التاريخ بالمقلوب: عبد الله علي إبراهيم وتزييف سردية الجريمة في بلاغة الإنكار وتبرئة القاتل: كيف حو

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-15-2025, 08:04 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-07-2025, 11:30 AM

خالد كودي
<aخالد كودي
تاريخ التسجيل: 01-01-2022
مجموع المشاركات: 97

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
التاريخ بالمقلوب: عبد الله علي إبراهيم وتزييف سردية الجريمة في بلاغة الإنكار وتبرئة القاتل: كيف حو

    11:30 AM May, 07 2025

    سودانيز اون لاين
    خالد كودي-USA
    مكتبتى
    رابط مختصر



    .

    التاريخ بالمقلوب: عبد الله علي إبراهيم وتزييف سردية الجريمة
    في بلاغة الإنكار وتبرئة القاتل: كيف حوّل د. عبد الله علي ابراهيم الجاني إلى شهيد؟

    7/5/2025 خالد كودي، بوسطن

    حين تتحول البلاغة إلى درع للاستعلاء: قراءة في نرجسية خطاب د. عبد الله علي إبراهيم وإنكاره الممنهج للعدالة التاريخية.

    "الطغيان لا يُولد في فراغ، بل يجد كتّابه ومؤرخيه ومروّجيه من داخل الثقافة ذاتها." – هربرت ماركوز”
    "أول علامات الفاشية: قلب موقع الضحية والمعتدي، حتى يصبح الاعتراف جريمة." – حنة أرندت
    "الرأسمال الرمزي للسلطة لا يزدهر إلا في ظل الأكاديميين الذين يبررونه بلغة براقة." – بيير بورديو
    "الشعوب تُذبح مرتين: مرة بالفعل، ومرة حين يُطمس سردها من سجل الذاكرة." – آخيم أميس

    في مقاله الترويجي المكشوف المعنون "عقدة الذنب الليبرالية: 18 أغسطس 1955 عيد لقدامى المحاربين الجنوبيين أم للقتلة بلا أعراف؟"، المنشور في سودانيزانلاين، يواصل د. عبد الله علي إبراهيم نهجه المألوف في تزييف الحقائق التاريخية وتزيين مواقف الإنكار باحتيال لغوي مخاتل. من بين أكثر ادعاءاته افتقارًا إلى الأساس العلمي، زعمه أن موضوع الرق في السودان "طواه الزمن"، وكأن إلغاء الشكل القانوني للعبودية قد أنهى آثارها، أو كأن تراكم المظالم الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن ذلك الإرث يمكن محوه بقرار لغوي أو سياسي.
    هذا الطرح لا يصمد أمام أي تحليل علمي رصين في مجالات السوسيولوجيا والتاريخ النقدي والاقتصاد السياسي، التي أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن الرق لا ينتهي بإلغاءه الرسمي، بل يستمر عبر البنى الاجتماعية والطبقية، وآليات التهميش، ومراكز النفوذ الرمزي والمادي، ولنناقش الدكتور:
    إن موقف د. عبد الله علي ابراهيم لا يمكن اعتباره موقفًا معرفيًا ناتجًا عن قراءة موضوعية، بل يعكس ما وصفه الفيلسوف إيمانويل ليفيناس بـ"الذات المتعالية التي ترفض الاعتراف بالآخر لأنها تخشى مسؤولية المواجهة." إنه موقف نرجسي مغلف بالاستعلاء الأكاديمي الفشنك كما سنري، يُسخّر الدكتور أدوات البلاغة لا لمساءلة التفاوت التاريخي، بل لإعادة إنتاجه بصورة أكثر دهاءً... وهكذا، لا يكتفي د. عبد الله بإنكار استمرار آثار الرق، بل يهاجم أي محاولة لتفكيكها باعتبارها نوعًا من "الابتزاز العاطفي"، مما يجعله، لا مجرد ناقد، بل شريكًا معرفيًا في عملية إعادة شرعنة الظلم التاريخي باسم العقلانية و"المصلحة الوطنية" و ولنري ان كانت حجته ستصمد.

    الحقائق العلمية: الرق ليس ماضياً معزولاً بل بنية حاضرة ومتجددة:
    يُصرّ د. عبد الله علي إبراهيم على التعامل مع الرق كمجرد فصل من فصول الماضي، طواه النسيان، متغافلًا عن حقيقة راسخة في الدراسات السوسيولوجية والتاريخية، وهي أن الرق لا ينتهي بإلغاءه القانوني، بل يُعاد إنتاجه من خلال البنى الطبقية والرمزية والاجتماعية التي تظل قائمة بفعل التفاوت الموروث. إن ما يقدمه د. عبد الله ليس تأريخًا، بل ما سمّاه بيير بورديو "بالعنف الرمزي": أي استخدام اللغة والرموز لتبرير الهيمنة، من خلال دفع المهمش إلى تبني نظرة الجلاد عن نفسه
    ١/ سوسيولوجيًا: بنية الحرمان الموروثة:
    منذ ويليام إدوارد دو بويز إلى أورلاندو باترسون، أكد الباحثون أن الرق ليس نظامًا قانونيًا فقط، بل مؤسسة للحرمان الاجتماعي المتوارث. فباترسون يُعرّف العبودية بأنها علاقة سيطرة وتجريد من الحقوق متوارثة عبر الأجيال، بينما أوضح بورديو أن الضحية حين تُطالَب بتجاوز الماضي دون مساءلة، تُجبر على قبول موقعها في قاع الهرم الاجتماعي. ما يفعله د. عبد الله هو مطالبة الضحية بـ"نسيان التاريخ" كشرط للوطنية، وكأن النسيان فعل تحرري لا إكراه رمزي.
    ٢/ اقتصاديًا: التفاوت كإرث عبودي:
    أنتج الرق توزيعًا جائرًا للسلطة و للثروة والخدمات. ففي السودان، كما أظهر تقرير البنك الدولي (2003)، فإن الخرطوم تحتكر أكثر من 80٪ من الخدمات الأساسية، بينما تقبع مناطق الجنوب، جبال النوبة، ودارفور في قاع مؤشرات التنمية. هذا ليس تراجعًا عرضيًا، بل نتيجة مباشرة لإرث العبودية الذي حرم هذه المناطق من التعليم، الأرض، والميراث المؤسسي، وأقصاها من شبكات النفوذ السياسي والاقتصادي.
    ٣/ سياسيًا: العرق كشرط للشرعية:
    الرق في السودان لم يكن علاقة اقتصادية فقط، بل أسّس لشرعية اجتماعية، سياسية عرقية حُصرت في المركز النيلي، حيث ارتبطت السلطة بالعروبة والإسلام، وأُقصي الهامش باسم ثقافة لا تعترف بتعدديته. هذا ما حلّله فرانز فانون حين أكد أن المستعمِر لا يكتفي بالقهر، بل يصوغ خطابًا يبرر تفوقه ويجعل اضطهاده قانونًا وثقافة. خطاب د. عبد الله، للأسف، يعيد إنتاج هذه الشرعية الزائفة تحت لافتة "العقلانية الثقافية"، متغاضيًا عن كون هذه "العقلانية" ذاتها وليدة امتيازات مركزية.
    : ٤/ نفسيًا–ثقافيًا: الجرح الذي لا يندمل
    تحدثت بيل هوكس عن ما وصفته بـ"الجرح الأسود"، ذلك الجرح النفسي الذي لا يُشفى لأنه لا يُعترف به. الرق، كما تُظهر أبحاث علم النفس السياسي، يترك آثارًا عميقة في الوعي الجمعي، يظهر في الخوف من اللغة، من اللون، من الأصل، بل حتى من الاسم. في السودان، ما تزال لهجة النوبة وجبال الإنقسنا وجنوب السودان تُقابل بالاستهجان في الفضاء العام. وما تزال كلمة "عبد" تُقال على قارعة الطريق. فإذا كان الدكتور يسخر من هذا الألم ويعتبره مبالغة، فليقرأ فقط رسوم أطفال معسكرات دارفور، حيث يظهر الجندي ببندقيته في كل مشهد، وحيث لا توجد كلمات، بل فقط صمت طويل يُحملق في التاريخ!
    تحليل مضمّن: من الضحية إلى المتهم؟:
    في قلب هذا الخطاب، يُمارس د. عبد الله عملية قلبٍ للواقع: الضحية تُصبح متهمة، والمجرم يُقدَّم كبطل وطني. حين يصف من يتحدث عن الرق بأنه أسير "عقدة ذنب ليبرالية"، فإنه لا ينفي الجريمة فقط، بل يُدين من يطالب بالعدالة. وهذا ما نبهت إليه حنة أرندت حين قالت: "أول علامات الفاشية: قلب موقع الضحية والمعتدي، حتى يصبح الاعتراف جريمة"
    وهكذا، لا يبدو د. عبد الله مصلحًا وطنيًا، بل مدافعًا عن هندسة ظلمٍ تاريخي، يتستر خلف اللغة، ويبرر استمرار التفاوت باسم الاستقرار.

    : حين يتحول الإنكار إلى سلاح
    إن الخطورة في خطاب د. عبد الله لا تكمن فقط في نفيه للواقع، بل في تحويل الضحية إلى متهم. وبهذا، يكرر ما فعله منظّرو العنصرية الأوروبية الذين حوّلوا العبيد السابقين إلى "متذمرين"، والمهمشين إلى "أعداء الوحدة". وقد قال جيمس بالدوين صراحة:
    !"إذا كنت تعاني من صدمة العبودية، فإن أول من يتهمك بالمبالغة هو المستفيد منها."
    وها هو د. عبد الله يُمارس هذا الدور، حين يتهم من يتحدث عن الرق بأنه أسير لعقدة ذنب، أو تاجر بالمظلومية.
    النسيان ليس شفاءً، بل جريمة إضافية:
    كتب هربرت ماركوز:
    ."لا توجد حرية دون اعتراف بالجرح، لأن ما لا يُعترف به، يُعاد تمثيله في صورة أكثر وحشية"
    وكتب والتر بنيامين:
    ."من يتحدث عن التقدم دون أن يحدق في وجوه الموتى، هو كاذب"
    فهل يجرؤ الدكتور أن ينظر في وجه ملايين السودانيين الذين ما زالوا يُعاملون كمواطنين من درجة ثانية لأن أجدادهم استُرقّوا؟ هل ينظر في وجه امرأة نوباوية تهمس بالعربية خوفًا من لهجتها؟ أم ينظر في وجه شاب من جنوب السودان ما زال يسمع كلمة "عبد" في شوارع الخرطوم حينما كانت مأهولة بالسكان؟

    الذاكرة ليست انتقامًا، بل مشروع عدالة:
    نحن لا نُحيي ذكرى الرق للشماتة، بل لبناء وطن مختلف. وطن لا يعيد إنتاج التفاوت باسم "الوحدة"، ولا يصمت على الجريمة باسم "الواقعية". والمثقف، يادكتور عبد الله علي إبراهيم ومن لف لفه إذا لم يكن جسرًا للعدالة، فهو جزء من معسكر التواطؤ، ولو حمل لقب "أستاذ – دكتور... او أيا كان."
    "الحقيقة لا تُخفف وقعها إن تجاهلناها. بل تكبر وتصرخ بصوتٍ أعلى." – تا-نهيسي كوتس
    ود. عبد الله، وهو ينكر، إنما يَدين نفسه – لا الضحية.

    على أعتاب المجازر: التاريخ الذي يرفض الدكتور الاعتراف به:
    إن حديث الدكتور عن "الجنوسايد الشمالي" الذي يُنسب إلى تمرد 1955، يأتي مبتورًا وسياقيًا انتقائيًا، لانه كاذب، لأنه يتجاهل عقودًا من المجازر المنظمة ضد الجنوبيين والتي مارستها الدولة المركزية بهيلها وهيلمانها، و بقوة الجيش والشرطة وبدعم أيديولوجي موثق لايمكن انكاره، إليك بعض الوقائع المفصلية:

    - مجزرة جوبا (8 يوليو 1965): ارتكبت القوات الحكومية مجزرة بحق المدنيين الجنوبيين في معسكر تدريب جوبا، أسفرت عن مئات القتلى.
    - مجزرة واو (8 مايو 1965): قتل أكثر من 400 جنوبي، ودفنوا في مقابر جماعية، إثر خطاب تحريضي من مسؤولين في الحكومة الانتقالية حينها.
    - العمليات العسكرية في "الاستوائية العليا" (1970–1972): تم تجنيد مليشيات مدنية للقيام بحملات انتقامية ضد المدنيين الجنوبيين، ووقعت مذابح في توريت وياي وكاجو كاجي.
    - حملة “سحق التمرد” في الجنوب (1983–1986): شهدت إحراق قرى بكاملها، مثل موندرى ومريدي، واغتصاب جماعي للنساء، وتهجير مئات الآلاف.
    كل هذه الوقائع، رغم توثيقها من منظمات حقوقية ومؤرخين عالميين، لم تقترب من دائرة مساءلة الدكتور، الذي ينشغل بتأنيب النخب الجنوبية ويطالب الضحية بالصمت!

    خطاب الجلاد المتخفي: حين يُصبح التاريخ أداة للابتزاز المعرفي:
    ما يمارسه د. عبد الله علي إبراهيم في وصفه لتمرد 1955 بأنه "جنوسايد ضد الشماليين"، لا يمثل فقط تشويهاً سافراً للوقائع، بل يرقى إلى مستوى التزوير الأخلاقي والتاريخي، ويعكس خفة نرجسية مفجعة في التعامل مع أكثر القضايا السودانية مأساوية وتعقيداً. فبدلاً من تفكيك مؤسسة العنف التي أسّستها الدولة المركزية، يستدير الدكتور ليُحاكم الضحية، ويُلبس الجلاد ثوب "الشهيد"، ويقدم سردية لا تقل تزييفاً عن تلك التي صاغها مفكرو أوروبا الكولونيالية لتبرير مجازرهم باسم "التمدين" و"الدفاع عن النفس"

    كتب حنة أرندت:
    "أسوأ الجرائم ليست تلك التي تُرتكب باليد، بل تلك التي تُكتب بالقلم لتُبرّئ المجرم وتدين من لا يملك حتى حبر الدفاع."

    شروط "الجنوسايد" وادّعاء د. عبد الله علي ابراهيم الباطل:
    وفقاً لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (1948)، والتي أصبحت حجر الأساس في القانون الدولي الجنائي، الجنوسايد يُعرّف على أنه أفعال تُرتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية. ويتطلب إثباتها توفّر القصد الجنائي الواضح
    (specific intent)
    وهي النية المعلنة والمدبّرة لإبادة جماعة مستهدفة بعينها، فهل امتلك المتمردون الجنوبيون عام 1955 سلطة الدولة، أو أدواتها، أو السيطرة العسكرية، أو خطاباً يعلن نية الإبادة الجماعية تجاه الشماليين؟
الجواب: لا
    بينما النظام السوداني المركزي، منذ الاستقلال، امتلك أدوات الدولة الحديثة، ومارس قمعًا منهجيًا ضد الجنوبيين، موثقًا بالمجازر، والتطهير الثقافي، والتهجير القسري، ومصادرة اللغات والديانات. هذا هو الجنوسايد الكامل الأركان يادكتور،
    النيّة المتعمدة للإبادة: في خطاب الشماليين أنفسهم:
    لنعُد إلى نمازج من تصريحات موثّقة لقيادات شمالية رسمية:
    حسن بشير نصر، وزير الدفاع في حكومة 1965، قال في البرلمان:
"نحتاج إلى إذن لقتل الجنوبيين حتى نحسم التمرد إلى الأبد."
هذه ليست زلة لسان، بل تصريح بإرادة القتل الجماعي على الهوية..

    اللواء أحمد عبد الحليم، ضابط سابق ومفكر قومي، كتب في 1987:
"ما لم ننظف الجنوب من فوضاه، فلن تكون للسودان دولة."
لغة "التنظيف" هنا تُذكّر بخطاب الإبادة في رواندا، ويوغوسلافيا.

    الصحف الرسمية، كصحيفة "الميثاق" (الناطقة باسم الجبهة القومية الإسلامية)، نشرت في 1990 افتتاحيات تقول فيها:
"الحرب ضد التمرد هي حرب دينية مقدسة لاستعادة الهوية العربية الإسلامية."
د. حسن الترابي، عرّاب النظام الإسلامي، صرّح في 1992 قائلاً:
    "المشكلة في الجنوب ليست سياسية، بل حضارية... ينبغي علينا أن نُعيدهم إلى الإسلام، أو نمنعهم من الفتنة."
وهو تصريح يُفصح عن مشروع تطهير ثقافي ديني، لا يختلف عن منطق الإبادة الرمزية.
    علي عثمان محمد طه، نائب البشير، في لقاء تلفزيوني 1994
    "هذه حرب مقدسة... الجنوب لا مكان له في مشروع السودان الحضاري إن لم يدخل بيت الطاعة."
هذا التصريح يُعبّر عن منطق "الإخضاع أو الإبادة"، وهو المنطق ذاته الذي ساد في كل مشاريع التطهير العرقي في التاريخ.
    البشير نفسه، خلال زيارته إلى واو في التسعينات، قال وسط الحشود:
    "الجنوب دار كفر، وجهادنا فيه سيستمر حتى يركع"
    هذه تصريحات لا تُعبّر فقط عن العنف، بل عن النية الواضحة لطمس الآخر وإبادته، وهو ما تؤكده المجازر الموثقة من جوبا إلى واو، ومن مريدي إلى ياي، خلال الستينات والثمانينات.

    لماذا لا يمكن اتهام الجنوبيين بجنوسايد في 1955؟
    ببساطة، لأنهم لم يملكوا الدولة، ولا أدوات الإبادة، ولا خطاب الهيمنة، ولا النية المعلنة. بل كانوا جزءًا من مؤسسة عسكرية عنصرية، قرروا التمرد عليها بعد سنوات من الاضطهاد والتهميش. ولا يمكن في أي تحليل أخلاقي وقانوني اعتبار العنف العفوي غير المنظم، الذي جرى خلال لحظات انهيار الدولة المركزية، جريمة إبادة جماعية، ما لم يكن منظماً ومبنيًا على بنية سلطة، ونية معلنة، واستهداف على الهوية عبر أدوات القتل الشامل...ولاشنو؟
    حتى في المحاكم الدولية، كما في رواندا والبوسنة، يُفصل بين التمرد والجنوسايد على أساس معيارين: القوة والسيطرة والقصد السياسي المنظّم. والجنوبيون حينها كانوا بلا قوة، ولا قيادة مركزية، ولا خطاب استعلائي ولا نية، فعلام الاسهبال؟

    التواطؤ المعرفي والتبرئة الأخلاقية:
    إن د. عبد الله، بتحريفه لمفهوم "الجنوسايد"، يرتكب ما وصفه سلافوي جيجك بـ"القتل الرمزي للضحية"، إذ يُفرغ الجريمة من معناها، ويُسوّي بين من يملك السلاح والدولة، ومن خرج على هذه الدولة من موقع الفقدان. بلغة أنيقة، يرتكب جريمة أخلاقية: يحوّل الجلاد إلى مظلوم، والصرخة إلى فتنة، والمقاومة إلى همجية - احتيال.
    وكما قال بيير بورديو:
    ."حين تستخدم اللغة لتبرير الامتياز، فأنت لا تمارس ثقافة، بل عنفًا ناعمًا"
    إننا أمام مثقف لا يملك الشجاعة لمساءلة البنية، فيلجأ إلى التذاكي البلاغي لتبرئة تاريخه، وتحميل من لا سلطة لهم وزر وبهتانا ما حدث. وهذا، في جوهره، ليس نقدًا، بل احتيال فكري بائس.

    اخيرا: بين المعرفة والخذلان الأخلاقي:
    في ميزان القانون الدولي، كما في ضمير الفلسفة النقدية، لا يُعد تمرد 1955، رغم كل ما حمله من فوضى ومآسٍ، جريمة إبادة جماعية. فلا النية كانت مبيته، ولا الدولة كانت في يد المتمردين، ولا وُجدت أدوات القتل الجماعي المنظم. أما ما جرى، منذ استقلال السودان وحتى اليوم، من سياسات التصفية الرمزية والجسدية تجاه الجنوب وجبال النوبة ودارفور، فيستوفي بكل المعايير – القانونية، السياسية، والأخلاقية – أركان الإبادة الجماعية، سواء في خطابها أو بنيتها أو ضحاياها.
    والتاريخ، لا بلاغة المداورة، هو من يُصدر الحكم الأخير.
والحقائق، لا المناورات اللفظية، هي ما يصمد أمام امتحان الذاكرة الجماعية.
    أما د. عبد الله علي إبراهيم، فإن إصراره على تزييف المفهوم، وتحوير السردية، وتبرئة بنية الدولة التي مارست القتل الممنهج، لا يضعه في موقع الأكاديمي الأمين ولا المثقف العضوي – كما وصفه أنطونيو غرامشي – بل يُسقطه إلى موقع الخبير المأجور في وزارة الذاكرة الانتقائية. رجل لا يُعنى بالحقيقة قدر عنايته بتسويق سردي زائف، يناور فيه بين الضحية والجلاد، تحت لافتة "الحياد الأكاديمي".
    "المثقف الذي يُنكر المجازر بحجة التعقيد، يشبه القاضي الذي يُبرّئ القاتل لأن الضحية لم تمت بصمت." – سيمون فايل
    "كل من يرفض تسمية الجريمة باسمها، هو جزء من استمرارها." – والتر بنيامين
    ففي مواجهة الجريمة، لا يقف المثقف الحقيقي في المنتصف، بل ينحاز – بعلمه ووعيه وقلمه – إلى الحقيقة، مهما كانت موجعة.
ولا يكتب لإرضاء البُنى، بل لتفكيكها.
ولا يُراوغ في وجع التاريخ، بل يواجهه – لا ليعيد إنتاجه، بل ليكسر دورته
    ومن هنا نقول:
لا جنوسايد بلا دولة، ولا براءة بلا مساءلة.
ومن يبرر المذبحة بلغةٍ أنيقة، أيا كانت درجة الاناقة، هو شريك في إعادة إنتاج الجريمة وليستعد الدكتور عبد الله علي إبراهيم ومن لف لفه لمحاكم التاريخ!
قمن يُدير ظهره للذاكرة، سيقف عاجزًا أمام عودة الوحش باسم الوطن، وهاهي الوحوش في كل مدن السودان فماذا انت وما تمثل فاعلون!
    السودان، في ذاكرته المجروحة، لا يحتاج إلى المزيد من المنظرين الذين يطلبون من الضحايا الصمت احترامًا للجلاد، بل إلى مثقفين يمتلكون شجاعة تسمية الأشياء بأسمائها، لأن:
    "الحرية لا تُبنى بالنسيان، بل بالاعتراف،
ولا تُصان بالمساومة، بل بالمواجهة"
    وهذا هو ما أخفق فيه د. عبد الله، لا معرفيًا وحسب، بل وأخلاقيًا أيضا.
    النضال مستمر والنصر اكيد.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de