من الذي يشتري كتب الوهم مثل كتاب الأب الغني والأب الفقير، أو كتاب كيف تصبح مليونيراً..الخ. بالتأكيد ليس الأغنياء، رغم أن هناك توجهات تسويقية قد يكون أحد أعمدتها هم الأثرياء، يقول شخص كبيل غيتس أنه قرأ أحد هذه الأنواع من الكتب، وأعتقد أنه لم يكن صادقاُ أو كان صادقاً ولكن ليس ليصبح ثرياً بل ليتمكن من إبجاد خطاب مشترك مع عامة الناس، وفي كل الأحوال فإن عملية البروباغندا لهذا النوع من الكتب ما هي إلا توجه من المنظومة التي تسعى إلى التخلص من قطاع الأعمال العام. والترهل الإداري وتضخم البطالة المتلبسة بالوظيفة العامة، أي باختصار التحلل من المسؤوليات العامة والارتماء في السوق وذلك عبر عمليات قانونية وسيكولوجية متنوعة تتم بالتوالي تبدأ بالخصخصة وتستمر بالدعاية لمثل هذه الكتب التمويهية التي تعمل على السيطرة السيكولوجية على الجماهير.
أولاً: مصادر الثروة المجهولة للأثرياء التي لا يتساءل عنها الكثير من الناس سؤالاً جدياً.. دعونا نقول بأن القاعدة العامة -في قانون الحياة- هي التي تنص على أن اتباع المعايير الطبيعية لا يمكن أن تقودك أبداً إلى الثراء، فلا التعليم الجيد ولا الوظيفة المحترمة ولا دفع ضريبة الدخل ولا التجارة العادية يمكن أن تقودك إلى الثراء. يمكن لكل ما سبق أن يجعلك مكتفٍ أو من الطبقة الوسطى المرتفعة ولكن ليس الثرية كبيل غيتس ولا زوكرنبيرغ ولا غيرهما. إن أعمارنا القصيرة تلعب دوراً هاماً في تحديد نشاطاتنا كبشر، بالإضافة إلى درجة الفضول، والسند الاقتصادي الذي يسمح بهامش للمغامرة، فضلاً عن القوانين وطبيعة الأنظمة والمؤسسات الاجتماعية والثقافية السائدة، ناهيك عن مؤسستنا نحن أي مؤسسة الجسد بحدودها (العقلية والنفسية والعضلية) التي تحكم حركتنا وأنشطتنا وتضعها في إطارها المناسبة. كل ما سبق وأكثر منه يجب أن يجعلنا نسأل عن أصل الثروات الضخمة، ولا أعني ذلك السؤال البريئ الذي يمكن لسائله أن يكتفي بالإجابات السوقية التي تُحكى لنا كقصص نضالية وعصامية وذكاء لا محدودة. بل أعنيه كسؤال تحقيقي. إنني أشك في ذكاء الكثير ممن تم طرحهم لنا كأثرياء لنتجنب التدقيق في أصل ثرواتهم ولدي اعتقاد جازم في أنهم صنيعة أكثر من كونهم حقيقة، لكن حتى لا ندخل في نظرية المؤامرة، فنحن علينا أن نتتبع أصل الثروات، وسنجد دائماً -(فجوة موضوعية)- داخل القصة. ولا أقول هذا لأثير ارتياب الناس بل لكي أؤكد أن الأثرياء لم يكونوا أكثر ذكاءً من غيرهم. ولا كانوا أكثر مثابرة من غيرهم، ولا أكثر اقتناصاً للفرص من غيرهم، باختصار أود أن اقول: إن الطريق الطبيعي لا يمكن أن يفضي بك إلى الثراء مهما تمتعت بالذكاء، والعلم، والوظيفة المرموقة، وحتى الأنانية اللازمة لكي تؤسس علاقاتاك على المصلحة المحضة. ليس التفكير ما سيجعلك ثرياً، ولا كل ما تقوله كتب الوهم التي تشجعك على ريادة الأعمال بالرغم من أنك تعرف أثناء قراءتها وخيالات الثراء تراودك؛ بأنك لن تصبح ثرياً في يومٍ ما. لذلك فهدف هذه الكتب هي شرعنة إمكانية الثراء ذهنياً، وعندما تصبح إمكانية الثراء مشرعنة في ذهنك فإنك أبداً لن تسأل عن أصل ثروات الأثرياء. ولكن هذا لا يمنع من أنك يمكن أن تصبح غنياً وليس ثرياً، يمكنك أن تمتلك بضعة آلاف من الدولارات بعد معاناة سنوات، ولكن ليس ذلك الثراء الفاحش الذي لن يحققه لك -مهما حاولت- التزامك بالقانون، والمعايير الطبيعية الأخرى. يمكنك في الواقع -وفي حدود معقولة- أن تصبح ممن يمتلكون أصولاً ممكنة، كالشقق الإيجارية، وبضعة آلاف من الأسهم ومدخرات جيدة في البنك- بعد مجهود شاق ومستمر لسنوات طويلة من التفكير المستمر مع الكثير من المخاطرة والمغامرة. ولكن بدون مخالفة القانون، وهذا موقوف -أيضاً- على الظروف العامة التي تحيط بك. في الغالب سيكون ذلك صعباً إلا في حالات نادرة. أما الثروة التي يطلق عليها (ثروة) فهذا شيء مختلف تماماً. إن تحقيق هذه الثروات ليس اقتناصاً الفرص، وليست مغامرات مأمونة، بل مخاطر حقيقية لتتمكن من اقتحام المنظومة.. السياج الفولاذي الذي تحميه النخبة. بالنسبة للأشخاص العاديين -مثلي ومثلك- فإننا نحتاج لعوامل كثيرة يجب أن تتوفر لكي ننتقل من الطبقة الوسطى لنصبح مجرد طبقة وسطى عليا- أي أصحاب أصول ممكنة- نحتاج للآتي: أولاً: قبل كل شيء لقياس حدود قدراتنا. أتذكر أن أحد الأصدقاء رسب كثيراً في امتحان مهنة القانون، فأخبرته بالحقيقة، وهي أنه لا ينتمي للقانون بصلة منذ أيام الجامعة، فهو شخص مرح ومنفتح ويحب الحياة والصخب والحفلات والعلاقات العاطفية، وليس الاستذكار الممل -بل القاتل- لكتب القانون وأحكام القضاء والقوانين نفسها. لذلك أخبرته بأن عليه أن يتبع شغفه ليتمكن من إيجاد عمل يتناسب مع شخصيته بدلاً عن إجبار نفسه على معرفة لا يميل إليها. بعد أشهر من هذه النصيحة رأيت إسمه يتداول بكثرة في مجال التجهيز لحفلات الزفاف. وبالفعل نجح نجاحاً باهراً،وامتلك الأصول التي أسميها بالأصول التأمينية التي تؤكد الانتقال من الطبقى الوسطى إلى الطبقة الوسطى الأعلى قليلاً. إذاً؛ فمعرفة حدود إمكانياتنا هي أهم ما يجب أن نقيسه قبل القيام بالمغامرات المالية. ثانياً: القابلية لتحمل المسؤولية: أي قبول كافة النتائج المحتملة وغير المحتملة للمغامرات المالية وأكبرها دخول للسجن أو الدخول في قضايا قانونية أمام القضاء وأدناها الخسارة والإفلاس. نعم فتحمل الخسارة ليست المشكلة الأكبر بل تحمل التكلفة النفسية للقضايا القضائية التي قد تدخل معها للسجن. وحتى لا أمضي بعيداً فأنا نفسي لا أملك تلك القدرة على تحمل الدخول في منازعات قضائية مدنية ناهيك عن التشريف في السجون. فإذا كنت لا تملك شخصية قادرة على تحمل المسؤوليات القانونية الجسيمة فأنصحك بالاكتفاء بمشاهدة الأفلام التي تحفز على الثراء أو قراءة الكتب التحفيزية الأخرى والهيش على أمل في تحقق فرصة غير متوقعة وهي -فضلاً ذلك- آمنة. ثالثاً: القدرة على إدارة أعمالك بنفسك، وتحمل مصاعب الإدارة بالذات في الدول غير النموذجية؛ أي تلك التي لا يمكن توقع ظروفها. تعتبر إدارة الأعمال بغير وسيط هي أهم عوامل البيزنيس، وهذا هو أيضاً العامل الأهم الذي يفضي إلى فشل قطاع الأعمال الحكومي عن القطاع الخاص. فلا أحد سيهتم بأعمالك مهما دفعت له من راتب، وخاصة عندما يأمن من الرقابة والمحاسبة. هناك من ظلوا يحدثونني عن إنشاء مشاريعهم عبر آخرين، وينتظرون من هؤلاء الآخرين بذل المجهود ثم إرسال الأرباح إليهم كل شهر، وهذا ما لا يحدث إلا في ايداعات البنوك والتي تعتبر استثمارات الكسالى. لا شيء بلا مخاطر، ولا شيء سيجعلك ثرياً، حتى لو سرت على خطوات بيل غيتس التي يحكوها لنا في القصص. فعالم الأثرياء ليس وهمياً حتى لو صوروه لك على أنه عالم وهمي؛ أي سهل ويحتاج فقط للفرصة والذكاء.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة