حرب 15 أبريل 2023 التي اندلعت في العاصمة السودانية الخرطوم، ثم تحولت تدريجيًا إلى معظم ولايات السودان، خاصة الولايات التي تقع غربي السودان وبعض المدن في وسط السودان، بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، وُصفت بأنها من أعنف الحروب المعاصرة، لبشاعتها؛ إذ لم تقتصر الأضرار على المقاتلين وحدهم، بل شملت أطرافًا محميين بالقانون الدولي الإنساني، والقانون العرفي الدولي، والاتفاقيات الدولية التي تحمي المدنيين والمرافق العامة والأسرى، أي التي تنظم النزاعات وتضع لها قواعد.
على مر العصور، وُجدت نزاعات وحروب بين البشر في كل الحقب الزمنية، وكانت معظمها حروبًا بين دول أو ممالك، وقد وُضعت لها أعراف وقواعد تنظمها للحد من أضرار الحرب على المقاتلين وحدهم. لذلك شهد العالم ميلاد القانون الدولي الإنساني في نهاية القرن الثامن عشر، بعد واقعة معركة سولفرينو التي كانت عام 1859 في شمال إيطاليا بين الجيش الفرنسي والنمساوي. ثم تطور هذا القانون بعقد مؤتمرات دولية تكللت باتفاقيات جنيف الأربع، التي تُعد روح القانون الدولي الإنساني، والتي تحمي الفئات غير المشاركة في القتال مثل الجرحى، وغرقى البحار، والأسرى، والمدنيين، والمرافق العامة أثناء النزاعات المسلحة.
بعد ميلاد الأمم المتحدة كمنظمة دولية جامعة، حدّت من النزاعات الدولية، فظهرت النزاعات الداخلية، مما لفت نظر المجتمع الدولي إلى تطوير اتفاقيات جنيف الأربع بإضافة بروتوكولين: الأول ينظم النزاعات المسلحة الدولية، والثاني النزاعات المسلحة الداخلية. لذلك يُعد الصراع الدائر في السودان من اختصاص القانون الدولي الإنساني وفق البروتوكول الإضافي الثاني، بالإضافة إلى المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، التي تعنى بحماية المدنيين والمرافق العامة أثناء النزاعات المسلحة.
حرب 15 أبريل خلفت انتهاكات واسعة للقانون الدولي الإنساني، تُرقى إلى جرائم حرب وفقًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ومن بين الجرائم الفظيعة المنصوص عليها في المادة الخامسة من اختصاص المحكمة: جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب.
بالتركيز هنا على استهداف المرافق العامة، فضلاً عن الانتهاكات المباشرة ضد المدنيين مثل القتل والتعذيب، فقد نهجت قوات الدعم السريع استهداف الأعيان المدنية بالقصف المدفعي. فقد استهدفت محطة كهرباء بالولاية الشمالية (دنقلا)، مما أدى إلى خروجها عن الخدمة في 20 يناير 2025. وفي 16 فبراير، استهدفت بطائرات مسيّرة محطة كهرباء أم دباكر بولاية النيل الأبيض، مما تسبب في انقطاع الكهرباء في أجزاء واسعة من الولاية. كما استُهدفت محطة كهرباء بربر التحويلية في 27 أبريل 2025، مما أدى إلى انقطاع الكهرباء في نهر النيل، في حين قصفت المسيّرات سد الروصيرص بولاية النيل الأزرق، لحسن الحظ دون خسائر. كذلك تم استهداف سدي مروي وعطبرة، وأُحدثت فيهما خسائر كبيرة.
هذا على سبيل المثال، فضلًا عن قصف المستشفيات، مثل المستشفى السعودي بالفاشر في 26 يناير 2025، مما أدى إلى مقتل 70 شخصًا وجرح آخرين.
وبتحليل هذه الأفعال وفقًا للقانون الدولي الإنساني، نجد أن الصراع الدائر بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني يُعد، وفقًا للمعايير الدولية، نزاعًا مسلحًا غير دولي (Non-International Armed Conflict)، تنطبق عليه المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، والبروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977، بالإضافة إلى القواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني.
إن استهداف محطات الكهرباء والسدود يُعد خرقًا لمبدأ التمييز وحماية الأعيان المدنية. فقد نصت المادة 13 من البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 على وجوب احترام وحماية السكان المدنيين، وحظر استهدافهم. كما نصت المادة 14 على حظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، مثل المواد الغذائية، والمحاصيل الزراعية، ومرافق المياه والكهرباء. كما نصت المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 على حظر الأعمال العدائية ضد الأشخاص والممتلكات غير المشاركة في الأعمال العدائية.
إن استهداف قوات الدعم السريع للمنشآت المدنية مثل الكهرباء والسدود لا يحقق أي ميزة عسكرية مباشرة وفورية، وهي شرط أساسي في القانون الدولي الإنساني لاعتبار الهدف مشروعًا. بل على العكس، أدى تدمير هذه المنشآت إلى إلحاق أذى بالغ بالسكان، مثل قطع المياه والكهرباء عن مدن كاملة، مما يشكل انتهاكًا مباشرًا للمادة 14، ويعد خرقًا لمبدأ التمييز ومبدأ التناسب المنصوص عليهما في القانون الدولي العرفي.
قصف المستشفيات والمنشآت الطبية يُعد انتهاكًا واضحًا للحماية الخاصة وفقًا للقانون الدولي الإنساني. فقد نصت المادة 11 من البروتوكول الإضافي الثاني على أنه لا يجوز مهاجمة الوحدات الطبية، ويجب احترامها وحمايتها في جميع الأحوال. كذلك نصت المادة الثالثة المشتركة التي تم ذكرها سابقًا، وأيضًا القاعدة 28 من قواعد الصليب الأحمر العرفية، على وجوب احترام وحماية الوحدات الطبية، وعدم مهاجمتها ما لم تُستخدم خارج وظائفها الإنسانية. ومن المعلوم أن المستشفيات تتمتع بحماية خاصة في القانون الدولي الإنساني، سواء كانت مدنية أو عسكرية، طالما أنها تؤدي وظائف طبية. لذلك فإن استهداف قوات الدعم السريع للمستشفى السعودي بالفاشر وغيرها من المستشفيات التي كانت تعالج المرضى المدنيين يُعد انتهاكًا جسيمًا لمبدأ الحماية الخاصة.
بناءً على هذه المعطيات، فإن الأفعال المنسوبة لقوات الدعم السريع تُعد انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، وقد تُرقى في بعض الحالات إلى جرائم حرب وفقًا للمادة الثامنة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لاسيما الفقرات المتعلقة باستهداف المرافق المدنية وتدمير الأعيان الحيوية دون ضرورة عسكرية لازمة، وقتل المدنيين، وقصف المستشفيات والمرافق الطبية، مما يتطلب تحقيق مستقل و مساءلة جنائية لضمان العدالة و عدم الإفلات من العقاب. و السلام.
On Sun, 6 Apr 2025, 12:18 pm Mozamil Algali, wrote: إبادة جماعية بالتجويع ، قوات الدعم السريع و حصار الفاشر .
مزمل الغالي/المحامي و المدافع عن حقوق الإنسان
تعد جريمة الإبادة الجماعية من الجرائم الفظيعة والخطيرة التي أقرها القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، لذا تُعد من الجرائم الدولية التي يجب التصدي لها في وقت السلم والحرب، نظرًا لخطورتها. ولهذا، أصدرت الأمم المتحدة اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية عام 1948، وتُعد من أوائل الاتفاقيات الدولية التي صدرت بعد نشأة الأمم المتحدة عام 1945. وقد نصت ديباجة الاتفاقية على ما يلي: "إذ ترى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة، بقرارها 96 (د – 1) المؤرخ في 11 كانون الأول / ديسمبر 1946، قد أعلنت أن الإبادة الجماعية جريمة بمقتضى القانون الدولي، تتعارض مع روح الأمم المتحدة وأهدافها ويدينها العالم المتمدن. وإذ تعترف بأن الإبادة الجماعية قد ألحقت، في جميع عصور التاريخ، خسائر جسيمة بالإنسانية، وإيماناً منها بأن تحرير البشرية من مثل هذه الآفة البغيضة يتطلب التعاون الدولي".
عرفت الاتفاقية الإبادة الجماعية وحددت لها أشكالاً معينة في المادة الثانية على أنها: "في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه: (أ) قتل أعضاء من الجماعة. (ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة. (ج) إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً. (د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة. (هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى."
فرضت تلك الاتفاقية عقوبات صارمة على مرتكبي جريمة الإبادة، ولم تقف عند منفذي الجريمة فحسب، بل نصت المادة الثالثة من الاتفاقية على أن التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية، والتحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية، وكذلك محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية، وأيضًا الاشتراك في الإبادة الجماعية، جميعها أفعال تستوجب العقاب الصارم.
لم يكتفِ المجتمع الدولي باتفاقية الإبادة الجماعية التي وُقّعت عام 1948، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك من أجل مناهضة هذه الجريمة الشنيعة ومنع إفلات مرتكبيها من العقاب، حيث أُدرجت جريمة الإبادة الجماعية ضمن الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية، واعتُبرت من الجرائم الفظيعة التي يجب محاسبة المسؤولين عنها وعدم إفلاتهم من العقاب، وذلك بموجب المادة السادسة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
منذ مايو 2024، فرضت قوات الدعم السريع حصارًا محكمًا على مدينة الفاشر غربي السودان، وهي المدينة التي تأوي أكثر من مليون شخص، فضلاً عن معسكرات نازحين يُقدّر عددهم بأكثر من نصف مليون نازح. ولم تقتصر قوات الدعم السريع على الحصار فحسب، بل صاحب الحصار قصف مدفعي للمدنيين، ما نجم عنه مقتل المئات من المدنيين، حسب تقديرات المنظمات الإنسانية التي تعمل في مجال الرصد والتوثيق، وكذلك تدمير البنية التحتية لمنازل المدنيين والمرافق العامة، مع الاستهداف المباشر والممنهج لمعظم المستشفيات بالمدينة، مما فاقم الوضع الصحي، وتسبب في موت العشرات من المدنيين نتيجة قصف وتدمير قوات الدعم السريع للمستشفيات وخروجها من الخدمة. ومع امتداد فترة الحصار التي تقترب من عامها الأول، من مايو 2024 إلى أبريل 2025، استُنفدت المواد الغذائية والأدوية وكل مستلزمات وضرورات الحياة بالمدينة. ومع الغياب التام للمستشفيات، أصبح الوضع الإنساني في مدينة الفاشر كارثيًا لا يُوصف، حيث أصبح الموت سيد الموقف. يعيش سكان الفاشر الآن في حالة جوع تام، وأصبحت الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة يموتون بوتيرة متصاعدة نتيجة الحصار وانعدام الغذاء والدواء.
إن الفقرتين الأولى والثانية من المادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة، والمادة السادسة من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، قد نُفذت فعليًا من قبل قوات الدعم السريع، من خلال القصف المدفعي المكثف للمدنيين العزّل في مدينة الفاشر، بقصد إهلاك قوميات وإثنيات بعينها، ما أدى إلى مقتل المئات من المواطنين وإصابة آخرين، بشهادة منظمات محلية ودولية. ولم تتوقف قوات الدعم السريع عند الطريقتين المنصوص عليهما في اتفاقية الإبادة، أي قتل أعضاء من الجماعة وإلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بهم، بل لجأت إلى أسلوب آخر أشد فتكًا وألمًا، وهو استخدام الجوع كسلاح لإهلاك المدنيين، عن طريق فرض حصار محكم على المدينة من كافة النواحي، ومنع جميع أنواع المواد الغذائية والأدوية من الدخول، بل وأصدرت نشرات وقرارات صارمة تمنع دخول أي من المحاصيل والمواد الغذائية إلى مدينة الفاشر، فضلًا عن حصارها بأعداد كبيرة من المقاتلين. إن هذا النوع من الأساليب أشارت إليه الاتفاقية ونظام روما في الفقرة الثالثة: "إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً". إن النص أعلاه يُفسَّر بأن إحدى الظروف المعيشية التي تؤدي إلى الهلاك والتدمير، سواء كان كليًا أو جزئيًا، هي المجاعة، وحرمان الأشخاص من تلقي العلاج عن طريق المحاصرة أو غيرها من الأساليب غير المشروعة، وهو ما يتطابق تمامًا مع ما قامت به قوات الدعم السريع في مدينة الفاشر من قصف للمستشفيات وخروجها من الخدمة، والحصار المحكم.
إذا نظرنا إلى أركان جريمة الإبادة الجماعية، وأسقطناها على وقائع وأفعال قوات الدعم السريع في مدينة الفاشر، نجد أن جميع أركان الجريمة وفقًا للقانون الدولي تنطبق على هذه الحالة. فمن حيث الركن الشرعي، نجد أن اتفاقية منع الإبادة الجماعية التي أصدرتها الأمم المتحدة عام 1948، وكذلك المادة السادسة من نظام روما، جرّمت تلك الأفعال التي تُصنَّف على أنها إبادة جماعية. أما من ناحية الركن المادي لجريمة الإبادة الجماعية، فقد توصل القضاء الدولي الجنائي إلى تحديد الأفعال التي تدخل في نطاق إلحاق الأذى الجسدي والروحي بأعضاء الجماعة، وهي التعذيب، والمعاملات اللاإنسانية، والاغتصاب، والعبودية، والتجويع، والنفي، والاضطهاد، ولا سيما القتل، والتي تكون موجهة للجماعات العرقية أو الإثنية أو الدينية. هذه الأشكال من الانتهاكات قامت بها قوات الدعم السريع، خاصة القتل، والتعذيب، والتجويع، والتي نتج عنها هلاك مئات من المدنيين. أما من حيث الركن المعنوي، الذي يتطلب توافر القصد الجنائي، أي اتجاه إرادة الفاعل لارتكاب أحد الأفعال المكونة للسلوك الإجرامي مع علمه بأن هذا الفعل محظور وقد يؤدي إلى نتيجة الإبادة الجماعية، فنجد أن قوات الدعم السريع كانت تعلم علم اليقين، وكان جنود وقادة هذه القوات يصرّحون عبر وسائل الإعلام بتدمير مدينة الفاشر وإهلاك كل من فيها، لذا نستطيع القول إنها جريمة مكتملة الأركان.
ولخطورة الوضع في مدينة الفاشر وما آل إليه من حصار مستمر وقصف عشوائي متواصل للمدنيين، تبنّى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 13 يونيو 2024 القرار رقم 2736، الذي طالب فيه قوات الدعم السريع بإنهاء حصارها لمدينة الفاشر، ودعا إلى وقف فوري للأعمال العدائية في المنطقة. وقد حظي هذا القرار بتأييد 14 عضوًا، مع امتناع روسيا عن التصويت. لم تستجب قوات الدعم السريع، بل زادت من تشديد الحصار واستمرت في الأعمال العدائية، مما يجعل هذا القرار دليلًا واضحًا على أن قوات الدعم السريع قد ارتكبت أعمالًا عدائية تصنَّف ضمن الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية، مما يتطلب المساءلة والمحاسبة.
والسلام.
On Fri, 6 Dec 2024, 11:14 pm Mozamil Algali, wrote:
إنتهاكات قوات الدعم السريع للقانون الدولي الإنساني (الفاشر تنزف)
مزمل الغالي/ المحامي و المدافع عن حقوق الإنسان
إن القرار الذي أصدره مجلس الأمن الدولي بتاريخ 13 يونيو لعام 2024 تحت رقم 2736، والذي دعا فيه قوات الدعم السريع إلى رفع الحصار عن مدينة الفاشر والسماح للمساعدات الإنسانية بالمرور والدخول إلى المدينة، وحثها على عدم قصف المدنيين داخلها، لم يؤدِ إلى نتائج تُذكر. استمر صراخ المدنيين داخل مدينة الفاشر لشهور بعد أن حاصرت قوات الدعم السريع المدينة منذ شهر مايو، بفرض حصار محكم خنق المدينة بالكامل مع قصفها بمدافع ثقيلة بشكل شبه يومي.
من المعلوم أن مدينة الفاشر تُعد العاصمة الوحيدة لإحدى ولايات دارفور التي لم تسقط في يد قوات الدعم السريع، بعد أن سقطت عواصم الولايات الأخرى مدينة نيالا، عاصمة جنوب دارفور، في أكتوبر 2023، ومدينة الجنينة، عاصمة غرب دارفور، في نوفمبر من العام نفسه، ومدينة زالنجي، عاصمة ولاية وسط دارفور، في نهاية أكتوبر، ومدينة الضعين، عاصمة شرق دارفور، في 21 نوفمبر 2023. أصبحت الفاشر مكتظة بالمدنيين، إذ تجاوز عدد سكانها، حسب التقديرات، المليون ونصف المليون نسمة، نتيجة نزوح سكان من مناطق مختلفة، خاصة المدن التي تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع. بالإضافة إلى ذلك، تحتضن المدينة أكبر معسكرات لإيواء النازحين، مثل معسكرات زمزم، ونفاشا، والسلام.
بسبب هذا الدور الإنساني الذي تلعبه مدينة الفاشر في إيواء المدنيين، حذرت عدة جهات قوات الدعم السريع من مهاجمة المدينة. ولكن، للأسف، لم تستجب قوات الدعم السريع لتلك النداءات المتكررة، بل تجاوزت كل قوانين القتال وأعرافه، وارتكبت جرائم جسيمة ضد المدنيين في الفاشر، حسب تصنيف القانون الدولي الإنساني، بما يشمل اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، واتفاقية لاهاي بشأن حماية الممتلكات الثقافية، والمحكمة الجنائية الدولية، واتفاقية مناهضة التعذيب، وغيرها من الاتفاقيات التي تختص بحماية المدنيين أثناء النزاعات.
استخدمت قوات الدعم السريع أسلوب الحصار المشدد على المدينة، وهو ما يُعد انتهاكًا للمادة 54 (1) من البروتوكول الإضافي الأول التي تحظر استخدام التجويع كأسلوب حرب، وكذلك المادة 14 من البروتوكول الثاني التي تنص على حماية الأشياء الضرورية لبقاء السكان المدنيين. ولم يتوقف الأمر عند الحصار، بل شمل أيضًا استهداف المرافق الإنسانية والطبية، مما أدى إلى تعطل الخدمات الطبية في المدينة ووفاة العديد من المدنيين، خاصة كبار السن، والأطفال، والنساء الحوامل، وأصحاب الأمراض المزمنة. استهدفت قوات الدعم السريع مستشفيات الفاشر بالقصف والنهب والتدمير، إذ قُصفت مستشفى السعودي ومستشفى الأطفال، وتم اقتحام مستشفى الفاشر الجنوبي ونهبه. هذه الانتهاكات تخالف المادة 18 (2) من البروتوكول الثاني التي تضمن وصول المساعدات الإنسانية، والمادة 11 من البروتوكول الأول التي تحمي المنشآت الطبية.
كما أن قوات الدعم السريع لم تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية ولم تراعِ مبدأ التناسب في استخدام القوة، ما يُعد انتهاكًا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، خاصة المادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول التي تنص على التمييز بين المدنيين والمقاتلين، والمادة 51 (5) (ب) التي تحظر الهجمات العشوائية التي تسبب خسائر مفرطة بين المدنيين. تعمدت قوات الدعم السريع قصف مدينة الفاشر دون تمييز بين المدنيين والعسكريين، مما أدى إلى مقتل المئات من المدنيين العزل، في انتهاك صارخ للمادة 51 (4) من البروتوكول الإضافي الأول التي تحظر الهجمات العشوائية، والمادة 13 من البروتوكول الثاني التي تحمي السكان المدنيين من أن يكونوا هدفًا للهجمات.
لم تلتزم قوات الدعم السريع بقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، حيث تجاهلت دعوات مجلس الأمن لوقف إطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. كما امتنعت عن الالتزام بمبادئ احترام القانون الإنساني الدولي، وهو ما يُعد انتهاكًا صريحًا للقرار 2286 (2016) بشأن حماية المنشآت الصحية، بالإضافة إلى عدم الامتثال للقرار رقم 1556 الصادر في عام 2004، والذي تم تجديده في 12 سبتمبر 2024، والمتعلق بحظر السلاح في دارفور.
منذ بداية الهجوم والحصار الفعلي لمدينة الفاشر في منتصف مايو 2024، استمرت قوات الدعم السريع في القصف العشوائي على المدنيين والمباني والأعيان الثقافية. كما تعرض معسكر نفاشا، الذي يأوي آلاف النازحين، لتدمير كبير أسفر عن مقتل العشرات، حسب تقارير منظمات الرصد والتوثيق والمنصات الإعلامية.
في مطلع ديسمبر 2024، يومي 2 و3، ارتكبت قوات الدعم السريع انتهاكات جسيمة تُعد من أخطر أنواع الجرائم وفقًا لنظام روما الأساسي. إذ قُصف معسكر زمزم، الذي يأوي آلاف النازحين من دارفور ومدن سودانية أخرى مثل الفاشر ونيالا والخرطوم، مما أسفر عن مقتل وإصابة 21 شخصًا.
هذه الأفعال تُعد جرائم إبادة جماعية بموجب المادة 6 من نظام روما، وجرائم ضد الإنسانية بموجب المادة 7، وجرائم حرب بموجب المادة 8، حيث استهدفت هذه الانتهاكات المدنيين بشكل منهجي.
لذا، أُناشد قوات الدعم السريع الالتزام بالقانون الدولي الإنساني واحترام قواعد القتال والامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولي، خاصة القرار 2736 برفع الحصار عن مدينة الفاشر، والقرار 1556 الخاص بحظر السلاح في دارفور. كما أدعو لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان إلى إصدار توصية عاجلة لمجلس الأمن الدولي بحماية المدنيين وإنقاذ حياة أكثر من مليون مواطن محاصر في مدينة الفاشر، وفقًا للآليات الدولية الخاصة بحماية المدنيين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة