في العرف الأهلي السوداني غرباَ وشمالاً وشرقاً، أن العمودية والنظارة لا يتولاها من لا يملك الطين والأرض، وحدث أن طالبت مجموعة من سكان إحدى حواكير جنوب دارفور بالنظارة، فتهكم الناس عليها لعدم كفاية مطلوبات استحقاق النظارة، فوصفوها بمن يطلب "العمودية" وهو لا يملك الأرض، وبالتالي يكون مثله كمثل الجالس على ظهر الثور وهو يطمح في أن يعمّد على قومه، هذا حال كامل إدريس، الذي يعتبر الأنسب لرئاسة وزراء عصابة بورتسودان الهاربة، التي لا تملك حتى الأرض لتقيم عليها حكومتها التي يقودها رائد الملكية الفكرية، المزوّر لتاريخ ميلاده طلباً للاستمرار في الوظيفة، في ظاهرة فساد فريدة شهد عليها العالم واستنكرها الناشطون السودانيون في مشارق الأرض ومغاربها، لذلك لا عجب في أن يلتئم شمل النطيحة والمتردية والموقوذة وما أكل السبع، ويجتمعن كلّهن على كلمة اعوجاج، ففراغ عصر التفاهة يملأ شواغره التافهون والمزورون والفاسدون والمرتزقون والمهووسون والمتاجرون بالأديان والأطيان، فرئيس وزراء عصابة بورتسودان ما هو إلّا طرطور ومحلل (تيس مستعار)، قبل أن يكون خرقةً وقماشاً ينظف به الإخوانيون نجاستهم العالقة بأجسادهم، نتيجة لارتكابهم الموبقات بحق الشعب السوداني، فنهايات الامبراطوريات تكون بتولي ضعاف الشخصيات للشأن العام، كما ختم عصر بني أمية الخليفة الوليد الذي سب القرآن ومزقه وتحداه أن يشكوه لرب الناس. ظاهرة التكالب على المناصب حتى ولو كانت صورية في زمن الحرب، تدل على موت الضمائر وخراب الأنفس وانعدام حاسة استشعار هموم الناس ومأساتهم الكبرى، هذا السلوك لا يخص كامل إدريس لوحده بل معني به كل من هرول وسعى لدخول نادي المجرمين، وساحة المرتزقة الخارجين من الحياد، أولئك المتاجرين بدم أهاليهم من القوة المشتركة، وأيضاً لن نبرئ من ينتهز الفرص ويتكالب على منظومة حكومة الوحدة والسلام "تأسيس"، فليس كل ما يلمع ذهباً، وقد شهدنا في ظل ظروف هذه الحرب أن هنالك من بدأ يسوّق لنفسه قبل وقف سيل الدماء الجارفة والمنجرفة، إنّه مسلسل الهرولة والتهافت الكبير تحت زخات المسيرات، فهؤلاء عبارة عن ظواهر لن تراها إلّا مع الحروب، مثل تجار الجنوب أيام اشتعال الحرب بين الحركة الشعبية والحكومات السودانية، الذين اختفوا بعد أن تحقق السلام بوقف الحرب، إنّهم تجار الأزمات وسماسرة الحروب الذين لا ينسجمون مع السلم والهدوء وراحة البال، فهم بارعين في ممارسة مثل هذه التجارة النشطة والمنسابة بين الدماء والدموع، فعندما تفرض على البلاد والعباد ظروف استثنائية، يبرز إلى السطح قادة مزيفون وعلماء زائفون ومدّعون وضاربون للرمل ودجالون ومشعوذون، كما قال ابن خلدون في كتاب "المقدمة"، ومارثون اللهث وراء سلطة العصابة المجرمة وصل أوجه قبل أسابيع قلائل، حينما تم تعيين وزير للإعلام لا يملك المؤهل الجامعي المطلوب. بعد أيام قلائل سوف ينسى الناس كامل إدريس، وستستمر الحركة الإسلامية (الإبليسية) بنسختها الأخيرة التي يقودها (الشيخ) على كرتي، في إدارة الحرب القاصدة إلى إعادة النظام القديم، فوجود رئيس وزراء مدني (مزعوم) على رأس منظمة إرهابية شهيرة، لا ينطلي على عقول الصادقين في تبني مشروع التغيير، فكامل لن يسهم في تغيير وجهة الحرب، وإدريس ليس بمقدوره أن تكون له يد على "البراء بن مالك" وجنوده الدواعش، فالحرباء تتلون حسب ظروف الطقس، وقد قالها من قبل قائد جيش الحركة الإسلامية "البرهان" أنه بعثي الهوى، ولن يبالي هذا الجنرال المتعطش للدماء والكرسي في فعل ما لم يفعله الشيطان الرجيم، ليضمن بقاءه على الكرسي الذي لم يدم لفرعون، وقد استوعب الثوار الأحرار أن مناصري النظام القديم لا دين ولا أخلاق لهم، دينهم السلطة واخلاقهم المال، والذي يبحثون عنه بأي طريقة وعلى أي طريق من الطرقات الموصلة إلى روما الجاه والسلطان، وقد كانوا صادقين عندما قالوا (ترق كل الدماء)، نعم، الآن أراقوها ولم يكتفوا، أشعلوها حرباً شعواء ولم يطرف لهم جفن، غازلوا "حمدوك" لكي يقوم بدور غاسل الدرن، فأبى، وأخيراً وجدوا ضالتهم في شائخ هرم يزحف نحو الثمانين في ثبات وطمأنينة، ليقود سفينتهم التي عصفت بها الرياح، دون أن يدروا بأن ليلهم ولى، وقد جاء دور الصباح الجديد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة