في قلب أرض عريقة، حيث ينساب نهر الحياة حاملاً أسرار الماضي، وبين جدران صرح شامخ يحكي قصصًا من زمن بعيد، كان يختبئ مقهى صغير، أشبه بحلم هادئ، يُعرف باسم "تكة ". في ركن قصيّ منه، محجوب بستائر من قصب البامبو الملون وخيوط الجوت المتداخلة، كانت تتراكم رسائل حب وشوق، كأنها أوراق خريف تتساقط على ضفاف نهر حالم.
كانت تلك الطاولة، التي احتضنت ذات يوم لقاءً عابرًا ترك أثرًا أبديًا في الوجدان، تشهد الآن على فيض من الكلمات الملونة، تصعد في تلة شاعرية، مدرجة بعناية، تحمل بين طياتها اسم غائب يسكن الروح ولا يبرح الخيال. كانت المظاريف بألوان قوس قزح، كأنها شظايا من ضوء الشمس الذهبي، ترسم على سطح الخشب لوحة لانهائية من المشاعر المتدفقة، سيمفونية بصرية تعزف لحن الانتظار.جيل بعد جيل، توارى صاحب المقهى خلف هذا الركن الساحر، يحافظ على قدسيته كما يحافظ الحارس على جوهرة ثمينة. تحول المكان إلى أسطورة حية، يضاف إلى فصولها كل يوم ورقة جديدة، شاهدة على إخلاص عظيم لروح تائهة في جهات الدنيا الأربع.في صبيحة يوم أغرقه المطر في قطرات ناعمة، استيقظ صاحب المقهى، من سلالة العاشق الأول، على مشهد خلاب. في قلب الركن، انبثقت بركة مياه بألوان زاهية، كأنها نبع سحري تفجر من أعماق الأرض. طفت الأوراق الملونة على سطح الماء، تشكل فسيفساء بديعة، تذكر بجمال مجرى مائي بعيد أو مستنقع هادئ في أرض الأحلام فى النيل الابيض او المسيسبي.يومًا بعد يوم، ازدادت حكاية الركن سحرًا وجاذبية. تحول إلى مزار للعرائس الحالمات، اللواتي رأين فيه رمزًا لجلب السعادة والخصوبة ودوام الوصال. بدأت الأوراق الملونة تنهال منهن أيضًا، لتنضم إلى تلك التلة الشاهدة، وتطفو على سطح النبع المتلألئ، كأنه مرآة تعكس آمال القلوب.أخذ صاحب المقهى، جيلاً بعد جيل، يوسع في هذا الركن المقدس، يضيف إليه لمسات من الجمال والروحانية. وإلى جانب الاسم القديم، "مقهى تكة"، أضاف اسم "توتيل"، تيمُّنًا بتلك المياه الفريدة التي أصبحت علامة مميزة للمقهى، وكأنها دموع الشوق المتجمعة، أو ندى الصباح الذي يروي ظمأ الروح.هكذا، تحول "مقهى تكة توتيل" إلى معبد للحب الصامت، قصة عشق أبدية تُروى بألوان الرسائل وهمسات الرياح، في انتظار عودة الغائب، أو ربما، في احتضان ذكرى هل تعود!!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة