تسوية بلا عدالة.. مسرحية بلا جمهور كتبه د. ياسر محجوب الحسين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-14-2025, 10:37 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-20-2025, 12:31 PM

د. ياسر محجوب الحسين
<aد. ياسر محجوب الحسين
تاريخ التسجيل: 07-28-2018
مجموع المشاركات: 342

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
تسوية بلا عدالة.. مسرحية بلا جمهور كتبه د. ياسر محجوب الحسين

    12:31 PM May, 20 2025

    سودانيز اون لاين
    د. ياسر محجوب الحسين-UK
    مكتبتى
    رابط مختصر



    أمواج ناعمة





    في مسرحية «جعجعة بلا طحن» لويليام شكسبير، يتحول الخداع إلى أداة إيجابية، تُستغل فيها الظنون والتمويه لتقريب قلبين مترددين في الحب. الحبكة التي تُبنى على الأكاذيب البيضاء تبلغ ذروتها في نهاية سعيدة: كشف الحقيقة وتحقق الوئام. أما في المشهد السوداني الراهن، فإننا إزاء نسخة أكثر قتامة من هذه المسرحية؛ نسخة تُدار في العتمة وتندثر بالخداع الايجابي، وتُكتب فصولها خلف الأكمة، وتُقدَّم إلى جمهور لا يُستشار، بل يُخدع.
    من مصادر خارجية متفرقة، تدعمها مؤشرات داخلية، تتكشف ملامح تسوية تُطبخ على نار هادئة خلف الستار. تسريبات استخباراتية – لم يُكذّبها أحد – تشير إلى أن تهدئة ما تلوح في الأفق. وفي الوقت نفسه، يُلحظ داخليا تغير نغمة الخطاب تجاه قائد التمرد، محمد حمدان دقلو «حميدتي»؛ وإن لم يكن خطابا تبنته الدولة لكنها غضت عنه الطرف ولم تستنكره. لقد خرج اللواء أبو عاقلة كيكل قائد ما تسمى بقوات درع السودان وهي قوات تحالفت مع الجيش بعد انشقاق كيكل عن المليشيا بصورة مفاجئة أقرب للدراما. لقد قدم شهادة «إنسانية» مثيرة للدهشة وربما مثيرة للاشمئزاز في حق قائد التمرد؛ إذ وصفه بأنه كان «رقيق القلب»، و«كثير الصيام»، بل وذهب إلى أبعد من ذلك زاعما أنه «كان يذرف الدموع عند سماع أخبار الجرائم التي ترتكبها قواته»! مما قد يُفهم على أنه تمهيد لتأهيله سياسيًا وأخلاقيًا، ليكون جزءًا من التسوية المتوارية خلف الظلام.
    لكنّ هذا «الخداع الإيجابي» لا يجد مكانًا في وجدان الشارع السوداني، الذي فَقَد أهله وأرضه، وتشرّدت مدنه وقراه، واغتصبت نساؤه، وانتهكت كرامته، على يد مليشيا الدعم السريع الإرهابية التي يُراد لها اليوم أن تكون طرفا في الحل. العهد الذي قطعه الشعب مع قيادة الجيش، والذي منحها بموجبه كامل ثقته ودعمه، واضح لا لبس فيه: لا تسوية تمنح المليشيا أي شرعية سياسية، أياً كانت التكاليف. فالقضية ليست مجرد اتفاق سياسي، بل جرح مفتوح ينزف في جسد الوطن، ولن يندمل إلا بالقصاص والعدالة.
    إن التحدي الأخطر الذي سيواجه رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، إذا ما أقدم فعلاً على الدخول في تسوية سياسية تشمل مليشيا الدعم السريع وقادتها، يكمن في قدرته على إقناع شعب بأكمله، موجوع ومثخن بالجراح، وقوات نظامية ومستنفرة، تقاتل ببسالة وتقدم الأرواح فداءً للوطن، بأن يجلسوا إلى طاولة واحدة مع من ارتكبوا أفظع الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين والأرض.
    ولكي لا تنزلق أي تسوية إلى هاوية الخيانة، فإن على الجنرال البرهان أن يؤسس خطابه السياسي والإعلامي والأخلاقي على قاعدة واضحة لا تقبل الشك: لا تُقدَّم التسوية كجائزة للمليشيا المتمردة، ولا تُسوّق كتبرئة ضمنية لجرائمها، بل تُطرح كآلية ضرورية ومؤقتة لوقف نزيف المدنيين الأبرياء، ومنع تفكك الدولة السودانية وانهيار مؤسساتها، على أن يُؤكَّد بلا مواربة أن ملف المحاسبة سيظل مفتوحًا، وأن العدالة ستأخذ مجراها، سواء عبر آليات وطنية أو دولية، تضمن الإنصاف لجميع الضحايا.
    ويجب أن يتوجه البرهان بخطاب مباشر صادق ومشبع بالاحترام إلى القوات النظامية والمستنفرين الذين يسطرون ملاحم البطولة في ساحات القتال، قائلاً لهم بصدق: إنكم لم تقاتلوا عبثًا ولم تُراق دماؤكم هدرًا، بل قاتلتم بشرف وبسالة دفاعًا عن عزة الوطن وكرامته، وعن أرواح وممتلكات أهلكم. ولولا صمودكم وتضحياتكم، لما كان هناك أي حديث عن تسوية في الأساس… أنتم من فرضتم شروط أي حل سياسي مشرف.
    ولضمان قبول هذه التسوية من قبل القوات المسلحة والقوى المتحالفة معها، لا بد من إشراك قيادات هذه القوات وممثلين عنهم في صنع القرار وصياغة أي وثيقة تُطرح، حتى يشعر هؤلاء الأبطال أن تضحياتهم لم تُهدر، وأنهم شركاء حقيقيون في صناعة المصير لا مجرد منفذين لأوامر من فوق.
    خلاصة القول: إن كان الجنرال البرهان جادًا في التوصل إلى تسوية تنقذ السودان، فعليه أن يُقدّمها للشعب لا باعتبارها ترضية لطرف دولي أو إقليمي، بل باعتبارها ضرورة وطنية ملحة لتفادي الانهيار، مع وضوح مطلق في ملف العدالة، وشفافية تامة في الترتيبات الأمنية والسياسية، وصدق لا لبس فيه في الخطاب الشعبي.
    فالجروح لا تزال نازفة، ولن تلتئم بمحاولات التجميل، بل بالحقيقة، ثم العدالة، ثم المصالحة على أسس راسخة. أما التسويات القائمة على إنكار الألم وتبرئة القتلة، فستُنتج مآسي جديدة بأقنعة مختلفة.
    إن ما بين الشعب السوداني ودمه المسفوك ليس خطًا يمكن شطبه بتوقيع، ولا مأساة تُنسى بجرة قلم. فالألم الذي خيّم على المدن والقرى، والأنين الذي لا يزال يتردد في جنبات الأرض، لا تمحوه وعود التسويات، ولا تُداويه الابتسامات الدبلوماسية العابرة.
    فالدماء التي سالت لا تُغسل بالماء البارد، والكرامة التي أُهدرت لا تُستعاد بالتصافح فوق جراحٍ لا تزال تنزف صمتا وصبرا. أي صُلح يُبنى على إنكار العدل هو استدعاءٌ لمأساة جديدة، وأي سلام يُنسج من خيوط الانكسار للخارج هو مجرد هدنة واهية تمهّد لجولة أخرى من الدمار.
    إن العدالة ليست بندا تفاوضيا يُقدَّم ويُؤخَّر، بل هي الأساس الوحيد الذي يمكن أن يُبنى عليه وطنٌ سليم. فإما أن يحكم هذا المشهد الدموي ميزانُ عدلٍ صارما، يرد الحقوق إلى أهلها، ويعيد الاعتبار للمكلومين، وإما أن يُكتب في سفر التاريخ أن السودان، رغم المحن، لم يساوم على كرامته، واختار أن يبقى شامخا، ولو كان الثمن باهظا.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de