بقلم/ في لحظة من أكثر لحظات السودان قتامة، ازدحمت ببلادنا العواصف، وضاق بنا صدر الوطن، من أرض السودان وضفاف النيلين، نبعث بتحية وفاء إلى بلاد الحرمين الشريفين، المملكة العربية السعودية، التي لم تتخلّف، ولم تتأخر، بل كانت، كعادتها، أول من لبّى نداء الإنسانية، في زمنٍ غابت فيه الأصوات، وسُدَّت فيه أبواب بعض دول الجوار، ما عدا أبناء النيل بمصر الشقيقة. عامان من الحرب السودانية لم يكونا فقط اختبارًا للعلاقات بين الدول، بل كانا أيضًا مرآةً كاشفة لمواقف الدول والأمم. بينما اختارت بعض العواصم المجاورة الحياد، أو حتى الانكفاء، والتآمر، وقفت المملكة العربية السعودية كصوت أخوي مسؤول، ومركز توازن إقليمي ودولي لا يمكن تجاوزه، سعت منذ اللحظة الأولى لاحتواء الأزمة السودانية، ليس من باب المصلحة، بل من منطلق الواجب، والتاريخ، والأخوة. ليس غريبًا على المملكة هذا الدور، فهي الدولة التي تتمتع بثقل إقليمي ودولي، ضمن مجموعة الدول العشرين الأقوى اقتصاديًا، ومع ذلك لم تجعل من قوتها الاقتصادية مشروع هيمنة، بل جعلته رصيدًا للسلام والخير الإنساني، لا تُفرّق بين السودان ولبنان، واليمن، ولا بين سوريا وأوكرانيا، ولا بين الخليج والقرن الإفريقي. أينما اشتعلت الحرائق، كانت يد المملكة تمتد بالماء، لا بالوقود. من السودان إلى العالم، لعبت المملكة أدوارًا كبيرة في التهدئة والدعم والتقريب، بصمتٍ نبيل لا يبحث عن الكاميرات، ولا يعوّل على التصفيق. ويكفي أن نذكر مبادرة مؤتمر جدة، الذي كان أول منصة دولية لمحاولة إيقاف الحرب في السودان، ثم مواقفها المستمرة في مجلس الأمن الدولي، وجامعة الدول العربية، والمحافل الأممية، دعمًا للشعب السوداني، وآخرها كان في مؤتمر لندن، حيث لم تغب الراية الخضراء عن أي مائدة تبحث عن مخرج للسودان من الدمار والحرب. ولعل أجمل ما يُسجَّل في ذاكرة السودانيين، أن علم المملكة ودولة قطر ارتفعا بأرض النيلين قبل أن تتوقف البنادق وصوت الرصاص، وكأن الرسالة كانت: "عودوا إلى بلادكم، فنحن معكم، ولن نترككم وحدكم". لم يكن ذلك مجاملة دبلوماسية، بل موقف دولة، وروح شعب، حيث استقبلت أرض الحرمين مئات الآلاف من السودانيين الفارّين من جحيم الحرب، واحتضنتهم دون قيد، وشاركوهم لقمة العيش، والتعليم، والدواء، والطمأنينة. ولا ينسى السودانيون أن الشعب السعودي لم يكن مجرد مضيف، بل شريكًا في الألم؛ سأل عنا في أحلك اللحظات، بكى معنا في فواجعنا الأليمة، وفرح لانتصاراتنا، وبقي وفيًا لإخوته في وادي النيل. وإننا اليوم، إذ نكتب هذه الكلمات، فإنما نكتبها نيابة عن ملايين السودانيين في الداخل والخارج، ممن يرون في المملكة العربية السعودية حصنًا للأمة، ومأوى للملهوفين، وشريكًا صادقًا في السلم والبناء. ونُدرك تمامًا أن مستقبل المملكة سيكون، افضل من حاضرها، مضيئًا بالعقل، مزدهرًا بالحكمة، راسخًا بقيادة رشيدة جعلت من القوّة سبيلًا للتنمية، ومن الثروة وسيلة للخير، لا للترف. نُبارك للشعب السعودي قيادته، ونُحيّي فيه وعيه، وعلمه، وقبوله للآخر، ووقوفه مع المظلومين في كل أصقاع العالم. ونبتهل إلى الله أن يحفظه، ويزيده أمنًا ورفعةً، ليظل كما عهدناه: قلبًا نابضًا للأمة، ويدًا ممدودة لكل من ضاق به وطنه أو جار عليه زمانه.من النيل إلى الحرمين...لا يفوتنا، في هذه اللحظة من الوفاء، أن نثمّن كل يد امتدت إلى السودان، ولو بكلمة صادقة، مصر أخت بلادي، دولة قطر، وكل من وقف بجانبنا. إنّ المرحلة تستوجب تضافر الجهود الإنسانية والسياسية من كل الأشقاء والأصدقاء، لأنّ ما يمر به السودان ليس أزمة وطن فحسب، بل اختبار لقيم الجوار، والأخاء، والإنسانية. ونأمل أن تكون مواقف المملكة العربية السعودية نموذجًا يُحتذى في زمن التراجع الأخلاقي والسياسي في الإقليم،شكرًا بحجم الوفاء.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة