غباء طبيعى ،،،، يا له من مؤرخ كسول عجيب الأطوار! أشبه بنقّال حطبٍ يتلمّس في العتمة عودًا يابسًا ليشعل به نارًا، لا يبالي أمن غابة سنديانٍ اقتلع العود أم من حزمة قشٍّ هشٍّ انتزعه. يعتمد في تدويناته على همسات العابرين، وشذرات الأقاويل، وقليلٍ مما تقع عليه أذنه الكليلة، ويكثر من التساؤلات التي لا تقوده إلى الحقائق الراسخة، بل إلى تأويلاتٍ واهية. هذا المؤرخ العجول يجد نفسه منخرطًا بعمقٍ في سرد حكايات الانقلابات، وكأنه يرى فيها ضرورة حتمية، أو ربما ضربًا من ضروب الذكاء الفطري الخارق. لا يفرّق بين انقلابٍ ينبت من رحم أقصى اليمين المتطرف، وآخر يزهر في تربة أقصى اليسار المتطرف؛ فكلاهما في نظره ثورةٌ للتغيير، بغض النظر عن جذورها الفاسدة أو ثمارها المرّة. أما عرّاب تلك الانقلابات، فهو شخصيةٌ عبثية تثير السخرية بقدر ما تبعث على الأسى. يسعى هذا "الزعيم" الموهوم إلى إشعال الحرائق في أقاليم جديدة، يخلق حركاتٍ يسميها "متمردة" بنفس اللهجة التي نادى بها من قبلُ تلك الفئة التي سعت إلى تمزيق وحدة البلاد في الجنوب. يبدو أنه مدفوعٌ بحاجةٍ ماسة إلى نصرٍ زائف، حتى لو كان الثمن إراقة الدماء وزعزعة الاستقرار. لكن النهاية غالبًا ما تكون مأساوية لهذا العرّاب؛ فإما أن يلقى حتفه على المقصلة جزاءً لجرائمه، وإما أن يهذي في عالم البرزخ، تلاحقه أشباح الهزيمة وصور الدمار الذي تسبب فيه. لا يعترف بخطئه، ولا يستغفر عن فعلته، بل يترك وراءه إرثًا ثقيلاً من الويلات يدوم أثره إلى يوم القيامة، يحمل وزرها ووزر كل من اقتدى به وعمل بإيعازه. أما الانقلابي الذي يتبعه، ففكره قاصر وتآمريٌّ بطبعه. لا يحسب الحسابات إلا بمنطق السرقة والاغتنام. يتوّج اللصوص على قمة السلطة، وينتظر بغباءٍ فطريٍّ أن يتنازل له هؤلاء عن جزءٍ من المسروقات. هذا الغباء يقوده حتمًا إلى الدخول في صراعٍ معهم، حربٍ تجر البلاد إلى أتون مليشياتٍ متناحرة، وتنتهي بدمارٍ شامل. وفي خضم هذه الفوضى، يتقمّص الجنرال الطامع روح العرّاب، ويسعى بدوره إلى السلطة، وهكذا تدور الدائرة المفرغة من العنف والفوضى. والمؤرخ الكسول؟ ما زال يغرق أقلامه في محابر الوهم، يريق حبره في تمجيد "ثورة" العرّاب الانقلابية التي أودت به إلى المصير المشؤوم، أو التي جعلته يصرخ ندمًا في عالم الأموات، مستغفرًا عن جرائمه التي لا تُغتفر، تاركًا وراءه آثارًا وخيمة تدين فعله إلى أبد الآبدين. فله وزرها ووزر من عمل بها، وسيظل التاريخ يذكره كشاهد زورٍ على حقبةٍ مظلمة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة