مقدمة : انطلقت حركة/جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد أحمد النور في عام 2002 ، وهي تحمل لواء إنهاء التهميش الاجتماعي والثقافي، وتبشر بتحقيق العدالة، وترسيخ الديمقراطية، وإقامة دولة علمانية في السودان، عبر مسار سياسي وعسكري متكامل. ومع مرور أكثر من عشرين عامًا على تأسيسها، تراجعت الحركة دون أن تلامس أياً من أهدافها الطموحة، رغم توفر العديد من مقومات التأثير والضغط على المستويين المحلي والدولي. هذا التقرير يضع المجهر على أبرز الأسباب التي أودت بمشروع عبد الواحد إلى حافة الانهيار.
عوامل القوة غير المستغلة :
امتلكت الحركة أدوات ضغط فاعلة ، كان يمكن أن تُحدث فرقًا حاسمًا، منها :
قرارات مجلس الأمن الدولي التي أدانت النظام الحاكم في الخرطوم .
الوضع الإنساني الكارثي الذي يعيشه ملايين النازحين واللاجئين ، الذين شكّلوا عمقًا اجتماعيًا وسياسيًا لصالح الحركة .
مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رموز النظام ، وعلى رأسهم الرئيس المخلوع عمر البشير .
العقوبات الدولية المفروضة على نظام الخرطوم بسبب دعمه للإرهاب .
لكن رغم ذلك ، عجزت الحركة عن استثمار هذه الأدوات ، وظلت عاجزة عن ترجمتها إلى مكاسب سياسية ملموسة .
أسباب الإخفاق :
أولًا : الانقسامات الداخلية منذ بداياتها ، عانت الحركة من انقسامات حادة أضعفت بنيتها من الداخل. بدأت بانشقاق الأمين العام مني أركو مناوي عقب مؤتمر "حسكنيتة"، وتوالت بعدها الانشقاقات ، بدءًا بأحمد عبد الشافي، ثم مجموعة "السبعة عشر" بقيادة خميس أبكر، لتتجاوز الانقسامات الثلاثين، الأمر الذي مزّق الجسم السياسي والعسكري للحركة . كثير من المنشقين التحقوا لاحقًا بالحكومة ، مما تسبب في أضرار جسيمة ، خاصة على صعيد تسريب المعلومات العسكرية .
ثانيًا : العزلة عن المجتمع الدولي أصرّت قيادة الحركة على رفض الدخول في أي مفاوضات سلام ، ما أدى تدريجيًا إلى تآكل الدعم الدولي وتراجع التعاطف الإقليمي، الأمر الذي أفقدها حلفاءها الطبيعيين ، وأضعف قدرتها على إيصال صوتها إلى المنابر العالمية .
ثالثًا : استراتيجيات الدولة المضادة : اتبعت الحكومة السودانية أساليب مدروسة لإضعاف الحركة، أبرزها :
1/ تطبيق سياسة "فرّق تسد"، عبر استمالة بعض القبائل وتسليحها لمواجهة التمرد .
2/ فرض تعتيم إعلامي داخلي على أنشطة الحركة .
3/ كسب ولاء وجهاء المجتمع ، خصوصًا من قبيلة الفور ، وتحفيزهم للوقوف إلى جانب السلطة .
رابعًا : ضعف القيادة وتفردها بالقرار هيمنة عبد الواحد نور على مفاصل القرار السياسي والعسكري أسهمت في إقصاء الكفاءات الداخلية وتعطيل العمل المؤسساتي . وأشارت غالبية بيانات الانشقاق إلى هذه النقطة تحديدًا، مع وجود شكاوى مستمرة من غياب الشفافية المالية ، وركاكة البنية المؤسسية التي لم تتجاوز الطابع الشكلي .
خامسًا : تجاوزات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة تورّط بعض القادة الميدانيين في انتهاكات جسيمة ضد المدنيين ، شملت تنفيذ تصفيات خارج نطاق القانون ، وفرض إتاوات مالية، ما أدى إلى تقويض الثقة بين الحركة وقاعدتها الشعبية .
سادسًا : جمود الخطاب السياسي لم تبذل الحركة جهدًا يذكر في تحديث خطابها السياسي ليتماشى مع التحولات الإقليمية والدولية ، الأمر الذي أفقدها جاذبيتها ، وأضعف قدرتها على كسب مؤيدين جدد ، أو التأثير في الرأي العام داخل السودان وخارجه .
إن مجمل هذه العوامل تشير بوضوح إلى أن فشل حركة/جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور لا يعود إلى نقص في الأدوات أو ضعف في التأييد، بل إلى قصور إداري ، وغياب الرؤية، وانغلاق سياسي حال دون ترجمة شعارات التأسيس إلى واقع ملموس . وإن أي محاولة لإعادة بناء المشروع لا بد أن تبدأ من مراجعة هذه الأخطاء البنيوية والاعتراف بها .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة