هل يحق للسودان وقف صادرات الذهب إلى الإمارات ؟ قراءة قانونية في زمن القطيعة الدبلوماسية
بقلم : المحامي
في خطوة أثارت اهتمام الرأي العام الشعبي والسياسي والدوائر القانونية والتجارية على حد سواء ، أعلنت جمهورية السودان مؤخرًا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع دولة الإمارات العربية المتحدة وإعتبرتها دولة عدوان ، وبقدر ما تمثل هذه الخطوة تعبيرًا سياديًا عن موقف سياسي واضح لا لبس فيه ، فإنها في المقابل تطرح تساؤلات قانونية دقيقة حول مدى أثر القرار على العقود التجارية الدولية القائمة ، لا سيما عقود تصدير الذهب السوداني من الشركات الحكومية السودانية إلى شركات تجارية إماراتية ، فهل يحق للسودان ، من منظور قانوني دولي وتجاري ، إلغاء أو تعليق تلك العقود ؟ وهل يشكل قطع العلاقات الدبلوماسية مبررا وسندًا كافيًا لوقف التزاماته التعاقدية ؟ دعونا نستعرض هذه المسألة وفقًا لمبادئ القانون الدولي العام والخاص .
أولاً/ العلاقة بين السيادة السياسية للدولة والالتزام التعاقدي القانوني :
يميز القانون الدولي بوضوح بين القرارات السيادية للدول وبين الالتزامات التعاقدية الناشئة عن عقود تجارية مبرمة ، حتى وإن كانت أطرافها شركات حكومية ، فقطع العلاقات الدبلوماسية لا يؤدي تلقائيًا إلى فسخ العقود التجارية ، ما لم يرد نص صريح في العقد أو القانون المحلي يُجيز ذلك ، وبالتالي، فإن مجرد توقف التمثيل السياسي والدبلوماسي بين الدول لا يطلق يد الدولة في التنصل من العقود التجارية ، خصوصًا عندما تكون العقود قد أُبرمت وفق قواعد القانون الدولي الخاص ، وتخضع لتحكيم دولي محايد .
ثانيًا/ مبررات الإلغاء في ظل الظروف الاستثنائية :
يمكن للسودان أن يستند قانونًا إلى مبدأ "القوة القاهرة" أو "الظروف الطارئة" إذا ما توفرت شروطها الموضوعية ، وقد تقبل بعض هيئات التحكيم الدولية هذه الدفوع إذا ثبت مثلًا أن استمرار تنفيذ العقد يعرض الأمن القومي للخطر ، أو يُسهم في تمويل أطراف تهدد السيادة الوطنية ، أو أن هناك حالة نزاع مسلح فعلي بين الطرفين تؤثر على سلامة التعاملات ، غير أن عبء الإثبات يقع هنا على الدولة السودانية ، والتي يجب أن تُبيِّن كيف أن استمرار تصدير الذهب للإمارات – في ظل الظروف السياسية الراهنة – يشكل ضررًا مباشرًا وملموسًا .
ثالثًا/ المخاطر القانونية عند الإلغاء غير المبرر :
في حال قررت الحكومة السودانية إلغاء العقود دون مبررات قانونية منصوص عليها أو دون اتفاق تعاقدي يُجيز ذلك ، فإنها تفتح الباب واسعًا أمام المطالبات بالتعويض من قبل الشركات الإماراتية المتضررة ، واللجوء إلى التحكيم الدولي مثل غرفة التجارة الدولية ( ICC ) أو مركز دبي للتحكيم . وفق ما تنص عليه معظم العقود التجارية الكبرى ، وربما المطالبة بتجميد أصول سودانية في الخارج أو اتخاذ إجراءات قانونية أمام محاكم دولية ، إضافة إلى تقويض سمعة السودان كمصدر موثوق للموارد الطبيعية في الأسواق العالمية ، وهو ما قد ينعكس سلبًا على قدرته التفاوضية مستقبلاً وعلى تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، دول مثل إيران وفنزويلا واجهت إجراءات مشابهة ، ولكن حين ألغت العقود دون تبرير قانوني أو قضائي ، خسرت قضايا تحكيم وكلفتها تعويضات بمليارات الدولارات .
رابعًا/ خيارات قانونية بديلة للسودان
لتفادي النزاع والتداعيات المالية والدبلوماسية ، يمكن للسودان أن يلجأ إلى وسائل قانونية أكثر توازنًا تحفظ حقوقه وتراعي التزاماته الدولية ، مثل التفاوض مع الشركات الإماراتية على تعديل أو تعليق العقود بصورة ودية ومؤقتة ، أو إعادة التفاوض بشأن الشروط التجارية بما يتناسب مع المتغيرات السياسية والاقتصادية الراهنة ، أو اللجوء إلى القضاء المحلي أو هيئات التحكيم المؤسسي لطلب تفسير قانوني أو طلب إنهاء العقود استنادًا إلى أسباب موضوعية واضحة ، بما يضمن الحفاظ على مصالح الدولة وسيادة قراره السياسي دون الإضرار بثقة المجتمع الدولي أو تعريض البلاد لنزاعات مالية معقدة ومكلفة .
إن بين سيادة الدولة بقراره السياسي والمسؤولية القانونية يظل للسودان كامل الحق السيادي في اتخاذ ما يراه مناسبًا من قرارات سياسية ، لكن الالتزامات التجارية الدولية تظل محكومة بضوابط قانونية صارمة لا تتأثر – دائمًا – بتقلبات السياسة ، وبالتالي ، فإن أي قرار بإلغاء صادرات الذهب إلى الإمارات يجب أن يستند إلى مبررات قانونية واضحة ومدروسة ، تجنب البلاد الانزلاق نحو نزاعات دولية قد تكون كلفتها باهظة اقتصاديًا وسياسيًا .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة