أنها دعوة سياسية لرفض العنف وبناء الدولة على أسس الحضارة والإنسانية , الحق في الحياة هو قيمة دينية وإنسانية عليا. تستند هذه الدعوة إلى جوهر الرسالة الإسلامية التي تحرّم الاعتداء على النفس البشرية، مستشهدة بالآية - "مَن قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا" (المائدة: 32). إن حماية الحياة تمثل مبدأً إيمانيًا لا يجوز تجاوزه، وهي في الشرع حقٌّ مصون لا يُمس إلا بضوابط قانونية صارمة تحفظ العدل وتمنع الغلوّ والتجاوز. الحق في الحياة ليس منحة تُعطى، بل هو الأساس الأخلاقي لكرامة الإنسان. إن تحويل الخلاف الفكري إلى "رخصة دم" هو سقوط في وحشية تُفكك النسيج المجتمعي، وتحوّل الدولة إلى غابة تحكمها الغرائز لا القانون. ادعاء أن "ميادين القتال" هي مصدر الشرعية يكشف جهلًا صريحًا بطبيعة الدولة الحديثة، التي لا تُبنى على القوة الغاشمة بل على المؤسسات والقانون والدستور. الشرعية لا تُنتزع بالبندقية، بل تُكتسب بثقة الناس واحترام التعدد والحقوق. تُثبت تجارب الشعوب أن الأنظمة التي اعتمدت العنف وسيلة للحكم — سواء كانت عسكرية أو متطرفة — سرعان ما انهارت، بينما تعافت المجتمعات التي اختارت طريق الحوار والعدالة والمواطنة، وحققت الاستقرار والنمو الحقيقي. تبرير القتل خارج القانون ليس بطولة بل انحدار أخلاقي وفكري. إن الخطابات الثأرية لا تُبقي مجالًا للعقل، بل تفتح الأبواب أمام الفتنة وتُحوّل السياسة من فن إدارة الاختلاف إلى ساحات انتقام دموية لا تبقي ولا تذر. كيف يُمكن لمن يدّعي تمثيل مشروع إسلامي أن يُشرعن انتهاك مبدأ أساسي في الإسلام: حرمة الدم؟! هذا التناقض الصارخ يكشف أن الخطاب العنيف لا ينتمي إلى الدين، بل يُشوّه الدين لحسابات سياسية ضيقة ومصالح مدمّرة. الميادين التي تستحق أن تُخاض ليست ساحات القتل، بل ميادين الفكر والتربية والإصلاح المؤسسي. النقاش بالحجة، واحترام المختلف، وبناء دولة القانون والمؤسسات هي وحدها السبيل إلى العدالة المستدامة. على المنابر الإعلامية والثقافية أن تتحول إلى منصات تنوير، ترفع صوت العقل، وتُعرّي خطاب الكراهية، وتعيد تعريف "الشرف" لا بأنه قتل الخصم، بل احترام كرامته، والاختلاف معه ضمن حدود الإنسانية المشتركة. مواجهة العنف ليست مجرد خيار أخلاقي، بل ضرورة وجودية لبقاء الوطن والإنسان. نوجه نداءً إلى القوى السياسية أن ترفض التماهي مع أي خطاب دموي، وأن تتبنى مشروعًا وطنيًا يقوم على المواطنة المتساوية والكرامة الشاملة. وإلى المثقفين والدعاة أن يفضحوا التناقض بين ثقافة العنف وجوهر الدين، وأن يُحيوا الفقه الإنساني الذي يوازن بين الأصالة والحداثة. وإلى الشباب أن يكونوا جيلًا لا يخشى مواجهة الطغيان بالكلمة والوعي، لا بالبارود والخراب، ويختارون النور على دخان الكراهية.
* إننا لا ندافع عن مواقف نظرية، بل عن مجتمع يستحق أن يُبنى بالرحمة لا بالدم، وبالحق لا بالغلبة. لن يُكتب النصر لأمة إلا إذا انتصرت إرادة الحياة على ثقافة الموت.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة