قبل ايام كتبت مقال اشرت فيه بان الفرصة الان لصالح الجيش في المفاوضات بعد تحقيق الانتصارات والتقدم في الميدان وارسلت المقال بغرض النشر لعدد من الصحف نشرته صحيفتين وحجبته صحف اخري، وهذا الموقف يذكرني ببعض الصحف قبل الحرب حيث كانت تمتنع عن نشر بعض مقالاتي التي اصف فيها الدعم السريع "بالمليشيا" وكل الصحف التي كانت تحجب مقالاتي بسبب كلمة "مليشيا" اصبحت اليوم تنشر هذا المصطلح بالخط العريض، واليوم دعوت لاختصار طريق الحرب بالتفاوض لان الجيش في موقف متقدم حتي يستطيع السودان ان يخرس ويلجم المجتمع الدولي الكاذب الظالم الذي يساوي بين المعتدي والضحية وان تتقدم الحكومة خطوة وتسبق الظالمين حتي تحفظ دماء وارواح المواطنين السودانيين الابرياء من لظى وسعير هذه الحرب، وحتما في اخر المطاف سوف تحل هذه الحرب عبر الحوار السياسي وحتي ذلك الحين سوف اكون متعجبا من تلك الصحف التي ربما تخرج علينا مسقبلا بعناوين عريضة ومقالات عديده حول تأييدهم للمفواضات وانهاء الحرب، وحتما هذا التحول لن يحدث الا بعد موافقة احزبها او صانعي فكرها ومحتواها وايدلوجيتها، سوف نظل نعاني كثيرا من هذا الاعلام" المؤدلج" الذي تسبب في فقدان الاعلام بوصلته في السودان، فإن مصطلح "الإعلام المتماهي والمؤدلج" يشير إلى هذا النوع من الإعلام الذي يفقد حياده المهني ويتماهى مع جهة سياسية أو أيديولوجية معينة، مما يجعله أداة للدعاية بدل أن يكون وسيلة لنقل الحقيقة، في السياق السوداني، هذا النوع من الإعلام لعب وما يزال يلعب دوراً مهماً في تشكيل الرأي العام والتأثير على مسار الأحداث السياسية والاجتماعية حيث ان الإعلام المتماهي في السودان وعلي راسه الإعلام الرسمي غالباً ما يتماهى مع السلطة الحاكمة، سواء في عهد الأنظمة العسكرية أو المدنية، ويُستخدم لتبرير السياسات الحكومية وتضليل الرأي العام في كثير من الاحيان، وكذلك نجد وسائل الإعلام الحزبية تتماهى مع برامج أحزابها وتفتقر إلى النقد الذاتي أو التوازن في تغطية الأحداث، وايضا وجدنا ذلك من خلال الإعلام الانتقالي بعد" الثورة"التي قامت في العام 2019 ورغم الانفتاح النسبي، إلا أن بعض المنصات الإعلامية اتخذت مواقف متحيزة، إما دعماً للمكون المدني أو العسكري، اما اخطر انواع هذا الاعلام هو الإعلام المؤدلج ومن امثلته الإعلام الإسلامي او مايعرف محليا باسم "اعلام الكيزان" خلال فترة حكم الإنقاذ (1989–2019)، كان الإعلام السوداني مؤدلجاً بشكل واضح بخطاب إسلاموي، يروج لمشروع "التمكين" ويقمع الأصوات المخالفة، وتسبب في تعميق ازمة دارفور التي انتجت خلال حكم الانقاذ مايعرف "بالجنجويد وتحول لاحقا الي مايعرف رسميا في الدولة باسم" قوات الدعم السريع " وايضا نجد من الاعلام المؤدلج الإعلام اليساري أو الليبرالي فنجد بعد" الثورة"، برزت أصوات إعلامية تتبنى خطاباً أيديولوجياً مضاداً، مما خلق حالة من الاستقطاب الحاد، والمحصلة والآثار المترتبة كلها تصب في خانة تضليل الرأي العام وتغييبه عن الحقائق، اضافة الي إضعاف المهنية الإعلامية لصالح أجندات سياسية وحزبية وكل هذا قاد الاعلام في السودان الي مايمكن ان اصفه بإنتاج خطاب كراهية واستقطاب مجتمعي مما جعل فقدان الثقة في وسائل الإعلام هي الصفة التي يختذلها الناس في قولهم (كلام جرائد) في هذا الظرف العصيب الذي يمر به وطننا السودان نحو البناء والتعمر وجهود الاعمار المكلفة اعتقد انا اكبر مشكلة تواجهنا ومازالت قائمة هي الاعلام حيث يعتبر احدي التحديات الحالية والمستقبلية السودان بحاجة إلى إعلام وطني مستقل، يعلي من قيم المهنية والحياد، ويُسهم في بناء الوعي، خصوصاً في ظل النزاعات والحروب التي تمر بها البلاد، حيث تزداد الحاجة إلى إعلام مسؤول وشفاف وبكل تاكيد إن إصلاح المشهد الإعلامي السوداني لن يتحقق إلا عبر مراجعة جذرية للبنية الإعلامية، وتشريعات تضمن حرية التعبير، وتحصّن المؤسسات الإعلامية من الاستغلال السياسي والأيديولوجي القبيح الذي ظل جاسما علي صدر الاعلام منذ عقود طويلة. ومضة اخيرة الي عراب الاعلام البروف علي شمو مازال يقع علي عاتقك الكثير بوصفك "عراب " الاعلام السوداني فإن طلابك في مدارس الاعلام المختلفة يجب ان يقودوا سفينة الاعلام الي ساحل الخبر والحقيقة والمسؤلية والحيادية حتي يُملِكوم الحقيقة والمعلومة للمشاهد والمستمع والقارئ لابد من الخروج بالاعلام من لجج بحر الظلمات الحالك السواد معنويا وحسيا ومعرفيا الي افاق الضياء الساطع اللامع، وبالتاكيد ان الكفاءات والكوادر الاعلامية السودانية لا تحتاج الي اشارة ولكننا بحاجة الي مؤسسة اعلامية حقيقية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة