رسالة إلى القارئ الجبان: إما أن تصرخ الآن، أو تصمت إلى الأبد، أيها القارئ الجبان، نعم، أنت. ذكراً كنت أو أنثى. أنت جبان. وأنت الآن تقرأ هذه السطور، أكاد أجزم أنك ستكملها حتى النهاية، ثم تُغلق الصفحة وتمضي بلا تعليق، بلا نقاش، بلا صرخة. لماذا لا تصرخ وتطالب كل الحركات المسلحة الدارفورية ليعودا لديارهم ويلحقوا بالجنجويد الذين طردتهم أنت من بيتك بتضحيات جسيمة؟ لماذا لا تهب أنت وكل للشعب لتفرضوا عليهم الجلوس للصلح بين كل مكونات دارفور، وإنهاء العداء الأزلي بين زرقة وعرب، وترك شماعة المركز؟. لا خيار لك ولهم سوى وأن ينالوا سيادتهم وحتماً ستتوقف الحروب، وإلى الأبد، تلك ليست عنصرية بل واقعية. الحرب أوشكت على نهاياتها وبقي صوتك حتى تخمدها تماماً
أنت إبن الشمال والوسط والشرق، لم تنشب أي حروب بين قبائلك في التاريخ القريب أو البعيد فما الذي يجعلك تعيشها؟ ولماذا؟ أنت تصبر على ماذا؟ هل قبولك لانتهاك عرضك وزعزعة استقرارك هو ضرورة حتى لا تتهم بالعنصرية؟ نعم لقد كانت الغالبية التي حكمت هذا الوطن المسخ من الشمال، ولكن هل انت كنت على توافق مع كل هذه الحكومات ولم تعارضها؟ هل هي جعلت من شمالك اقليماً نموذجياً وفيه مدن كالخليجية وناطحات سحاب وابراج وقطارات وطرقات ومنتجعات وفنادق ومطاعم واهملت بقية السودان؟ ولنفترض أن الذين حكموا كانوا فقط شماليين، وفشلوا فهل هذا ذنبك؟ أليس الفشل والنجاح هما متلازمتان في أداء كل حكومات العالم؟ وهل سبق أن كان فشل الحكومات مبرراً للحرب؟
هل أنت تعرف لماذا حملت الحركات الدارفورية السلاح ضد الدولة؟ بمنتهي البساطة: دوافعهم كانت الحقد الطبقي لا غير. من تعلموا في جامعات الشريط النيلي وغيرها، وعايشوا نمط الحياة المتحضر نوعياً، عرفوا أن الحرص الشديد على التعليم، خاصة عند أهل الشمالية، هو الهدف الأسمى عند كل أسرة ولا تضحيات تقدم لغير التعليم. بالطبع أصابهم الغبن الشديد لأن مجتمعاتهم موقرة في البداوة والتعليم ليس محل إهتمامهم، مطلقاً. فسموها الامتيازات التاريخية، تخيّل! فاتخذوها ذريعة لشن الحرب على أهل الشمال بفريّة التهميش، وفي دواخلهم الحصول على كلّ الامتيازات الممكنة بأسم البسطاء من أهلهم. إن كان لديك تحليل غير ذلك فقدمه. بينما أنت ما زلت تلوك اسطوانة الوحدة وادارة التنوع؟ منذا الذي تنظره ان يدير لك هذا التنوع أيها الساذج الجبان؟ أنت تعرف، والكل يعرف، أنك تخاف أن تجرح صديق أو نسيب أو جار اصوله من دافور ان طلبت منه أن يحمل هم موطنه ويعود لأصله ويحمى شعوبه المنكوبة، فلماذا الحرج؟ هل ستطرده من الجنة؟ أليس الأولى له أن يخدم وطنه المأزوم دارفور؟ لا تكن أنت ساذج حين تظن أن الحل سيأتي من هذا الخراب المركّب! ومن ينتظر منقذاً ليصلح هذه الخلطة الفاسدة، فهو غبي لا يدرك أن عشم الوحدة قد إحترق وإلى الأبد ، وأنك إن بقيت صامتاً، فستُذبح باسم الوطنية الزائفة.
أما أنت، إبن الشمال والوسط والشرق، فمالذي يجبرك أن تعيش دوامة ذلك الهلاك وأنت تعلم تمام العلم أن قبول إمتداد تلك الحروب لتصلك في عقر دارك لن تكون الوصفة السحرية التي ستخلق الصلح في دارفور، فلماذا لا تنتفض؟ ممّ تخاف؟ ما الذي يُثقل لسانك؟ ما سر هذا الجبن المهين؟ لماذا لا تجرؤ على قول رأيك في تلك الوحدة القسرية والتي تحولت لحروب مستديمة، منذ خروج الإنجليز، حتى عمت كل السودان؟. دمرت وشردت وقتلت الأبرياء في بيوتهم، في الطرقات، في الحقول، في معسكرات النزوح، بل حتى في المخابئ. قل كفى لهذا السمٍّ الزعاف. هل تعلم أن جبنك وصمتك على كل إدعاءات التظلم الكاذبة، جريمة بحق نفسك وأسرتك وأهلك وشعبك وبحق البسطاء من أهل دارفور؟ لماذا لا تطرد المتنطعين الذين يتسوّلون “حقوقاً” في أرضك وعرضك وهم لم ولن يفكروا لحظة في شعوبهم، ولن يعودوا إليهم يوماً؟
يحب أن تترك الجبن وتؤكد للذين سماهم النفعيين بشعوب الهامش أن مواصلة هذا الكذب الممنهج لن تقودهم إلا إلى جحيم دائم، وأن أولئك الذين ينطقون بإسمهم ما هم إلا تجّار دم، يقتاتون على المآسي، ويكدّسون المكاسب فوق أشلاء الأبرياء. لقد آن الأوان لأهل دارفور ليُدركوا أن الخلافات بين مكوناتهم هي شأنهم، ومعركتهم الخاصة، ولا يجوز تصديرها لبقية السودان مطلقاً. وليُعلموا أن أرضهم التي يسمّونها ظلمًا بـ “الهامش” هي من أغنى بقاع السودان: أرض وبشر وثروات ومياه، وذهب، وأنهم ليسوا “مقطوعين من شجرة”، بل لهم جذور وبيوت وموارد وأن ضمان حياتهم وإرثهم وسلامة أجيالهم هي في عودتهم الى بلادهم والعمل على خلق الصلح والتعايش، وليعلموا علم اليقين أن ليس هناك انسان في هذا الكون مجبر على صنع السلام لهم، أو قادر عليه غيرهم
عودة اهل دارفور لديارهم لن تكون نهايتهم ولا نهاية العالم، وليعلموا أن بقية السودان ليس هناك ما يلزمها على دفع ضريبة فشلهم في إدارة شؤونهم، والأهم من ذلك أن دارفور لن توضع في سفينة فضائية وتطلق لتستقر في كوكب زحل بل ستكون جارة حميدة، إن إنصلح حالها. أنت تخجل من أن تطالب القادم من دارفور بالعودة إليها، وكأنك مدين له بأرضك. ترتجف خشية أن تجرح مشاعره، لأنك توهمت أنه أدنى منك، ويستحق شفقتك. كفى هذا الهوان. لا هو أقل منك، ولا أنت أعلى منه. لا هو أولى منك بوطنك، ولا أنت ضيف في مدنك. لكنك سلّمت نفسك لوهمٍ حقير، حتى سمحت له أن يناديك بكلمتي شمالي وجلابي، دون أن ترد، لأنك تخشي أن تناديه بـ غرابي” خشية أن تُتّهم بالعنصرية! غرس فيك عقدة أقنعتك أن جغرافيته مذمّة، وأن انتماءك جريمة.
كل التقدير لإنسان دارفور البسيط، كل الحب والود والتقدير وحتى ينجو وجب عليه أن يعترف أنها بؤرة الشرار والنار، ومصدر الحروب التي شردته واهلكته بسبب زرقة وعرب. الواجب الأخلاقي يحتم عليه أن يقر بذلك دون تحايل أو تعذر بأن هناك مسببات خارجية ومسئوليات يتحملها مركز أو نخب أوحكومات أو غيرهم. لا تخجل بقول الحقيقة وأن مصير دارفور يُحسم في دارفور، لا في الشمال ولا الوسط، ولا الشرق. إتفاقية جوبا ولدت ميتة، وعلى أهل دارفور أن يصنعوا مصالحتهم بأنفسهم في اتفاقية تكون في الفاشر أو الضعين، ما دمتَ أنت لست طرفاً في صراعهم، فلا تلزمك تبعاته ولا دماؤه. تأكد أن ابن دافور البسيط سيسعد لاهتمامك وكشفك للحقيقة المخفية وانقشاع الخداع بإسم التهميش وهو خطاب لن يغنيه ولا يسمنه من جوع، وسيدرك انه صاحب بلد جميل وثري وغني وحتماً سيكون فيه الصلح والأمان إن وجدت الإرادة عند أهله وقادته
كف عن التردد. لا أحد يُنقذك من عبء الصراحة سوى صوتك. لا أحد يُجبَرك على حمل فشل غيرك على ظهرك. لا أحد يملك الحق أن يُحمّلك تاريخه المُلطخ ليغسل يديه من دماء قبائله. أنت لم تحكم، ولم تغزُ، ولم تسلب. ألم تسأم أن نكون أنت وأهلك قرابين لوهم الدولة الواحدة. من أراد السلام، فليبدأ من حيث نشأ الجحيم. أما أنت، ابن هذا الشريط النيلي والشرق، فانهض الآن واهتف: كفى عبثاً، كفى موتاً، كفى استغفالاً، ولا تجبن
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة