|
|
 الذهب وتمويل الحرب في السودان: من الفوضى إلى أدوات السيطرة كتبه عمر سيد أحمد
|
[email protected]
مايو 2025
1. مقدمة: ماضٍ ملكي وثروة منسية
منذ آلاف السنين، شكّل الذهب أحد أعمدة حضارات السودان القديمة، لا سيما مملكة كوش والممالك النوبية. أطلق المصريون واليونانيون على هذه الأرض اسم “نوب” أو “نوبيا” – أي “أرض الذهب”. لم يكن هذا الوصف مجازيًا، بل دقيقًا في وصف وفرة المعدن ودوره في السيادة والازدهار.
لكن المفارقة أن ما كان في الماضي رمزًا للقوة، أصبح اليوم وقودًا للفوضى. فبدلًا من أن يُستثمر الذهب في دعم الاستقرار، بات يُستغل في تمويل الحروب، وتهريب الثروات، وسط انهيار مؤسسات الدولة.
2. الذهب… خزينة حرب لا مصدر تنمية
يمتلك السودان واحدًا من أكبر احتياطات الذهب في إفريقيا، لكن الواقع يُظهر انفصامًا بين الإمكانيات والاستفادة.
الإنتاج الرسمي انخفض إلى 2 طن فقط بين أبريل وأغسطس 2023[^1].
تُهرَّب ما بين 50% إلى 80% من الذهب المنتج سنويًا[^2].
الإمارات تُعد المسار الرئيسي للذهب المُهرّب[^3].
تُستخدم عائداته في تمويل الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 2023[^1].
3. الإنتاج والتصدير: أرقام مضلّلة
ارتفع إنتاج الذهب في 2024 إلى 65 طنًا، لكنه لم ينعكس ماليًا، إذ تراجعت العائدات من 2.02 مليار دولار في 2022 إلى 1.6 مليار دولار في 2024، رغم ارتفاع الأسعار عالميًا بأكثر من 30%[^4].
هذا التناقض يكشف خللًا في آليات التسويق، وشبه غياب للرقابة، ويعزز الشكوك بوجود تهريب مؤسسي ومنهجي.
4. الاقتصاد الموازي والتلاعب والفساد
الذهب السوداني لا يمر عبر قنوات رسمية، بل يُتداول ضمن اقتصاد موازٍ تتحكم فيه شبكات نافذة:
شركات تعدين تُدار من داخل الأجهزة الأمنية[^5].
عقود الامتياز تُمنح بناءً على المحسوبية[^6].
الذهب يُباع بأقل من سعر السوق العالمي للتهرب الضريبي[^6].
5. التهريب: الفجوة الأكبر
تُهرَّب ما بين 70 و80% من الذهب السوداني سنويًا، عبر حدود واسعة مع مصر، ليبيا، تشاد، وأفريقيا الوسطى[^7].
وقد أصبحت عمليات التهريب شبكة متداخلة تضم أطرافًا محلية ودولية، في ظل غياب منظومة رقابية فعالة[^8].
6. الأثر البيئي والصحي
التعدين التقليدي يعتمد على الزئبق والسيانيد، ما أدى إلى تلوث واسع للمياه والتربة، وتفشي أمراض تنفسية وجلدية، خصوصًا في ولايات نهر النيل، جنوب كردفان ودارفور[^9].
7. الحرب: الذهب كوقود للنزاع
منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، تحوّل الذهب إلى مصدر تمويل رئيسي للأطراف المتحاربة. تسيطر فصائل مسلحة على مناجم في دارفور وجنوب كردفان، وتستخدم عائداتها لشراء السلاح وتشغيل الآلة الحربية. لم تعد المناجم تحت سلطة الدولة، بل أصبحت محميات سيادية خارج القانون[^10].
8. تحليل: الذهب بين الفوضى والفرصة
يُستخرج أكثر من 70% من ذهب السودان عبر التعدين التقليدي غير المنظَّم، في ظل غياب التشريعات والرقابة الفنية. وتفتقر الدولة إلى الشفافية في عقود الامتياز وتقارير الإنتاج، ما يعزز الشكوك حول الفساد والتلاعب.
والأخطر أن الذهب لم يعد أداة تنمية، بل تحوّل إلى وقود حرب يطيل أمد النزاع ويدمّر فرص الاستقرار.
9. التوصيات والإصلاحات المقترحة
9.1 أدوات سيطرة ذكية
سندات الذهب الأهلي تصدرها الدولة مقابل الذهب المُسلَّم مع ضمان تمويلي أو عائد استثماري.
مراكز شراء متنقلة تصل إلى مناطق التعدين لتقليل التهريب وتوفير السيولة.
منصة إلكترونية وطنية تعرض أسعار الذهب وتعزز الشفافية وتمنع الاحتكار.
9.2 إصلاح مؤسسي وهيكلي
نشر عقود الامتياز وتقارير الإنتاج بشكل علني.
تجريم امتلاك أو مشاركة الجهات النظامية في أنشطة التعدين.
تفعيل التعاون الإقليمي والدولي لتعقُّب الذهب المُهرّب.
9.3 مقترحات استراتيجية لتوظيف قطاع الذهب
إصدار السبيكة السيادية السودانية بختم الدولة.
طرح سندات ذهبية استثمارية لتمويل المشاريع.
إنشاء مدينة الذهب السودانية تشمل مصافي وبورصة وصناعات تحويلية.
اعتماد نموذج قسمة الإنتاج لضمان حصة الدولة عينيًا.
تأسيس شركات مساهمة عامة تضم المعدنين والدولة.
تنظيم جمعيات تعاونية للمعدنين الأهليين توفر لهم تمويلاً وتقنيات.
إسناد شراء وتصدير الذهب لبنك السودان فقط.
وضع مصفوفة سنوية للاستيراد مقابل الذهب.
استخدام الطاقة المتجددة في عمليات التعدين.
إنشاء بورصة سودانية للذهب والمعادن بتسعير شفاف وربط بالسوق العالمية.
10. من بوركينا فاسو… درس عملي
قدّمت بوركينا فاسو تجربة رائدة في استعادة السيادة على قطاع الذهب.
منذ 2022، نفّذت الدولة إصلاحات واسعة شملت تعديل قانون التعدين، تأسيس شركة وطنية لإدارة المناجم الكبرى مثل Boungou وWahgnion، وإنشاء احتياطي وطني من الذهب.
النتائج كانت سريعة وواضحة: الإنتاج ارتفع إلى 62 طنًا سنويًا، وتم تحصيل أكثر من 11 طنًا من التعدين الحرفي خلال ربع واحد في 2025. كما ساهم القطاع في تمويل الميزانية وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية.
ورغم التحديات الأمنية، استطاعت بوركينا فاسو أن تحوّل الذهب من عبء إلى أداة سيادة. هذا النموذج ليس مستحيلاً على السودان، إن توفرت الإرادة والرؤية.
11. الخاتمة: الذهب اختبار السيادة
قطاع الذهب في السودان ليس مجرد ملف اقتصادي، بل هو اختبار حقيقي لسيادة الدولة وصدق نواياها الإصلاحية. فإما أن يُدار هذا المورد بعقلية الدولة الحديثة، أو يبقى رهينة للفوضى.
التجارب الدولية تثبت أن التحول ممكن. المطلوب اليوم ليس مجرد إجراءات تقنية، بل مشروع سيادي يعيد للدولة دورها كمُنظم وضامن وحامٍ للثروات.
12. صرخة أخيرة: من يملك الذهب… يملك القرار
في بلد يُشترى فيه السلاح من عائد منجم، لم يعد الذهب مجرد ثروة خام، بل بات أداة للصراع.
القرار اليوم واضح: إما أن تنتزع الدولة هذا المورد من براثن الفوضى، أو يستمر في تمويل الانهيار.
من يملك الذهب… يملك القرار. والسودان يستحق أن يكون صاحب قراره.
13. المراجع
المراجع العربية
وزارة المعادن السودانية. تقرير الأداء السنوي 2016–2024. الخرطوم: وزارة المعادن، 2024.
وزارة المعادن السودانية. خطة تطوير قطاع الذهب. الخرطوم، 2023.
مركز دراسات المستقبل. قطاع التعدين التقليدي في السودان. الخرطوم، 2020.
سليمان، أحمد. “اقتصاد الظل الذهبي”. المركز العربي للأبحاث، 2021.
السودان تريبيون. تقارير 2022–2024. https://www.sudantribune.comhttps://www.sudantribune.com
مبادرة الشفافية السودانية. تقرير الشفافية في قطاع الذهب. الخرطوم، 2020.
الجزيرة نت. “ذهب السودان والاقتصاد الموازي”. 2023.
الجزيرة نت. “التعدين بالزئبق يهدد البيئة”. 2022.
مركز دراسات الطاقة المتجددة. الخرطوم، 2023.
المراجع الأجنبية
Chatham House. Gold Production and War. London, 2025.
Chatham House. Sudan’s Gold Sector and Regional Conflict. London, 2025.
Time Magazine. Blood Gold and UAE Ties. New York, 2024.
Wikipedia. Sudanese Civil War (2023–present). Accessed 2025.
Global Witness. Militarisation of Gold. London, 2022.
Global Witness. Transparency in Sudan Gold. London, 2022.
STPT. Illicit Gold Flows Report. Khartoum, 2023.
International Crisis Group. Sudan: War and Gold. Brussels, 2023.
WHO. Mercury Use in Sudan Mining. Geneva, 2023.
BBC Africa. Toxic Gold Extraction. London, 2021.
World Bank. Sudan Economic Outlook. Washington, 2022.
World Gold Council. Gold Demand Q1 2024. London, 2024.
Africa Intelligence. Reports on Sudan Mining. Paris, 2020–2024.
(عدل بواسطة بكرى ابوبكر on 05-15-2025, 04:50 AM)
|
|
 
|
|
|
|
عمر سيد احمد محمد
محمد بدرالدين
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست