. إذاً عليك أن تفكر بعمق أكثر من غيرك، وتطرح على نفسك سؤالاً مهماً: هل تتسق فكرة الثورة مع تعظيم الأفراد واختزال القضايا والإنجازات الكبيرة في شخصيات بعينها!
. ولماذا نثور أصلاً إن كنا سنقبل بالتحول من ثلة لصوص ومجرمين إلى الإرتماء في حضن فرد أو مجموعة أفراد أياً كانوا؟!
. ما دعاني لتناول هذه الأسئلة مقال طالعته بالأمس، وأحسست بتداوله الواسع نسبياً ما يعني أننا ما زلنا نتطلع دائماً لمنقذ فرد نتوهم فيه ما عجزنا عن تحقيقه جميعاً.
. إنتقد كاتب المقال المجرم البرهان وهذا أمر طبيعي، فإنتقاد شخصية وجرائم البرهان في حق الوطن وشعبه يفترض أن يبدأ من حوش بيته في قندتو.
. لكن ما هو غير طبيعي إشارات الكاتب إلى أن كل ما تحقق من قبول وحفاوة وانفتاح خارجي إبان فترة حكومة الثورة كان بفضل دكتور حمدوك.
. وهذا - وأعذروني في الوصف – تفكير سطحي من مستنيرين، لأن كل ما شهدناه من تفاعل دولى آنذاك كان نتاجاً طبيعياً للدماء التي سالت وأرواح الشهداء التي إرتقت لبارئها.
. فلولا تضحيات كشة وعباس فرح وست النفور وبقية رفاقهم الأكرم منا جميعاً لما أُستقبل دكتور حمدوك في قصر الإليزيه ولا فُرش له السجاد الأحمر بأي بلد.
. من يظن أن كل ما تم كان بسبب أن دكتور حمدوك موظف أممي سابق وشخصية محبوبة بصورة فوق عادية مخطيء في تقديراته وافتراضاته.
. وكلنا نعلم أن تلك البلدان تحكمها مؤسسات ونظم تقدر المدنية وتجد شعوبها من الحكومات فيها اعتباراً وتقديراً على عكس ما يحدث عندنا، فمن الطبيعي جداً أن يحتفوا بأي قائد مدني لحكومة تشكلت بعد ثورة عظيمة.
. طبعاً فكرة الإحتفاء بحمدوك كشخص وتصويره وكأنه المنقذ ليست جديدة، بل هي قديمة، وفي رأيي أن أحد أسباب فشل ثورتنا وعودة الكيزان للمشهد كان ذلك الإحتفاء الزائد بالرجل وغض الطرف عن جوانبه المظلمة و (تطنيش) النواقص التي ما كانت تحتاج لرفع الضوء في عمل حكومة الثورة.
. قد يقول قائل " هذا ليس وقت انتقاد المدنيين"، لكنني أذكركم بأننا عندما كنا ننتقد التقصير الواضح في عمل حكومة حمدوك والمواقف الضعيفة للعديد من وزرائه كنا نسمع من أصدقاء ومعارف كثر حديثاً من شاكلة " انتقادكم لحكومة الثورة يقوي شوكة الكيزان".
. وكان ردي دائماً أن العكس هو الصحيح، أي أن صمتنا على القصور والشوائب والمواقف الضعيفة لمسئولي حكومة تشكلت نتيجة تضحيات عظيمة هو الذي سيعيد الكيزان للمشهد، وقد كان.
. وإن لم نصمت في وقت السلم فمن الطبيعي أن نبوح بما نراه ونحن نشهد كل هذا الموت والدمار ننتيجة أخطاء ما زالت تتكرر وكأن شيئاً لم يكن.
. والحقيقة أنني أستغرب جداً لمستنير وثوري يلوم الدكتاتور العسكري البرهان على طغيانه وفي ذات الوقت يريد استبداله بحمدوك أو غيره كمدني (فرد) قادر على عمل المستحيل.
. لا تحدثونا عن الرمزية لأن حمدوك أصلاً ما كان طرفاً أصيلاً في ثورة ديسمبر، ولم يسمع به السودانيون إلا بعد ترشيح الكيزان له لمنصب وزير المالية.
. رمزيتنا يفترض أن يكونوا أؤلئك الشباب الذين قدموا الغالي والنفيس من أجل أن نعيش حياة كريمة.
. لأن تسليط الضوء على شخص حمدوك بهذا الشكل يمنح أهل المعسكر الآخر مبرر أن يمجدوا زعمائهم التي لم نر منهم غير القتل والدمار والخراب.
. المشكلة الحقيقية أننا لا نتغير ولا نطالب أحزابنا ومؤسساتنا المدنية بالتغيير وفي ذات الوقت نريد لحال البلد أن يتغير، كيف لا أدري!
. فعلى سبيل المثال إنتبهت قبل أيام لصدور صحيفة تحمل اسم الثورة (ديسمبر) ووجدت أن من تصدرا قائمة كتابها فيصل محمد صالح وصديقه محمد لطيف صاحب مؤسسة طيبة التي كان يديرها فيصل قبل الثورة.
. وعلى الرغم من أن فيصل – الذي ظللت انتقد نهجه كوزير للإعلام منذ أول شهر لتوليه المنصب- كتب بنفسه لاحقاً أن الثورة والثوار كانوا يطلبون منه ما لم يكن مهيئاً للقيام به، يقصد حسم الأمور وإغلاق بعض المؤسسات الإعلامية الكيزانية وطرد أبواق الطغاة والقتلة، وهذا يعني بالعربي الفصيح أن الرجل ما كان مؤمناً ببعض شعارات الثورة.
. وبدلاً من أن نسأله السؤال الهام والصريح: لماذا قبلت إذاً بمنصب شديد الحساسية كوزير لإعلام حكومة ثورة ما كنت قادراً على تحويل شعاراتها لواقع، بدلاً من سؤاله تجدنا نستمر في الإحتفاء به!
. ولطيف نفسه ننسى له حقيقة أنه كان أحد الضيوف الدائمين بطائرة المجرم البشير ونحتفي اليوم بإنتقاده للكيزان ونظامهم وكأن كتابة الرأي أمر يتغير بين سنة وأخرى، أو ظرف ونقيضه.
. إن رغبنا في النجاة ببلدنا فلابد أن نكون أكثر حسماً ونكف عن المجاملات ونطالب بتغيير حقيقي.
. قبل سنوات طويلة من ثورة ديسمبر كتبت عديد المقالات التي دعوت فيها الشباب إلى عدم الإكتفاء بالخروج للشوارع والاحتجاج وأن يترافق ذلك مع تصعيد قيادات من بينهم وتأسيس كياناتهم الخاصة.
. فمن غير المعقول أن نظل ندور في فلك شخصيات بعينها بالرغم من أنها أخذت فرصتها كاملة ولم نجد منها غير الخذلان والمواقف المهزوزة الواهنة.
. العجيب أن أقوى وزراء حكومة حمدوك غادروا مرغمين دون أن نحتج على ذلك، بينما لا نزال نحتفي بمن أوردونا المهالك من وزراء تلك الحكومة.
. يا قوم في الكورة اللعبة دي يحصل التغيير، ودونكم نادي برشلونة، فمن كان يصدق أن بيكيه و وبوسكيتس وألبا سيغادرون في شهر واحد ليلحقوا بميسي وسواريز ويحل مكانهم (الشفع) الحاليين لينثروا الإبداع وتستمر الإنجازات، فلماذا نصر نحن على أشخاص بعينهم وكأن حواء السودان أصابها العقم!
. الغريب أن بعض شباب أحزابنا قدموا كتابهم بيمينهم، فمثلاً الشاب شريف محمد عثمان أحد أكثر شخصياتنا الحزبية التي إتصفت بالشفافية، الوضوح، الشجاعة والمباشرة منذ أيام الإعتصام وما قبله.
. لكن يظل نفوذ وحضور هذه الفئة محدوداً، وبالطبع لا يعني ذلك أن كل الشباب يتصفون بما نبحث عنه وأن كل الكبار سيئيين، لكن لابد من غربلة جادة وسعي حقيقي للتغيير.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة