من أعظم الامدرمانيين ومن كبار ،،العبسنجية ،، اخي الحبيب طيب الله ثراه الطيب سعد الفكي . لم تكن امدرمان تضع قيودا أو متاريسا امام القادمين الجدد . لهذا صارت امدرمان موطن الجميع. لكل سوداني في كل بقاع السودان حبيب أو قريب في امدرمان . لا تهم شهاداتك مالك حسبك نسبك بقدر ما يهم طرحك وتناغمك مع ايقاع المكان تواضعك ومقدرتك على تقب الآخرين الجميع وبعدك عن الشوفينية وحب المشاركة والعطاء بدون شروط. عندما حضر اخي الطيب سعد الى السردارية وسكن في البداية عند شقيقته فاطمة سعد الفكي ،لم يأخذ الامر اكثرمن فترة قصيرة ليصير أحدنا وتقبله الجميع بحفاوة كعادة امدرمان . كان الطيب اضافة جميلة .عاش طيب الله ثراه 65 سنة في امدرمان الى أن انتقل الى جوار ربه قبل بضعة شهور تاركا سمعة جيدة وآلاف المعارف والاصدقاء .احبته امدرمان واحب امدرمان . رسالته كانت رسالة عطاء واخاء . مثل الكثير من اهل الهامش الحقيقي أتي الطيب من قرية الشريق فريق الفقرا في بلاد الرباطاب التي هى مثل بلاد المناصير واغلب الشمالية ليس بها ارض واسعة أو مصادر للرزق يكفي الجميع . اسرتنا واسر الآلاف طردهم الجوع وضنك العيش من بلاد الرباطاب . الطيب بعد أن ترك الدراسة ذهب مثل الكثيرين الى ،،الداخلة ،، او اتبرة عاصمة الحديد والنار ، لانه بها رئاسة السكك الحديدية وفرص للعمل . تنقل الطيب في عدة مهن منها صبي في مقهى . عندما استوطن الطيب العباسية السردارية . كان الحي من اعظم احياء امدرمان . تميزه دار الرياضة التي تجمع الجميع . مستشفى امدرمان العظيم مستشفى الدايات المركز الثقافي البريطاني مدرسة الاحفاد الثانوية للبنات مدرسة الاحفاد الابتدائية . قبة المهدي ميدان الخليفة حيث تقام الليالي السياسية الاحتفالات القومية والمولد النبوي الشريف المحاكم رئاسة البوليس والاطفائية واكبر مجلس بلدي في السودان . شركة الكهرباء حيث مسكن الترام البصات الخ ولا ننسى خزينة الدولة المحروسة بالبنادق والسونكي حيث يتلقى الجميع مرتباتهم واستحقاقاتهم . نلك البيئة كانت حاضنة الطيب حيث ابدع في الانصهار والتلاقح فكريا مع كل قطاعات المجتمع . صار الطيب رقما معرفا في تلك الحاضنة وسوق امدرمان والعباسية فوق وسكن مع اسرته على بضع خطوات من نادي الربيع وصار من رئاسته واعلامه . لفترة شارك الطيب في الغناء مع الرباطابي في الاذاعة . ثم امتلك عودا . تعرض الطيب لمصيبة . الطبيب اليوغسلافي ،، برامكو،، أخصائي الانف الاذن والحنجرة اجرى الكثير من العمليات وصار مشهورا في كل السودان . وضح اخيرا انه ليس بطبيب حقيقي وربما ممرضا أومشاركا في العمليات فقط . اذكر انني كنت اذهب له بعمود الاكل الكبير 6 طاسات في مستشفي الخرطوم .كان الممرضون يفرحون لحضوري لأن الطيب الطيب كان يتنازل لهم عن كل الاكل فيما عدى اليسير جدا كعادته . فقد الطيب حنجرته الجميلة . وصار صوته يتسلخ في بعض الاحيان حتى عندما يتكلم . ذلك الاخ العظيم لم يترك الامر يؤثر على طيبته بشاشته وحبه للناس ومقدرته على العطاء، كان ابعد الناس عن الشكوى . بالرغم من مشغولية الطيب اطفاله زوجته وضيوفه من الرباطاب، كان الطيب يعمل كمدرس متطوعا في مدرسة محو الامية في المسالمة بعيدا عن ميدان الربيع . تلك المدرسة كانت مدرسة ست فلة القديمة على شارع كرري بعد ان تركتها المناضلة ست فلة التي هى اقرب الى القديسات لانها قدمت بتجرد وعاشت على الكفاف من ملبس ومأكل لم تزد ملابسها عن الدمورية . لا ازال احتقظ بكل خطابات الطيب بخطه الجميل . في صورة جميلة تجمع اغلبية اعضاء فريق التضامن احد اعضاء رابطة ميدان الربيع مع فريق المجاهد والعامل هنالك صورة يظهر فيها حارسا مرمى الفريق وهما الطيب سعد الفكي والاخ موسى عبد الرحمن عثمان وهما مستلقيان على تراب العباسية . الشيئ الغير عادي هو ان الحارسان يرتديان ما عرف بالركب والكيعان التي لم تكن تتوفر الا عند الفرق الكبيرة ، لانها تساوي ثروة في محلات ،،ميرزا،، في الخرطوم أو هاوس اوف اسبورت .من صمم تلك المعينات ونفذها كان العزيز الطيب سعد الفكي طيب الله ثراه . لم يتوقف الامر عند فريق التضامن بل تزود فرق اخرى المنافسة بتلك المعينات . قديما في امدرمان لم نكن نعتبر المنافس عدوا، بل مكملا ومعينا . بدون المنافس لن تتطور ولن تتعلم وتبدع . كنت اقول انني من اعطى دمهم لفريق المريخ . في ماتشات الملاكمة سال دمي وامتلأ وجهي بالكدمات . وكنت احد ثلاثة انتزعوا كؤوسا للمريخ من الخرطوم التي سيطرت على الملاكمة . معي كان اثنان من العبسنجية ادريس جبارة ومن صار طبيبا عز الدين آدم حسن . بالرغم من هذا كنا نحب الهلال وكباتن الهلال ونزور نادي الهلال بانتظام الا انني اقف مع الموردة في كل مبارياتها حتى ضد المريخ . اهل الموردة كانوا مقاتلين حقيقيين . يسمع الانسان بالضرب تحت الحزام . شورت الملاكمة عادة من الساتان اللامع بالوان صارخة الا ان الكمر او الحزام كان عريضا من القماش الابيض . كل ضربة تحت الحزام كانت تخصم نقاطا من الضارب واذا تكرر الامر لاكثر من 3 مرات يخسر الضارب المباراة . لم تكن تتوفر لنا في امدرمان تلك الملابس الا أن الطيب كان يصممها ويخيطها من حر ماله ولا تقل جودة وجمالا من المستوردة . اذكر ان الاخ فيصل روي والذي كان يحفظ النظام في سينما برامبل في بداية شبابه قد انتقل الى كوستي وساعد كثيرا ككوتش لكرة القدم في كوستي . حضر روي في زيارة لامدرمان و طلب من الطيب ،،ركبا وكيعانا ،، لحارس مرماهم في كوستي . وكعادة الطيب انه يترك كل شيئ ويضحي بوقته وماله لمساعدة الآخرين . الاخ ،، الدين ود فاطمة،، اسمه الحقيقي ياء الدين ، وهو بناء . كان من اشداء الدومة وودنوباوي . لم يكن قويا بصورة واضحة الا انه كان شرسا ويتمتع بالكاريزما والشجاعة . قضى سنوات في السجن لأنه مع آخرين قد اعتدى بالعصي على الصحفي الكبيرعبد الله رجب رئيس تحرير وصاحب جريدة الصراحة. كان الدين يقول انهم كانوا يقصدون موت الاستاذ عبد الله رجب . السبب هو أن الصراحة قد اوردت اسم الامام الصديق المهدي بالصديق افندي المهدي . تلك الدرجه العلمية كانت ترافق اسم كل من تخرج من كلية غردون. مثل دكتور بروفسير الخ . أوغر بعض المتطرفين صدور شباب الانصار واحلوا دم الاستاذ عبد الله رجب وكانت الجريمة نتيجة الغباء وتعصب الطائفية التي هى اكبر اسباب تأخر السودان . الدين كان يقول بعد خروجه من السجن ومجالستنا في المقهى .... أنهم كانوا على اقتناع أن الاستاذ عبد الله رجب قد مات ، والا لما تركوه . كثيرا ما كان ياتي الاخ ،، كاتوحا ،،المحسوب كفتوة ود نوباوي برفقة الدين وتعارفنا .كنت اسمع عنه كثيرا وهو من سباحي ابروف وله جسم رياضي رائع وعضلات بارزة . لكنه كان مسالما ومؤدبا .كان يقال عنه ... كاتوحا بيقبض الوزين بسبب مقدرته الفائقة في السباحة . المقصود بالوزين هو طائر الغطاس الاسود الذي يغطس لاصطياد السمك .اولاد ابروف كانوا مثلنا اذ نقوم عادة بعبور النيل سباحة وقد يحدث هذا اكثر من مرة في اليوم عندما يحضر المتأخرون ويريدون عبور النيل وناحق بهم . كنا نتباهى بأن المسافة بين ابروف وشمبات ضيقة وأن المسافة بين الموردة وتوتي اكبر كثيرا . بينما اخي يوسف والذي غادرنا قبل فترة قصيرة ، جالسا امام الكشك بالقرب من مستشفي التجاني الماحي أن اتى عبد الرحمن الشيخ حفيد الشيخ دفع الله الغرقان صاحب القبة ومعه محمد وهو سائق بص . قال يوسف وهو يهم بالذهاب ... اذا اتت الشياطين تذهب الملائكة . بالرغم من أن المقصود هو عبد الرحمن جارنا الا ان محمد اراد أن يكون الامر بداية مشاجرة . يوسف كان يعاني من شلل اطفال في رجله اليمنى ويعيق حركته . انتقض اخي بابكر وهو اصغر حجما وسنا الا انه ملاكم واسقط محمد بلكمة في الخور . تصادف مرور احدرجال البوليس الذي اصر على تصعيد الامروفتح بلاغ . وضح أن محمد هو شقيق كاتوحا. وصار من المنتظر أن يثأر كاتوحا لشقيقه وكبر الامر . انتهى الامر بسهولة وسرعة وسمعت وانا خارج السودان ، أن الطيب بروحه الجميلة وحب الناس له ، قد ذهب لكاتوحا وشرح له الامر وصلتي ببابكر ويوسف .انتهى كل شيئ بسلام ...اخي الطيب لك الشكر ولترقد في سلام . من العادة أن يضع صاحب الاستديو للتصوير العديد من الصورالجميلة التي تم تصويرها وطباعتها لجذب الزبائن . قام صاحب استديو بعرض صورة لاخي خليل لانه كان وسيما . سمع الطيب الذي صار الاخ الاكبر لكل اشقاءنا الصغاربعد سفرنا لاوربا . كان الطيب / الطيب على قدر الامانة وزيادة . ذهب الطيب الى صاحب الاستديو وفرض عليه تسليم الصورة وعدم تكرار الامر . العباسية ، امدرمان وكل السودان كان مكانا صالحا لسكن البشر ، لأن امثال الطيب سعد الفكي كانوا يقدمون الكثير لمجتمعاتهم . في يوم الاثنين 3 ديسمبر 1961انتقل ابراهيم بدري الى جوار ربه . كانت الجنازة كبيرة ، امتلأ المنزل لايام عديدة بافواج من المعزين لا تنقطع . الامر كان يحتاج لانسان يتولى امر الشاي والقهوة لان النساء كن مشغولات بالطعام . ويظهر الطيب وباحترافية عالية يتولى امر الماء الشاي والقهوة . بينما كنا نجلس ننام ونستيقظ لنأكل نشرب نتناقش نتسامر كما في بيوت البكاء في السودان كان الطيب بعيدا يشقى ويتعب بعد أن ترك عمله ويتحمل سخافات بعض العجائز الذين يتخذون المأتم كنادي للاكل وشرب الماء والمكيفات. بعض العجائز من امثالنا اليوم لا يكفون عن المطالبة بكل ما يخطر ببالهم . احد هؤلاء العجائز كان يغلظ القول كل مرة لا يكون الماء القهوة على حسب طلبه ، والطيب لا يشتكي ابدا . عندما كان الشيخ ،،المتعب ،، في طريقة لقضاء الحاجة شاهد الطيب جالسا ودموعه تجري وهو يطالع صالون ابراهيم بدري بدون راعيه. اعتذر الشيخ ورفع الفاتحة مع الطيب وقال له .... معليش يا ولدي انا ما كنت عارفك من ناس البيت كنت فاكرك مكري . بعد سنة بالظبط وفي يوم الاحد 3 ديسمبر 1962 اتصل بي الطيب ليخطرنب بأن العم محمد الحسين وزوج فاطمة شقيقة الطيب قد انتقل الى جوار ربه . الطيب كان يتواصل معي في الغربة الطويلة وهو الذي اتصل تلفونيا عندما كان الاتصال التلفوني مع السودان صعبا جدا ، قال لي باكيا ..... يا شوقي اخونا عز الدين الزغاوي مات . صديق الطفولة والعمر عز الدين ىدم حسين عرف بالزغاوي بسبب وجود الكثير من من يحملوت اسم عز الدين في العباسية . عزالدين صدمه سائق متهور في ليبيا حيث عمله كطبيب . الطيب كان يوافيني بالاخبار الجميلة عن الاطفال الجدد نجاح الابناء زواج الاصدقاء الاصدقاء وما يحدث في امدرمان والعباسية . عندما اكتمل منزل الطيب واجبر على مغادرة العباسية التي احبها واحبته اتصل بي . كان سعيدا بالمنزل ولكن لم يخفي حزنه لمغادرة العباسية بعد عشرات السنين . الطيب كان مسكونا بالتواصل ومعطونا في الوفاء والاخاء .
الطيب سعد الفكي في نهاية رحلة العطاء الطيب سعد الفكي مع فريق التضامن على الارض من اليمين . الثالث من اليمين اخوه الحبيب وقوفا شنقيطي بدري
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة