كل من يقرأ بعقل ووعي تاريخ البشرية يدرك أن إنهيار دولة 1956، نتيجة حتمية، لأنه من المستحيل لدولة قامت على كذبة كبرى وإستمرت عليها منذ 1/1/1956 وحتى اليوم، أن تعيش وتزدهر. على العكس، إستمرت الخديعة والقهر والإستغلال، وهو النهج الذي قامت عليه الدولة السودانية المعطوبة، مما أدى إلى إنفصال الجنوب وتوطين الحروب والفقر والمعاناة في وطن غني من أخمص قدميه حتى رأسه.الخطاب السياسي الطائفي الإنتهازي، الخالي من العقلانية والحكمة وروح التفاني والإحساس بحجم المسؤولية الوطنية الملقاة على جيل مرحلة ما بعد الإستقلال، هو الذي فتح الباب للظاهرة العسكرية البائسة، التي تجلت نتائجها تدريجياً، بدءاً من أول إنقلاب عسكري ضد إرادة الشعب نفذه إبراهيم عبود، وتكرر ذات الخطأ مع جعفر نميري، ثم عمر البشير، وأخيراً عبد الفتاح البرهان. السياق العام لتطور الدولة السودانية يعكس غياب إرادة الشعب بسبب الإنقلابات العسكرية، التي حرمت الشعب من حقه السياسي الطبيعي وحرياته الأساسية، التي من دونها لن يتحقق سلام، ولا إستقرار، ولا تنمية، ولا تقدم. لا يمكن لأي دولة أن تنهض في غياب الديمقراطية والحرية والعدالة الإجتماعية، بجانب وجود نخبة مثقفة، يُطلق عليها في الغرب "الإنتليجنسيا"، تشكل تياراً ثقافياً منفتحاً على روح العصر، بوصلته العقل والضمير.هذا التيار الثقافي العقلاني قادر على الإضطلاع بمهمة التنوير، وتقديم الإجابة عن الأسئلة الملحة، على صعيد الثقافة، والفلسفة، والفكر، والفن، والعلم، الذي يُعتبر القاطرة التي تقود الحضارة المعاصرة. هذه المهمة تتطلب عقولاً نيرة، وليس عقولاً خربة، كما هو الحال مع بعض شيوخ الحكام الطغاة الذين يمارسون التضليل والتجهيل، ويشرعون للحكام الطغاة مصادرة حريات الناس وإنتهاك حقوق الإنسان، مثل عبد الحي يوسف وغيره من رموز الخطاب السلطوي. السودان بحاجة إلى بناء بنية ثقافية متينة تتقبل تنوعه وتعدده، وتستطيع تقديم أجوبة علمية مواكبة لروح العصر، قادرة على تفكيك الخطاب الظلامي الذي كرس الجهل والتخلف، منذ عهود الإمبراطورية العثمانية، والإستعمار، وفترة ما بعد الإستعمار الأجنبي، التي ساد فيها الخطاب الطائفي، الذي كرس الجهل والفقر والمعاناة.السودان يحتاج إلى خطاب ثقافي جديد، مسنود بآخر ما توصل إليه العلم الحديث، لفضح خطاب الإسلام السياسي الذي عمّق الأزمة الوطنية. كلمة أخيرة، مهمة بناء دولة مدنية ديمقراطية تمثل ضرورة وطنية حتمية للخروج من نفق الإستبداد، والفساد، والظلم، الذي إستمر لأكثر من ستة عقود.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة