القمم العربية التي تجمع بين طبقات النخب السياسية الحاكمة وأجناسها، لا تشخص لها الأبصار، أو تمتد لها الأعناق، ليس لأنها ترتفع فوق أفهام العامة، ولكن لأنها فشلت في تحقيق الصلة بينها وبين قاعدتها العريضة، التي لم تظفر من الحياة بنصيب تحت مظلة حكمها الراشد، فهذه النخب التي تتكلف من الخصال ما ليس فيها، والتي تعتقد واهمة أنها تذود عنا كل شر، وتحمينا من كل بأس، تتكلم في مصر، وتتكلم في المغرب، وتتكلم في شبه الجزيرة العربية، وتتكلم أيضاً في العراق، وتدعو في كلامها الطويل المرسل هذا، لتقوية القومية العربية وتعزيزها بعد أن كونها الإسلام، ثم تعطف بعدها للقضايا التي تجود بها قرائحهم، وتشدو بها ألسنتهم في كل قمة، القضايا التي يحشد لها جزالة اللفظ، وبراعة النظم، ومتانة الرصف، وعمق المعاني، وتشمل هذه القضايا على سبيل المثال لا الحصر، وقف الحرب في غزة، ومعالجة أوضاعها، واعادة اعمارها، وانهاء النزاعات والحروب التي تدور رحاها، في ليبيا والسودان والصومال واليمن، كما لا يجد الشك إلى أنفسنا سبيلا بأن أصحاب الفخامة سوف يتطرقوا إلى دعم مشاريع الاستثمار المشترك بين دول المنطقة، وتعزيز التعاون الاقتصادي الذي يفضي إلى خير الشعوب، والشعوب التي أدركت بالتجربة أن الغرب الذي يعمل على توطيد سيادته بالوشاية والتفريق بين الدول العربية المتنازعة، لن يسمح بهذا التعاون إن أرادت هذه النخب أن تظل قابضة على زمام السلطة، رضي أن يعيش في هذا العوز، وعلى هامش تلك الدنيا المجدبة، فانقطعت من كل شيء، وتركت هذه النخب تنعم بآثامها، النخب التي يزعم أصحابها، ويزعم لهم كثير من الناس، بأن كل شيء جميل في عهدهم، حتى الفاقة والحاجة، وأعباء الحياة وأثقالها، فقد استيأست هذه الأمم أن تقف موقف الخصومة والنزاع مع من زباينتهم غادين رائحين عليهم، هذه الأمم في الحق تمضي أيامها ولياليها خائفة مذعورة، مروعة القلب، مستطارة الفؤاد، وستظل على هذا الحال مهما طال عليها الزمن، واختلفت عليها الخطوب، لأن الرهبة والخشية، باتت مسيطرة على مشاعرهم، ومهيمنة على أفئدتهم، لأجل ذلك ستظل معتمدة على هذه النخب في تحصيل كرامتها، وتكوين حياتها . أمتنا العربية إذا كانت ترجو لنفسها المجد والفخار، عليها أن تثور وتنفض على خشونة هذه النخب وغلظتها، وأن تقاطع مثل هذه القمم المتهافتة التي لا يحضرها إلا عدد قليل من الرؤوساء الذين ضاقت عليهم المذاهب، وتقطعت بهم السبل، لأن يستحوذوا على هوى شعوبهم، ويملكوا عواطفها، لأنهم تكلفوا المعاظلة والتعقيد في حكمهم، ولم يمنحوا محكوميهم هذه الحرية الواسعة المطلقة، ولم يسلكلوا مسالك الرحمة وشعابها، ولم يعمروا أغوار الفلوات وأنجادها، لأجل كل هذا من حق هذه الشعوب أن تغضب ومن حقها أن تسخط، ومن حقها أيضاً أن تزهد في قمم أقطابها، وأن تهتم فقط بمهنها وأحمالها التي لا ترويهم من ظمأ، أو تطعمهم من جوع، أو تكسوهم من عرى. د.الطيب النقر
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة