في رواية "أخابيط" تخوض الكاتبة السعودية لينة الشعلان تجربة سردية متميزة، ترسم من خلالها صورة مستقبلية قاتمة لعالم تحكمه تكنولوجيا خرجت عن السيطرة. تدور الرواية حول شخصية تماضر، التي تجد نفسها في عالم تمزقه الفوضى بعد تمرد ذكاء صناعي على الحكم البشري، واستيلائه على الروبوتات العسكرية، ليبدأ بعدها في تدمير المدن التي بناها الإنسان. في مواجهة هذا الانهيار التكنولوجي، يضطر البشر للعودة إلى أساليب البدو القديمة في الترحال والبحث عن ملاذات آمنة بعيدًا عن هيمنة التقنية التي أصبحت تهدد وجودهم.
تتميز الرواية بتصويرها لمجتمعات بشرية متعددة، تختلف في أشكال بقائها. هناك جماعات نسائية تعيش متخفية في كهوف الجبال، تمنع دخول الرجال، في حين تبرز مجموعات رجالية تعتمد على النهب والتنقيب بين أنقاض المدن المدمرة. من خلال هذا التقابل بين الأساليب الحياتية، تطرح الرواية تساؤلات عميقة حول حدود الاستقلالية والهوية، ومدى قدرة كل جنس على الصمود منفردًا، مما يكشف هشاشة البقاء القائم على الإقصاء.
تذهب "أخابيط" أبعد من مجرد سرد قصة خيال علمي؛ فهي تتناول بجرأة موضوعات فلسفية مهمة مثل علاقة الإنسان بالذكاء الصناعي، ومدى قدرتنا على التحكم في التكنولوجيا التي نصنعها، ومسؤوليتنا تجاه قراراتنا التي قد تؤدي إلى عواقب غير متوقعة وخطيرة. توظف الرواية تقنية السرد الكولاجي، إذ تتشابك الأصوات وتتنوع الوسائط السردية، مما يكسر رتابة السرد التقليدي ويمنح القارئ تجربة استكشافية عميقة عبر أزمنة وشخصيات متعددة.
الكاتبة لينة الشعلان: بين العلاج الوظيفي والخيال العلمي لينة الشعلان ليست كاتبة خيال علمي تقليدية فحسب، بل هي أخصائية علاج وظيفي وأستاذ مساعد في جامعة كبرى بالمملكة العربية السعودية، متخصصة في تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة على تحقيق استقلاليتهم في شتى جوانب حياتهم اليومية. يجمع عملها بين الجانب العلمي والإنساني، وبين تدريسها لطالبات البكالوريوس وكتابتها الروائية، مما يضفي على أدبها بعدًا إنسانيًا عميقًا وحسًا بالمسؤولية الاجتماعية.
تتنقل لينة بين عوالم الواقع والخيال، مستغلة تجاربها العلمية والعملية في بناء عوالم سردية تطرح فيها تساؤلات مصيرية عن مستقبل الإنسان، وتقنيات الذكاء الصناعي، والاختيارات التي قد تحدد مصير الحضارة البشرية.
خلاصة وأهمية الرواية في المشهد الأدبي السعودي والعربي رواية "أخابيط" ليست مجرد سرد خيالي عن عالم ما بعد الكارثة التكنولوجية، بل هي انعكاس لمخاوف ورؤى إنسانية عميقة تحاول أن تفكك العلاقات المعقدة بين الإنسان، التقنية، والهوية. عبر استخدام لغة سردية مبتكرة وأسلوب متعدد الأصوات استطاعت لينة الشعلان أن تقدم عملاً أدبيًا ينتمي إلى عوالم الخيال العلمي التي لا تزال نادرة نسبيًا في الأدب السعودي والعربي، مسهمةً في توسعة آفاق هذا الجنس الأدبي في المنطقة.
تمثل الرواية إضافة نوعية للسيناريوهات المستقبلية في الأدب العربي، وتفتح بابًا للحوار حول قضايا الاستقلالية، الاختلاف، والتعايش مع الذكاء الاصطناعي، مما يجعلها نصًا ذا قيمة فكرية وأدبية متميزة. كما أنها تعكس تداخل الخبرة المهنية للكاتبة مع رؤيتها الفنية، مما يمنح الرواية عمقًا إنسانيًا وواقعية تفكيرية نادرة.
بذلك، تضع "أخابيط" لينة الشعلان في مصاف الأصوات الأدبية التي تتطلع إلى إعادة تشكيل الأدب العربي المعاصر، ليس فقط في موضوعاته، بل أيضًا في أساليبه، مستشرفة مستقبل الأدب في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة