يريد الشماليون انتصار الجيش لاعادة الظروف القديمة التي كانت تتيح لهم تبادل السلطة عبر انقلابات عسكرهم على بعضهم البعض.لذلك أصابتهم هذه الحرب بالهلع الكبير. الذين لم يمنحونا فرص التعرف على ثقافات الهامش المتنوعة في الشرق والجنوب الغرب، بل عمدوا الى ممارسة تعتيم اعلامي شامل، وشيطنة الهامش في حال مطالبتهم بحقوقهم، وظل المهمشون بلا أمل طوال سبعين عاماً، إلا القلة التي تنتخب من الشمال كترميز تضليلي، ولإخماد أي تفكير في المطالبة بالحقوق. ملايين من أطفال الهامش -ومنهم عرب دارفور الذين كبروا وهم يقاتلون الآن مع الدعم- لم ينالوا أي تعليم، فظلوا هائمين على وجوههم بلا أمل. كل ما فعلته الحرب هو أنها كشفت ذلك التعاضد والتناصر بين الشماليين عندما يهدد أي أجنبي عنهم احتكارهم للثروة والسلطة، والحقيقة أنني أحسدهم على هذا التناغم وعدم الانقسام. نعم كل من يطالب بحقوقه سيعتبر أجنبي، فالشعب السوداني هم وحدهم، وقتلى دارفور طوال ثلاثين عاماً لا قيمة لهم، وقتلى الجنوبيين وأهالي جنوب كردفان وجبال النوبة والشرق لا قيمة لهم. لكن قتلى الشماليين في الجنة وقتلى غيرهم في النار. حتى الدين أرادوا احتكاره في طوائفهم وأحزابهم العقائدية، واحتكروا حتى الملابس القومية، واحتكروا اللهجة في لهجتهم، التوظيف في الخدمة المدنية، التعيين كضباط، والرتب العالية، واحتكروا التعليم، والبنوك، والعطاءات الحكومية، فكلما جاءت منهم أمة إلى السلطة سرقت ولعنت أختها ثم جاءت منهم أمة ففعلت ما فعلت التي قبلها وما بدلوا تبديلا. كل هذا المناخ الاقصائي العنصري الفاسد، هددته هذه الحرب، لذلك هم يقفون ضد حميدتي والدعم وضد الحركات المسلحة إذا لم تقاتل معهم لتحافظ على احتكارات الشمال. حقاً أنا أحسد الشماليين على توافقهم غير المعلن ضد الشعوب الأخرى المهمشة. هذا التوافق غير المعلن ولكنه يمارس منذ ٥٦. الآن وضح للجميع. فكشف قبح الوجوه والقلوب الذي كان يغطى قبل ذلك بالخطابات العاطفية الكذوب. كان قمع الأمل سلاح الشمال ضد بقية أجزاء شبه الدويلة السوءدانية. وبهذه الحرب ولد أمل جديد لكل الهامش، لذلك فالجميع يعرفون أن هذه الحرب حرب وجودية، سواء بالنسبة للشماليين أو بالنسبة للمهمشين. ولذلك أيضاً فإن هذه الحرب ستستمر أمداً طويلاً لن يقل -بأي حال من الأحوال- عن سبع سنوات أخرى.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة