أُماهُ ،،، شاء الله، والموت حق، أن تترجلي فجأة عن قطار الحياة، دون ان تواصلي معنا مشوار السفر، الذي طالما استمتعنا فيه برفقتك الميمونة، التي لا تُمل ولا تُسأم، وكيف يحلو السفر من بعدك، والمقام، و الكلام، وكيف يحلو السهر، حينما يجتمع الاحبة، والسمار دونك.
أُماهُ ،،، شاء الله، والموت حق، أن تسكت وللأبد، شهرزادك عن الكلام المباح، قبل ان تضعي مسك الختام، لمسلسل اقاصيصك وحكاويك المشوقة و الطاعمة طعم الشهد، سيما في ليالي شتائنا الدافئة بوجودك او في امسيات صيفنا المضيئة بوجهك الصبوح، والمزدانة بحضورك الزاهي الانيق، وابتسامتك الساحرة، وصوتك الندي، المنساب رقةً وعذوبةً وجمالاً، عبر الازمنة، والمسافات البعيدة.
أُماهُ ،،، شاء الله، والموت حق، أن ينفد مداد قلمك السيال، وأن تنطوي صفحات روايتك التي لم تنتهِ سطورها، المفعمة بالتفاؤل، والامل، ولا فصولها التي تعبق بالعطر، والفل، والياسمين.
وشاء الله ان يُسدل الستارُ، على آخر دور متقن لك، على خشبة مسرح حياتك، العامرة بكل ما هو مدهش وجميل.
أُماهُ ،،، هل حقاً قد حزمتِ امتعتك في ليلةٍ مفجعةٍ -كفر النجومَ غمامُها- وشددتِ الرحال الى عالم الخلود الابدي، دون رجعة، وسط ذهولنا وحيرتنا، حيث زادُك بالطبع، محبتنا وود كل من تشرف بلقائك، ومعرفتك، فضلاً عن دعواتنا وتوسلاتنا وابتهالاتنا لله ليل نهار.
وهل قد آثرتِ فعلاً، التوقف عند منتصف الطريق، وقد وعدتينا بمشاوير طويلة مشحونة بالفرح والبشريات والامل. فمن غيرك أُماه، يدلنا ويأخذ بأيدينا التائهة الى الطريق، المفروش بالورود والرياحين، كما عودتينا دائماً، ومن غيرك، يزرع الثقة والثبات في قلوبنا الموحشة برحيلك المر، الذي لا يُحتمل ولا يُطاق. فما اشقانا نحن إذن وما اتعسنا -يا من صورتِ لنا الدنيا كقصيدة شعر-
أُماه ،،، هل حقاً قد تركتينا للمجهول، تتجاذبنا امواج الحسرة والالم، ويعتصر قلوبنا المفجوعة، اجترار شريط ذكراك، الذي لا ينضب ابداً، ولا ينقطع، وهل حقا قد تركتينا صرعى للحزن والالم والضياع كما اليتامى في موائد اللئام .
أُماهُ ،،، حتماً أنك قد انتقلتِ بجسدك الطاهر، الى دار الخلود، ونحسبك في زمرة الصديقين والشهداء، إن شاء الله تعالى. أما روحك العذبة وتفاصيلك، فلم تبارح نفوسنا وقلوبنا وذاكرتنا قيد انملة ؛ فغرفتك ما زالت كما هي، غير أنها فقدت نكهتها وجاذبيتها بغيابك. اما سريرك، فلم يُزحزح من موقعه البتة، بيد أنه بارد، كئيب، وحزين، وقوارير عطورك المفضلة، ما فتئت في ركنها ممتلئة، لكن لا عطر يفوح منها ولا شذى. أما الوسادة الخالية، فقد افتقدتك كثيراً وظلت في انتظارك طويلاً، حتى كلَت الانتظار. فانزوت اخيراً وذبُلت واعتصرها الألم، وامتصها رحيلك المفجع.
اماه ،،، مالي ارى الحروف والكلمات تخنقني كما العبرات ولماذا كلما شرعت في كتابة كلمة "وداعا" ، تبعثرت حروفها وتبخرت في الهواء ، وكيف اطيق نطقها وانت ماثلة امامي بكل تفاصيلك وكيانك.
كيف اقول وداعا ونبرات صوتك الحنون ودعواتك الصالحات ما زالت تطرق اذني وتداعب حواسي في كل وقت وحين.
أُماهُ ،،، اكتب عنك واليك، بعد أن استبد بي الحزن وبلغ بي مبلغاً عظيماً. لكن لا أقول الا ما يُرضي الله. "إنا لله وإنا اليه راجعون"
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة