بقلم/ – وجهة نظر أثار قرار محكمة العدل الدولية برفض الدعوى المقدمة من السودان ضد دولة الإمارات ، على خلفية اتهامات بالإبادة الجماعية بحق قبيلة المساليت في إقليم دارفور، جدلًا قانونيًا وسياسيًا واسعًا. وقد جاء الرفض استنادًا إلى سبب إجرائي يتعلق بعدم اختصاص المحكمة، دون الخوض في جوهر الدعوى ، بعض الأطراف السياسية السودانية، الداعمين للإمارات، رحبت بالقرار كأنه تبرئة كاملة من الاتهامات، ما يعد تحريفًا قانونيًا. في المقابل، عبّر كثير من السودانيين، ولا سيما أسر الضحايا والبعض، عن خيبة أمل وصدمة حيال القرار، ومن هنا يجب طرح بعض الأسئلة للإجابة عليها: هل الرفض الإجرائي يعني فعلاً نفي الجريمة؟ وهل سقطت المسؤولية لمجرد خلل في الشكل؟ وما هي الخيارات القانونية المتاحة أمام السودان بعد هذا القرار؟ للإجابة على التساؤلات: المحكمة لم تُبرّئ الإمارات بل لم تنظر في الجريمة، من المهم معرفة أن المحكمة لم تُصدر حكمًا في الوقائع، ولم تنفِ الجريمة أو تُبرئ المتهم، بل لم تنظر أصلًا في القضية من حيث الموضوع. فالقرار استند فقط إلى ما يُعرف بـ"عدم الاختصاص"، وهو إجراء قانوني أولي تحدد من خلاله المحكمة ما إذا كانت مخولة بالنظر في النزاع بناءً على الاتفاقيات الدولية، صفة الأطراف، القانون. في هذه القضية، رأت المحكمة على ضوء دفوع الطرف المدعى عليه أن الشروط الشكلية للاختصاص القضائي غير متوفرة، ما يجعلها غير قادرة على النظر في القضية أصلًا، بغض النظر عن مضمونها أو خطورة الاتهامات. ما المقصود بعدم الاختصاص؟ الاختصاص القضائي هو القاعدة التي تحدد ما إذا كانت المحكمة تمتلك الصلاحية القانونية للنظر في نزاع معين. ويشترط ذلك وجود رضا الأطراف أو وجود أساس قانوني واضح مثل اتفاقية دولية أو نص صريح في النظام الأساسي للمحكمة. في الدعوى السودانية، من المرجح أن تكون المحكمة قد رأت أن الإمارات ليست طرفًا في الاتفاقية الدولية الملائمة، أو أن المسار القانوني المختار لم يكن كافيًا لتأسيس اختصاص المحكمة. وبالتالي، فإن القرار لا يعكس أي تقييم لمحتوى الدعوى أو للوقائع، بل يعبر فقط عن قصور في الأهلية القضائية للمحكمة . اما عن التدابير المؤقتة؟ السودان كان قد تقدم بطلب لاتخاذ تدابير مؤقتة لحماية المدنيين في دارفور، وهو إجراء شبيه بالإجراءات التحفظية في النظم القانونية السودانية. إلا أن المحكمة رفضت هذا الطلب أيضًا، لأن صلاحية إصدار التدابير المؤقتة مشروطة بوجود اختصاص أصلي في القضية. وبتأكيدها على عدم الاختصاص، لم يعد بإمكانها المضي في أي إجراء وقائي. هل يعني ذلك أن الجريمة لم تقع؟ الإجابة القانونية الواضحة: "لا". الرفض الإجرائي شكلا لا يعني نفي وقوع الجريمة، ولا يُعتبر بأي حال من الأحوال تبرئة. إنه ببساطة "قرار" يحسم صلاحية المحكمة، دون أن يدخل في تحليل او تقييم الأدلة أو شهادات الشهود أو ملابسات الحادثة. ويمكن تشبيه الأمر بمحكمة وطنية ترفض دعوى بسبب عدم اختصاصها المكاني، دون أن تصدر أي حكم في جوهر القضية. هل ما زالت هناك خيارات أمام السودان "نعم"، لا تزال أمام السودان عدة مسارات قانونية ودبلوماسية، أبرزها: اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية، إذا ما توفرت الشروط القانونية لذلك، تقديم ملف متكامل إلى مجلس الأمن الدولي، لتحريك المساءلة من بوابة الأمن والسلم الدوليين، تعزيز الملف القانوني بالأدلة الميدانية والشهادات والتوثيق الحقوقي، التحرك السياسي والإعلامي على الساحة الدولية، لضمان استمرار الضغط الحقوقي وعدم طي الملف سياسيًا. الحقيقة إن العدل لا يُختزل في الشكل القانوني فقط، بل يرتبط أيضًا بالحق في معرفة الحقيقة، وضمان عدم إفلات المسؤولين من العقاب، قرار محكمة العدل الدولية بعدم الاختصاص لا ينبغي استخدامه كذريعة لتبرئة مسبقة، ولا كغطاء سياسي لإغلاق ملف خطير كالذي شهدته ولاية غرب دار فور.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة