دفعني إلى كتابة هذا الموضوع الإعلان المقتضب أدناه. وهو الإعلان الذي نشرته الصحفية والناشطة المعروفة الأستاذة "أمل هباني" في حسابها في الفيس بوك. وهو الإعلان الذي أعلنت فيه خبر طلاقها من الصحفي المعروف أيضا الصحفي والمحلل لسياسي "شوقي عبد العظيم".
وكانت الأستاذة أمل هباني قد نشرت الإعلان أدنها قبل بضعة أيام في حسابها في الفيس بوك:
(للعلم فقط وليس للنقاش.أنا وشوقي تطلَّقنا.
# شكراً شوقي على رِفقة جميلة مشيناها معاً، وعلى
مواقف عظيمة كنت نعم السند، ويبقى بيننا الاحترام).
أثار نشر الإعلان اهتماما كبيرا من قبل أصدقاء ومتابعي الطرفين. يجيء الاهتمام الكبير من المتابعين بهذا النشر لان الطرفين ناشطين معروفين في الفضاء الإعلامي والسياسي، بالإضافة إلى أن طريقة نشر الإعلان فاجأت وأزعجت القراء.
يجيء اهتمامي بهذا الموضوع انطلاقا من متابعتي للشأن الاجتماعي والسياسي العام، وأيضاً من اهتمامي الخاص بمتابعة المجرى العام للتغييرات الاجتماعية التي يشهدها مجتمعنا. بالتالي يجيء إخضاع هذه الظاهرة للبحث ليس لمحاكمته ولكن لمساءلته كأحد مظاهر التغيير الاجتماعي. بالتالي يحاول البحث في إطار مناقشة هذه الظاهرة إلى نقلها من النطاق الشخصي/الفردي إلى النطاق العام/الاجتماعي.
استنادا على ما ذكرته آنفا فأنا على يقين بأن هذا التناول سيُفهم وفق المنطق الذي أشرته إليه.
البحث:
طالما أن قرار إنهاء العلاقة صار موضوعا عامة من خلال النشر العام أعتقد أن ذلك يسمح لنا بمناقشته كشأن عام ضمن التغيرات العديدة التي بات يشهدها مجتمعنا. فاعتقد ذلك يتيح الفرصة لمناقشة الموضوع ليس باعتباره موضوعا خاصا أو شخصيا. تعود مجتمعنا أن يتناول مثل هذه الموضوعات همسا وسرا.
إلا أنني أعتقد أن الموضوع يصلح لتناول التحولات الاجتماعية التي شابت المجتمع فيما يتعلق بظاهرة الزواج والطلاق. يمكن القول أن معظم التحولات المجتمعية في السودان لم تجد حظها من البحث العلمي الكافي لأسباب عديدة من أهمها عدم الاهتمام من الجهات المسئولة (سواء الدوائر الحكومية المعنية أو الدور البحثية في الجامعات أو في مراكز الأبحاث) بالإضافة إلى ضعف الميزانيات المرصودة للأبحاث الاجتماعية وغير ذلك من أسباب.
بناء على ما تقدم يهدف هذا البحث/ المقال إلى محاولة استكشاف البعد السوسيولوجي والجندري لهذه الظاهرة. لا يقتصر هذا الاستكشاف في نطاق الإعلان وأسلوب نشره فقط بل يمتد ليشمل بشكل رئيسي ردود الأفعال من الأصدقاء والمتابعين والقراء.
وهكذا بدأت هذه التساؤلات تتبلور لديَّ وتأخذ حيزا من التفكير كما قد يكون أيضاً لدى الآخرين. أخيراً رأيت في أن أحول هذه التساؤلات إلى بحث مختصر، أو مقال ذي طابع بحثي.
في إطار تشكل البحث في صورته الأولى تبلورت لدي عدة تساؤلات من بينها:
1-هل طريقة نشر إعلان الطلاق تعكس ملامح للتغير وفهما جديدا يصب في خانة التغييرات الاجتماعية، خاصة أن التغييرات الاجتماعية قد لا نحس بها ضمن مشغولات الحياة اليومية؟
2-هل يمثل الإعلان وما احتواه بروزا لاتجاه وفهم جندري يتجاوز نطاق ما عُرِف من تقاليد موروثة؟
3-أم أن الموضوع لا يعدو أن يكون تصرفا شخصيا عاديا ويجب النظر اليه في هذا الاطار؟
4-كيف يمكن قراءة ردود الأفعال على الخبر المنشور؟
أثار إعلان الطلاق المنشور في النفس الدافع للتفكر حول موضوع الطلاق لتناول الموضوع من عدة جوانب خاصة فيما يتعلق بالتغيرات المجتمعية التي باتت يشهدها مجتمعنا مؤخرا. وفي هذا السياق سأتناول موضوع إعلان الطلاق في الوسائط كظاهرة في إطار بعدها السوسيولوجي والجندري.
سيحاول البحث أولا تقديم قراءة حول أبعاد ودلالات نشر الموضوع في الوسائط الاجتماعية، مستصحبا قراءة مختصرة للغة ودلالات النص الوارد في الإعلان. تجدر الإشارة إلى أن هذه القراءة ليست ضمن الاهتمامات الأساسية للبحث إلا بقدر ما تخدم الهدف الرئيسي له. الجزء الثاني من البحث سيحاول تقديم ملمحا عاما عن هذه الظاهرة بافتراض أنها تمثل تغييرا سوسيولوجياً. سيستند الملمح على قراءة لردود أفعال وتعليقات القراء (وأصدقاء الطرفين)، المنشورة في صفحة الأستاذة أمل هباني.
يمثل الطلاق واحدا من أهم الموضوعات الاجتماعية التي تهم الناس ويتفاعلون معها. وإذا كان الزواج مطلوب فيه الإشهار وإظهاره للجميع، فإن الطلاق تواضع الناس على اعتباره ضمن الخصوصيات الشخصية. قد يرجع ذلك لنظرة الناس للزواج بأنه يمثل بشكل ما، النجاح والإنجاز وأن الطلاق بأنه يمثل شكلا من أشكال الإخفاق. هذا ما ظل ينظر فيه المجتمع بشكل عام للطلاق.
من ناحية أخرى يخضع الطلاق مثله مثل أي ظاهرة اجتماعية أخرى في جوانبه المختلفة للتغيير. وفي المقابل تتغير بالتالي نظرة الناس له والتفاعل معه باختلاف السياقات والظروف السياسية والثقافية والاجتماعية. في إطار هذا التغيير يلعب التقدم التكنلوجي في وسائل الاتصالات والوسائط الاجتماعية دورا مهما في تشكيل النظر إلى الطلاق. وهنا يمكن القول إجمالا بأن الموضوع الذي نحن بصدده قد يكون يمثل بؤرة لتفاعلات العوامل المذكورة آنفا.
بالتالي يهدف هذا البحث وفق ما تقدم من تساؤلات بالخروج بمناقشة الظاهرة ولمدى اعتبارها أحد مظاهر التغيير الاجتماعي في مجتمعنا السوداني.
تحليل لمحتوى الإعلان:
من ناحية أخرى، فيما يتعلق بلغة الإعلان يمكن استخلاص بعض الإشارات والدلالات العامة. عند محاولة تقديم قراءة سريعة للغة الخطاب في الإعلان نجد أن من أهم ملامحه هي اللغة الموجزة في نقل الخبر. وجاءت لغة الخطاب كذلك متضمنة لعبارات تتسم بالجدية والحسم في بداية الإعلان تستوقفنا صلادة تلك اللهجة التحذيرية(للعلم فقط وليس للنقاش) بما يعني أن القرار لا رجعة فيه. باستثناء كلمة الشكر والعرفان المقتضبة جاءت لغة الخطاب خالية من أي عبارات تنم عن المشاعر أو العاطفة، أو عبارات الحزن أو الأسف أو الندم التي قد نجدها أحيانا مصاحبة لإعلانات الطلاق. وفي نفس الاتجاه نجد أن لغة الإعلان تتسم بالروح الرسمية التي قد نجدها في خطابات العمل الرسمية مثل خطابات "إنهاء العمل" ذات الطبيعة البيروقراطي الجادة والجافة البعيدة من مخاطبة العواطف والمشاعر.
من ناحية أخرى قد يتساءل المرء عن سبب صدور الإعلان من طرف واحد، والذي يثير التساؤلات تلقائياً حول موقف الطرف الآخر. وهي تساؤلات ولها مشروعيتها من حيث الفضول الفطري الشخصي وأيضا من حيث الاهتمام الاجتماعي العام، خاصة من المقربين في مثل هذه المواقف الاجتماعية. بما أن هذا الجانب لا يدخل ضمن اهتمامات المقال بشكل رئيسي فسأنتقل لمناقشة لقراءة ردود الأفعال والتفاعلات مع خبر الطلاق الوارد في المنشور.
قراءة أولى لردود الأفعال:
تعتبر ظاهرة إعلان الطلاق في الوسائط أكثر شيوعا في المجتمع الفني(خاصة في مصر). لاختلاف بنيته وسياقاته الاجتماعية والثقافية والفكرية بنيته وتكوينه وشبكة علاقاته ومواقفه الفكرية. في المقابل كانت موضوعات الطلاق ولا زالت في السياق الاجتماعي السوداني من الموضوعات التي تتسم بتابوهات معينة مثل الخصوصية والسرية، والتكتُّم، إلى حين أن يتسرب تدريجيا او يصبح متاحا للاخرين. بالتالي فإن موضوعات الطلاق ليست متاحة للفضاء العام ولتدخلات الآخرين إلا في أضيق نطاق. وهذا يفسر لنا ردود الأفعال الأولى تجاه إعلان الطلاق موضوع هذا المقال.
فالقراءة السريعة الأولى لردود الأفعال يجدها مشوبة (خاصة من المقربين) بالمفاجأة وبالصدمة. قد يكون الطلاق في ذلك مثله مثل كل النهايات غير المرغوبة في مقابل البدايات المحمَّلة بالتفاؤل والأمل والإنجاز. لذلك لم يكن غريبا أن تتسم ردود الأفعال التلقائية الصدمة وبالحزن. تعكس ردود الفعل الأولى هذه التلقائية الفطرية في الطبيعة البشرية المتمثلة في الاحتفاء بالجانب المشرق المتسم بالرومانسية والتفاؤل، ويحزنها في المقابل ألم النهايات.
اعتقد أن ردود الأفعال والتعليقات تمثل مادة خصبة للتحليل. بالتالي يمكن أن تعطي مؤشرا قويا لدراسة الظاهرة، وللتعرف على بعض ملامح التغيير الذي يشهده المجتمع السوداني.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة