خفيةٍ تسعى بكل قواها لتشويه الحقائق وخدمة مصالح ضيقة. فكيف لكاتبٍ أن يدعي أن الأستاذ بابكر فيصل قد منح نفسه صفة المحكم العسكري بتقديره لوضعٍ ميدانيٍ، في حين أن تصريحات فيصل لم تتضمن حرفًا واحدًا يشير إلى تقييم عسكري أو حكم على قوة وضع أي طرف ميدانيًا؟. هذا ليس مجرد خطأ في التفسير، بل هو كذبٌ صريحٌ وتضليلٌ فاجرٌ، يهدف إلى نسف مصداقية الأستاذ بابكر فيصل وتخوينه دون وجه حق.
لقد أوضح الأستاذ بابكر فيصل بجلاءٍ لا يقبل الشك أن تقييمه لـ عدم واقعية خارطة الطريق لم يكن سوى تحليلٍ سياسيٍ رصينٍ يستند إلى فهمٍ عميقٍ لديناميكيات التفاوض وللظروف الموضوعية على الأرض. والمفارقة هنا أن ذات الرأي، حول عدم واقعية خارطة الطريق، قد عبر عنه حزب وطني آخر، وهو حزب الأمة الإصلاح والتجديد برئاسة مبارك الفاضل المهدي، وقد ورد رأيهم في ذات تقرير الشرق الأوسط. فلماذا اختار ميرغني أن يغض الطرف عن هذا الدليل الدامغ الذي ينسف كل ادعاءاته؟ إنها انتقائيةٌ فاضحةٌ تكشف عن غايةٍ مبيتةٍ في استهداف شخص الأستاذ بابكر فيصل وموقفه، بهدف إضعاف جبهة المطالبين بوقف الحرب العاجل وإعادة بناء الدولة. هذا التناقض الصارخ في المعايير يصفع المصداقية المهنية لعثمان ميرغني في صميمها، ويفضح انكفاءه على سرديةٍ أحاديةٍ لا ترى غير ما ترغب أن تراه.
وسط هذه السجالات الهابطة ومحاولات التشويه الرخيصة، يظل الأستاذ بابكر فيصل، رئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي والقيادي بتحالف صمود، قامةً وطنيةً شامخةً، لم تُثنها عاديات الخطوب ولا حملات التضليل الرعناء. إنه صوتٌ جهيرٌ للحكمة والرشاد، يصدح بالحق في زمنٍ عزَّ فيه الصدق، ويرفض منطق الإقصاء والتخوين، داعيًا بقلبٍ مفعمٍ بحب الوطن إلى حلولٍ سياسيةٍ جذريةٍ وواقعيةٍ تنهي معاناة شعبٍ أنهكته آتون الحرب. لقد أثبت فيصل، ببيانه الوازن وحجته الدامغة، أنه نموذجٌ يُحتذى به في الشجاعة الفكرية، والقدرة على فضح التضليل والزيف بكل رصانةٍ واقتدار، لا يخشى في قول الحق لومة لائم. يستحق هذا الرجل الفذ كل إجلالٍ وإكبارٍ على صلابته وثباته في وجه حملات التشويه الخبيثة التي لا تهدف إلا إلى إطالة أمد الخراب وتمزيق النسيج الوطني، بينما هو يسعى بقلبٍ خالصٍ لرأب الصدع وبناء سودانٍ آمنٍ ومزدهر.
إننا ندعو الأقلام التي تلوثت بالتحيز والتضليل إلى مراجعة ضمائرها، والعودة إلى جادة المهنية والشرف الصحفي. فمسؤولية الإعلام في أوقات الأزمات تتعاظم، وتصبح الكلمة إما بناءً أو هدمًا، ولا مجال فيها للمراوغات الرخيصة أو الأجندات الضيقة. فالوطن ينزف، والشعب يتألم، ولا مكان لمن يصب الزيت على النار أو يسعى لتقويض جهود السلام. إنها معركةٌ لا هوادة فيها ضد التضليل الإعلامي الممنهج، دفاعًا عن الحقيقة والوطن.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة