التغييب المتعمَّد أم سوء القصد؟ تعقيب على التحقيق الفرنسي بشأن دعم الإمارات لقوات الدعم السريع في السودان أثار التحقيق الاستقصائي الذي بثته قناة فرنسية مؤخراً، ونُشر على خمس حلقات تحت عنوان "قنابل أوروبية في السودان"، جدلاً واسعاً وتفسيرات متباينة، لتناوله ما وصفه بـ"ضلوع" دولة الإمارات العربية المتحدة في تسليح قوات الدعم السريع السودانية. ومن الضروري، في خضم هذا الجدل، إعادة وضع الأمور في نصابها، بعيدًا عن التسييس والمواقف الأيديولوجية التي تسعى لتأجيج الصراع وتشويه صورة الأطراف الإقليمية الفاعلة. أولاً، لا بد من التذكير بأن العلاقة بين الإمارات وقوات الدعم السريع ليست وليدة الحرب الراهنة، بل تعود إلى سنوات مضت، حين شاركت هذه القوات ضمن التحالف العربي في حرب اليمن، تحت القيادة الإماراتية. وقد تولت الإمارات، في ذلك السياق، مهمة تدريبها وتسليحها ضمن الجهد الإقليمي والدولي لمواجهة التهديد الحوثي المدعوم من إيران، وهو دور تم بتوافق واسع في حينه. وبالتالي، فإن وجود أسلحة إماراتية في يد قوات الدعم السريع لا يعني بالضرورة أن الإمارات زوّدتهم بها في سياق الحرب السودانية الحالية. فالأرجح أن هذه الأسلحة تعود لتلك الفترة، حيث شاركت القوات السودانية ضمن التحالف العربي، وتم تسليحها آنذاك. أما فيما يتعلق بشحنات السلاح التي تم ضبطها مؤخراً، فتشير تقارير متعددة إلى أنها وصلت إلى قوات الدعم السريع عبر أطراف ثالثة، أبرزها قوات خليفة حفتر في ليبيا، وهو طرف تربطه بالإمارات علاقة شراكة أمنية معروفة. ولا يمكن منطقياً تحميل الإمارات مسؤولية كل تحرك تقوم به جهات سبق أن تلقت دعماً منها، خاصة في منطقة معقدة تتشابك فيها الولاءات وتُختلط فيها خطوط الإمداد. من جانب آخر، لا يمكن التغاضي عن الحملة الإعلامية الممنهجة التي تستهدف الإمارات، والتي تصاعدت منذ اندلاع الحرب في السودان. وتقود هذه الحملة أطراف ذات توجهات إسلاموية، تسعى لاستعادة نفوذها بعد سقوط نظام البشير، وتعمل على تأليب الرأي العام ضد أي مبادرة إقليمية لا تخدم أجنداتها. وعداء هذه الأطراف للإمارات ليس جديداً، بل يتصل بموقفها الواضح والحازم من جماعة الإخوان المسلمين، التي تصنفها كتنظيم إرهابي. وفي هذا السياق، يُشار إلى بيان الجالية السودانية بدولة الإمارات العربية المتحدة، الذي عبّر عن رفض قاطع للقرار الصادر عن سلطة الأمر الواقع في بورتسودان بقطع العلاقات مع الإمارات، واصفاً إياه بأنه لا يمثل الشعب السوداني ولا يخدم مصالحه. وقد أكد البيان على عمق العلاقات بين البلدين، مشيداً بالدور الإنساني الذي لعبته الإمارات في استقبال مئات الآلاف من السودانيين خلال الأزمة، وتوفيرها لهم سبل العيش الكريم من مأوى وعلاج ومعونات. وأشار البيان كذلك إلى أن العلاقات بين الشعبين السوداني والإماراتي متجذرة ومبنية على المحبة والاحترام المتبادل، ولا يمكن أن تنال منها قرارات انفعالية أو حملات مغرضة. كما شدد على ضرورة الحفاظ على هذه العلاقة التاريخية والعمل على وقف الحرب وتحقيق السلام بعيداً عن المهاترات السياسية ومحاولات التصعيد. إن الإمارات لا تملك مصلحة في إطالة أمد الحرب في السودان، بل على العكس، فإن استقرار السودان وعودته إلى المسار الديمقراطي يشكل جزءاً من رؤية أمنية شاملة تسعى الإمارات إلى دعمها في الإقليم. والسلام هو المخرج الوحيد من هذا النفق المظلم. أما استغلال التحقيقات الإعلامية لأغراض سياسية، فذلك لا يخدم الحقيقة، ولا يحقق العدالة، ولا ينقذ الأرواح. عاطف عبدالله
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة