منذ عام ١٩٥٦ حين أنتهى البريطانيون من تأسيس دولة في وسط افريقيا هي السودان، ثم اصطفوا أبناء الفلاحين من مجموعات إثنية معينة لإدارة الدولة، منذ ذلك الزمان بدأ انهيار الدولة قبل أن تشهق نَفَسَ ميلادها الأول، فأبناء الفلاحين لم يمتلكوا تراكمات حضاريةترفع وعيهم بفكرة الدولة كمؤسسات محمية بالقانون، بل حكموها كما يفلحون حواشاتهم، فانتقلوا إلى طبقة الحكم دون ان يغادروا طبقة الفقر والبدائية، وهكذا شاع فيهم حب الأضواء والتهافت الجهول. ولأن ثقافة الفقر لا تعترف بالخطأ، بل تعلق نتائج أفعالها على شماعات الجن والشياطين والسحر والعمل فيغشون الدجالين من سحرة وكهان ومنجمين، فقد ظل هؤلاء الفلاحون يبحثون عن شماعات يعلقون عليها أخطاءهم، فحرب الجنوب سببها عندهم هي إسرائيل وحروب جبال النوبة أمريكا، وحروب دارفور ليبيا، والحرب الدائرة الآن الإمارات. إن ثقافة الفقر أو العقل (الفلاحي) ظلت تحجب عنهم الحقائق طيلة حكم بيوتاتهم الفاسدة سواء بأحزابهم أو بعسكرهم أو بتحالفهما المزمن طيلة توالي الحقب. وحين تضيق عليهم الأرض بما رحبت، يقومون بتصرفات تنم عن شدة الدناءة من المسكنة والذلة كما فعل البشير حين غادر في أيامه الأخيرة متسولاً تارة ومتوسلاً تارات اخرى وباكياً لبوتين طالباً الحماية. لقد ظل ابناء الفلاحين عملاء في الظل والعلن بأحزابهم وعسكرييهم لينالوا الرضى والحظوة، فما نالوا إلا الخزي والندامة، ذلك بأنهم قوم لا يتطهرون. وحين ينحدرون يختلقون أعداءً متوهمين، ويحاربون طواحين الهواء، فسخِر العالم منهم سخريته من دون كيشوت، وهو يسمعهم يصرخون "أمريكا روسيا قد دنا عذابها"، وهم لم يتمكنوا حتى من الانتصار على الحركة الشعبية، بل انهزموا هزيمة نكراء، وسلموا لها ثلث مساحة السودان وعليها بوسة، ومن قبلهم كان الصادق المهدي أول من وصم الجنوبيين بالإرهابيين، ومن قبله عبود حين تنادى وأكابره العنصريون، بحرق الجنوبيين، وما ذلك ببعيد، فانظر عاقبتهم، ولقد ساءت عاقبة الكاذبين. والتاريخ أعاد نفسه في الشرق والنيل الأزرق وجبال النوبة وجنوب كردفان ودارفور، ولكن أقول الحق والحق أقول، لا يعيد التاريخ نفسه إلا إن أعاد الأحمق ذات حماقاته، فتتكرر ذات النتائج وهو يحلم بأن لا تكون النتائج هي ذاتها النتائج، تلك أمانيهم ومبلغهم من العلم. واليوم يقوم الشماليون (بتحالف أحزابهم وعسكرييهم) بإعادة ذات تصرفاتهم القديمة؛ أفعالاً وأقوالاً؛ وهم يحلمون أحلام السفهاء. إنهم لا يعترفون أبداً، ومن تأخذه العزة بالإثم إثماً يأثم، ومن يأثم عن عنت يُضاعف له العذاب ويلقى فيه مهانا. فألقوا فيه وكبكبوا فما تنازلوا عن عتوهم، ذلك بأن قلوبهم غلف وقد ختم الله على عليها وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة. لن تفيدكم شماعاتكم، سواء كانت الإمارات أم كائنات فضائية، إنما يفيدكم أن تقروا بضلالكم التاريخي وتخروا إلى الأذقان تائبين. فإما هذا وإلا فغضب وسخط من ربكم عظيم، وما الله بظلام للعبيد. وكان الله من وراء القصد وإلى الله قصد السبيل.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة