لماذا رفض طرفي الصراع مبادرات أساتذة الجامعات لوقف الحرب؟! *بقلم: / [email protected] بلد تتحكم فيه الخرافات، هأنتم تؤمنون بخرافة التصنيع، خرافة التأميم، خرافة الوحدة العربية، خرافة الوحدة الإفريقية، إنّكم كالأطفال تؤمنون أنّ في جوف الأرض كنزاً ستحصلون عليه بمعجزة، وستحلّون جميع مشاكلكم، وتقيّمون فردوساً، أوهام وأحلام يقظة... الطيب صالح/ موسم الهجرة إلى الشمال "العلم ما نفع": الغاية القصوى للعلم هو النفع، أيّ أن يخدم قيم الحق والخير والجمال والعمل الصالح، ولا ينبغي أن يكون للهيمنة والاستكبار والافساد؛ أيّ إيمانٌ وعملٌ صالح. وقد أمر رب العباد رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يقل ربّ زدني علماً، قال تعالى في سورة طه ﴿فتعالى الله الملك الحق؛ ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيُهُ، وقل ربّ زدني علماً﴿114﴾ وقد كان يسأل ربه بعد كل صلاة صبح: (اللهم إنّي أسألُكَ علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وعملًا مُتَقَبَّلًا)، وفي ذات الحين استعاذ من علم لا ينفع. دعوته صلى الله عليه وسلم (اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من قلْبٍ لا يخشعُ، ومن دعاءٍ لا يُسْمَعُ، ومن نفْسٍ لا تشبعُ ، ومن علْمٍ لا ينفعُ). محافل الأبالسة: إنّ تقدم الأمم وتحضرها قديماً وحديثاً، مرتبط بالعلم النافع ارتباطاً وثيقاً، كما أنّ تخلفها وانحطاطها ارتبط بالجهل ارتباطاً وطيداً. والعالم الذي لا يعمل بعلمة، ويحط بمجتمعه هو في مقام الجاهل الضّال. قال جل جلاله في سورة الجاثية ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴿23﴾. أي أنه ضال على علم. يقول صموئيل سمايلتر في كتابه سرّ النجاح ترجمة يعقوب صروف: (العلم إذا لم يصاحب بالحكمة قوّى الأشرار على الشر، بل قد يزيد شره حتى تصير محافله مثل محافل الأبالسة...) وما أشبه الوصف بالحال التي تعيشه بلادنا. القدوة الحسنة: إنّ التهذيب وتحسين سلوك المجتمع لا يقوم بإملاء العقل من أفكار الآخرين، بل بتوسيع المعرفة الشخصية والاقدام على اتمام واجبات الحياة؛ أيّ وعي وقدوة حسنة (علم وعمل صالح). فقدوة المجتهدين واعمال الحكمة أكبر وأقوى تأثيراً من العلوم -وفوق كل علم عليم- بل الإنسان يصير مكتملاً بالعمل أكثر مما بالعلم. وأفضل المعلمين من ينهض همة المتعلم، ويقوي عزيمته. ولا يوجد أكثر ما يعيق التقدم والتطور من فتور الهمة، وضعف العزم، وقلة الحزم. انهاض الهمم: فالغيرة لصلاح واصلاح حال بلادنا يجب ألّا تركز على اصلاح السياسات والقوانين، بل يجب أن تبذل في انهاض همم أهله، كي يصلحون شأنهم بيدهم بدءاً. فالذي عايشناه في سنتي الحرب ورأيته بعيني رأسي، وسمعته بأذنيّ، ليس بالسهل معالجته بتشريع أو قرار سياسي، فهو في حاجة إلى اعادة صياغة الإنسان نفسه، وفق أهداف وبرامج متراضى عليها. فقد لا يضر الاستبداد كثيراً، إذا كان أيّ فرد من أفراد المجتمع واعياً ومستقلاً بنفسه؛ ولكن كل شيء يحطم استقلال الشخص مضر وهو استبداد. وهذا هو دور المؤسسات التعليمية يجب أن تقوم به، على الوجه الأكمل، وتبدأ بنفسها بأن تكون مؤسسات مستقلة. ولكن السؤال أين هي من هذا؟ّ اصلاح ما أفسدته السياسة: لم تكن مؤسساتنا التعليمية بمنأي عن الذي حدث ويحدث!... وعليها أن تبادر وتتقدم وتقوم بدور التصحيح، واصلاح ما أفسدته السياسة، ودمرته الحرب، بعد هذه التجارب المرّة التي تجرّعها الشعب السوداني. وضاع جيل من هم في سن التعليم من غير ذنب جنوه. فالمجال ليس مجالاً للمحاسبة والمحاكمة بل هو للمناصحة والتواصي بالخير، لاخراج بلادنا من الهوة. والتي تتطلب المراجعة من منظور شامل متكامل من غير مجاملة مع ابعاد فقه التحشيد الانفعالي. وتلاعب بها الساسة: أمست مؤسساتنا التعليمية المدرسية على شاكلة الذي ذكرناه عن المؤسسات العسكرية والسياسية تم توظيفها لخدمة فئات مجتمعية محدودة، (إن لم تكن الأس) والشاهد إنّ الذين أسهموا في الذي جرى ويجري من دمار للبلاد هو من بنات الأفكار التي غذتها في هؤلاء وأولئك. ونقصد هنا مؤسسات التعليم النظامي الالزامي، لأنّها سارت بلا استرشاد متين، وتلاعب بها الساسة بتسييسها، وقبضوا منها المال. حيث لم يتجاوز ما ينفق على التعليم من ميزانية البلاد على مدى الحكومات الوطنية نسبة الـ(8.4%)، لبلد ينتج القطن والنفط والذهب، والفضة والنحاس واليورانيوم والكروم، وكثير من المعادن الأخرى القيّمة... تقليب المناهج والسُلّم: وباتت هذه المؤسسات متقلّبة في المناهج، والسلم التعليمي، والزي المدرسى الذي كُرّس ليكون علامة من علامات التجييش والتمليش؛ فنشأ جيلٌ مغذى بالكراهية وحميّة الحرب ثم لم توفر له الدولة الموارد التي تمكنه من مواصلة التعليم، ولا من المصانع والمشاريع الاستثمارية ليعمل فيها، فوظفوهم أمراء الحروب المستمرة، وكان ما هو كائن، أو حدث ما حدث كما قال الفريق الكباشي، ولا يزال!... وعليه يجب البحث عن السبل السالكة لمراجهة مناهج وبرامج التعليم، واعداد جيل الغد ذهنياً وأخلاقياً لفرص متعاظمة، بقدر تعاظم الصعاب وعظمة البلد؛ ولا تترك تواصل في غرس ثقافة المستبدين وقيمهم. رفض مبادرات ايقاف الحرب: وينبغي أن تكون مؤسسات التعليم العالي متمثلة في الجامعات والمعاهد العليا ومراكز البحوث، مستقلة كما تنص قوانينها، وتصبح كمنصة حياد يرجع إليها المتصارعون كالحالة التي تعيشها البلاد اليوم، وإظهار البينة ليرتدعوا عما هم عليه من اعوجاج والخروج عن العدل وعن مسؤولياتهم. فإذا به هي الأخرى رفض منها تدخلها بالمبادرات لايقاف هذه الحرب، لذات السبب؛ وهو إنّها تحوّرت وتماهت كمؤسسات لخدمة ذات المنظومة إيّاها، الأمر الذي أفقدها موقعها الريادي والتوجيهي الأعلى. وماذا فعلت الجامعات؟: إن الجامعات السودانية لم تستطع أن تقف بصلابة لارادتها عندما انفصل جنوب السودان، لتبقي الأساتذة المؤسسين لها يستمرون في جامعاتهم، حينما وجهها السياسيون بفصلهم، ففصلوهم جميعاً، من غير أن تعترض جامعة واحدة على ذلك السلوك، وقوانينها تكفل لها الاستعانة بأيّ أستاذ أيّاً كانت جنسيته. كما إنّها عجزت من انتزاع حقوق منسوبيها من الأساتذة وفق الهيكل الراتبي الخاص، حينما أخرجهم البرلمان من الهيكل الراتبي للدولة واعتمده رئيس الجمهورية حينها، مع القضاة ونواب البرلمان، فنفذت الحكومة التشريع على الأخيرين، ولم ينفذ على أساتذة الجامعات؛ بالتالي فقدت استقلاليتها وحياديتها باتت مؤسسات تابعة للسياسيين، وليس العكس. الموازين مقلوبة: كما غاب دورها وتخلف في استغلال ثروات البلاد، الزراعية والرعوية، والغابية والمعدنية. بمعنى أنّ غالبية المبادرات والعاملين الفاعلين في هذه المجالات هم من عامة الناس، والرأسمالية التقليدية إن جاز تسميتها، وليس الذين تخصصوا في مجالاتهم!... حتى إنتاج الذهب لم يزل أهلياً من الدرجة الأولى. وصارت الموازين مقلوبة، واستعصى معها قبول النصح منها. فهل المشكلة تكمن في المتعلمين أم في المنهج الذي على أساسه تعلموا؟!... وهذا السؤال يجب أن يتم الاجابة علية بدراسات علمية محكمة، والدفع به إلى صناع القرار للعمل بمخرجاته. ويحدونا الأمل في أن تكون هذه المؤسسات مفتاح لوقف هذه الحرب اللعينة، وازاحة ما علق في النفوس المحطمة، واعمار ما دمرته الحرب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة