المسألة لن تكون سهلة على أصحاب الرغبة الأفلاطونية القديمة، أي الرغبة في الإبداع الفني، حيث تندس داخلها نوازع مقاومة القصور الإنساني. فما لاحظته على الذكاء الاصطناعي أنه يتفوق بدون شك على البشر من هذه الناحية، خاصة في الرسم والموسيقى. أما الأدب فإن مشوار الذكاء الاصطناعي فيه طويل قليلاً، والسبب في ذلك أن الكتابة ليست مجرد تناصات، بل بناءات مجازية، والأهم من ذلك هو أن اللغة نفسها قاصرة، وقصور اللغة هو ما يحمي الأدب من غزو الذكاء الاصطناعي، لكن لفترة مؤقتة. أما الرسامون والنحاتون والموسيقيون فقريباً سيلقون بأدوات عملهم في القمامة، ليتفرغوا لأعمال أكثر أهمية. وإذا ما حدث تكامل مع الأقل قدرات فيزيائية من البشر ولكنهم أخصب خيالاً، مع قدرات الذكاء الاصطناعي؛ فإن النتائج ستكون باهرة. ففي مجال الرسم، يمكن لصاحب الخيال الخصب والذي لا يمتلك قدرة عليه، يمكنه أن يكتب خياله ويطلب من المقاول (الذكاء الاصطناعي) تنفيذه، وسوف يقوم هذا الأخير في أقل من عشر ثوانٍ بإحداث فرقعة في عقل صاحب العمل من النتيجة التي لم يكن يتوقعها. وذات الأمر على مستوى الموسيقى، فنحن (كبداية) في عصر (الهمهميين)، والهمهميون هم أولئك الذين لديهم خيالاً موسيقياً خصباً دون امتلاك القدرة على العزف ولكنهم يهمهمون دوماً بما يعتبرونه جملاً موسيقية. لقد أُنجزت لهم أدوات لتحويل همهماتهم إلى موسيقى حقيقية، وهكذا فإن هؤلاء سينتجون آلافاً من المقطوعات الموسيقية التي ربما تتجاوز قوة همهمات موتسارت وبيتهوفن وبرامز وغيرهم عما قريب. الخطورة في المسألة هو ذلك الشعور الذي يظل ينتاب من يستخدم الذكاء الاصطناعي بأن العمل ليس عمله، وهذا ما يكبح اللجوء إليه في الوقت الحالي، ولكن عندما يتسع نطاق المستفيدين من الذكاء الاصطناعي فإن ذلك الشعور سيتبدد تماماً، ويصبح حال الفنانين القدامى شديد البؤس. في كل الأحوال لا يمكن مقاومة ثورة الذكاء الاصطناعي، ومن الأفضل الانجراف معه، حتى يتم تدمير هذا الشيء المزيف الذي يسمونه فناً تماماً، ويلتفت البشر إلى التعامل مع المشكلات الحقيقية للعالم. ... أمل
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة