التحالف أم التماهي؟ تفكيك خطاب التطابق والانتهازية الحقوقية في سياق تحالف تأسيس كتبه خالد كودي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-14-2025, 10:30 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-24-2025, 07:40 PM

خالد كودي
<aخالد كودي
تاريخ التسجيل: 01-01-2022
مجموع المشاركات: 97

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
التحالف أم التماهي؟ تفكيك خطاب التطابق والانتهازية الحقوقية في سياق تحالف تأسيس كتبه خالد كودي

    07:40 PM March, 24 2025

    سودانيز اون لاين
    خالد كودي-USA
    مكتبتى
    رابط مختصر




    التحالف أم التماهي؟ تفكيك خطاب التطابق والانتهازية الحقوقية في سياق تحالف "تأسيس:

    24/3/2025 خالد كودي، بوسطن

    منذ إعلان الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال توقيعها على ميثاق "تأسيس" ودستورها الانتقالي، اهتزّت الأرض تحت أقدام النخب التي طالما احتكرت المشهد السياسي، وادّعت امتلاك أدوات التغيير، بينما ظلت في الواقع رهينة لمعادلات قديمة، أثبتت فشلها في وقف الحرب أو إنتاج سلام مستدام. تعددت ردود الفعل: بين من استوعب أن السودان قد بلغ لحظة انسداد تاريخي تتطلب اختراقًا جذريًا، فاختار الاصطفاف مع مشروع "تأسيس" بوصفه تعبيرًا عن وعي جديد، وبين من آثر الصمت، أو اكتفى بالتردد، أو رفض من منطلقات عقائدية أو مصلحية. غير أن أشد هذه الردود سلبية هو ما صدر عن دوائر امتهنت التشويش والاحتيال السياسي، وسعت لتقويض مواقف الحركة الشعبية عبر تشويه تحالفها مع قوات الدعم السريع، وتزييف أبعاد هذا التحالف وتبسيطه إلى مجرد "تواطؤ" أو "تماهي"، متجاهلة عمداً ما ينطوي عليه من محاولة تاريخية لإعادة هندسة المجال السياسي وبناء السودان الجديد على أسس العدالة التاريخية.

    لقد عبّر هؤلاء عن قلقهم الوجودي، لا بسبب انتهاكات حقوق الإنسان كما يزعمون، بل نتيجة إدراكهم لاحتمالٍ حقيقي بأن مشروع "تأسيس" بات يهدد احتكارهم لمسارات الحل السياسي، ويعيد ترتيب الأوراق على نحو يُمزق الخطوط الحمراء التي رسموها لحماية امتيازاتهم ومصالحهم. هذا القلق يطال أطرافًا فاعلة مثل الجيش السوداني، وحكومة بورتسودان، وأذرعها الممتدة داخل الهامش، من تنظيمات مغلوب علي امرها تُستدعى وقت الحاجة، وتُكافأ بفتات الموائد، أو من حركات مسلّحة ارتضت أن تصطف إلى جانب الدولة التي همّشتها، واضطرتها إلى حمل السلاح أصلًا. هذه الحركات، التي تدّعي تمثيل قضايا الهامش، تقاتل اليوم جنبًا إلى جنب مع الجيش الذي لم يكتفِ بقتل وتشريد واغتصاب أهلهم، بل ظل يصنع المليشيات التي نفذت بحقهم كل صنوف الجرائم، في سلوك لا يمكن وصفه إلا بأنه قِمّة الانفصال الأخلاقي والسياسي، أو الغباء الإستراتيجي. يقاتلوا مع الجيش دون أي التزام منه انه لن ينقلب عليهم بنفس الاجندة في المستقبل القريب! وفي ظل هذا الواقع، حين تدخل الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، بصفتها صاحبة مشروع تاريخي للعدالة والتغيير الجذري – في تحالف يعيد تعريف شروط العمل السياسي على أسس أخلاقية جديدة، يصبح وجودها في حد ذاته تهديدًا وجوديًا لتلك النخب التي بنت نفوذها على الأكاذيب، والمساومات، وإعادة إنتاج أدوات القهر باسم الواقعية أو السيادة أو المصالح الوطنية."

    ومن هنا، بدأت حملة من الابتزاز السياسي الرخيص، تتخذ من ملف حقوق الإنسان غطاءً، بينما هي في جوهرها لا تُعنى بالضحايا، بل تستخدمهم وقودًا لتصفية حسابات نفعية. فصوّرت التحالف بين الحركة الشعبية وقوات الدعم السريع كأنه تفويض مطلق لتلك القوات، أو تنصل من المبادئ، متجاهلة التاريخ المعلن للحركة الشعبية، ومواقفها الصريحة في إدانة الانتهاكات، أيا كانت الجهة التي ترتكبها.

    إن هذه الحملة ليست ناتجة عن خلافات مشروعة في الرؤى، بل عن مؤامرة ممنهجة تستهدف التشكيك في ريادة الحركة السياسية والأخلاقية، لأنها تمثل، في هذا المفصل التاريخي، المشروع الوحيد الذي يربط بين وقف الحرب، وبناء السلام، وتحقيق العدالة التاريخية، وتفكيك الدولة المركزية القمعية. وقد بلغت هذه المؤامرة حد نشر الأكاذيب والتزييف المتعمد للوقائع، بل والمزايدة على الضحايا أنفسهم، عبر الادعاء أن تموضع الحركة الشعبية في "تأسيس" يجعلها مسؤولة عن كل ما جرى ويجري من انتهاكات!. وهذا منطق مُفلس، يُسقط القواعد البديهية للمسؤولية الأخلاقية والسياسية، التي لا تحمّل جهةً مسؤولية أفعال طرف مستقل، لمجرد مشاركتهما في تحالف تحكمه وثيقة سياسية واضحة.

    وكما قال المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي:
    "You are responsible for the predictable consequences of your own actions — not for the predictable consequences of somebody else's actions."

    إن تحالف "تأسيس" لا يمنح أحدًا الحصانة، بل يضع كل أطرافه أمام مسؤولية جماعية لإنتاج مشروع جديد، يخضع فيه الجميع، دون استثناء، لمبدأ المساءلة. أما من يخشى هذا المشروع، فهو لا يخشى الانتهاك، بل يخشى الحقيقة التي تفضح تورطه في صناعة الفشل، والتواطؤ، والصمت الانتقائي.

    في هذا المقال، سنفضح هذا الخطاب الجاهل والمزيف الذي يتخفى خلف شعارات حقوق الإنسان، بينما هو في جوهره إنكار للعدالة، وعداء للتغيير الحقيقي.

    التحالف والتطابق: تفكيك مفاهيمي في وجه الاحتيال الخطابي ضد الحركة الشعبية:
    في خضم الحملة الشعواء التي استهدفت الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال عقب توقيعها على ميثاق "تأسيس" ودستور السودان الجديد، برزت إحدى أكثر أدوات التشويش فاعليةً وتضليلاً: الاحتيال المفاهيمي الذي يُمارَس عبر خلط متعمد بين مفهومي "التحالف" و"التطابق/الاندماج"، في محاولة لنزع الشرعية الأخلاقية والسياسية عن الحركة، ووصمها بالتماهي مع كل ما يُنسب إلى الطرف الآخر – أي قوات الدعم السريع – من جرائم وانتهاكات. وهذه ليست زلة لسان أو سهوًا في التحليل، بل تلاعب خطابي ممنهج يخدم غرضًا سياسيًا واضحًا: تقويض مشروع السودان الجديد وشيطنة قواه الناشئة
    من الضروري، إذًا، أن نُعيد الاعتبار للتفكير المفاهيمي الدقيق، لا من باب الأكاديمية المجردة، بل لأن التحليل النزيه يبدأ من وضوح المصطلح. فالتحالف السياسي، وفقًا للتقاليد النظرية والممارسة الواقعية، هو توافق غالبا مايكون يكون مرحلي بين أطراف مختلفة في مرجعياتها، لكنها تتقاطع في أهداف استراتيجية آنية. هو تقاطع وظيفي، وليس تماهياً أيديولوجياً أو قيمياً. في حين أن "التطابق/الاندماج" هو تماهٍ تام، يُلغي المسافة النقدية بين الأطراف، ويُنكر الاختلافات الجوهرية في المشروع والرؤية والموقع الأخلاقي.

    الخلط المتعمد بين هذين المفهومين لا يُعبر عن جهل لغوي، بل عن نية سياسية مبيّتة تستهدف خنق أي مشروع تغييري عبر وصمه بالعمالة أو التواطؤ. وهو خطاب ذو جذور قديمة في السودان، استخدمته الأنظمة السلطوية مرارًا لتجريم الحركات الثورية، وتدجين المجال السياسي، وتحويل الضحية إلى متهم، والحقيقة إلى "رواية مشبوهة.

    إن أي تحالف سياسي، بطبيعته، لا يعني اندماج الأطراف المتحالفة في كيان تنظيمي موحّد، ولا يقتضي بالضرورة تطابق آرائهم أو مواقفهم أو تاريخهم وبالتالي مسؤولياتهم. بل يقوم التحالف على اتفاق بين تنظيمات مستقلة، لكل منها رؤاها وأهدافها، يجتمعون مؤقتًا على تحقيق أهداف مشتركة محددة. وبانتهاء تحقيق هذه الأهداف، ينفضّ التحالف تلقائيًا، ما لم تتوافق تلك التنظيمات لاحقًا على قضايا جديدة تُعيد تأسيس أرضية مشتركة لتحالف جديد.

    تحالف "تأسيس": بين الرؤية والمسؤولية التاريخية:
    إن تحالف "تأسيس"، الذي وُقّع في نيروبي بين الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال وقوات الدعم السريع، ليس سوى تحالف سياسي تأسّس على الحد الأدنى من الاتفاق حول قضايا مصيرية لا يمكن تجاهلها في لحظة الانهيار الوطني الكامل، وفي مقدمتها:

    - تفكيك سلطة الأمر الواقع التي رسختها قوى الثورة المضادة بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021
    - إعادة تأسيس الدولة السودانية على أسس مدنية تعددية، تقطع مع المركزية الإثنو-دينية ونظام الامتيازات الموروث.
    - فتح مسارات المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين في مناطق النزاع، التي عانت لعقود من التهميش والخذلان.
    - تأسيس منظومة عدالة تاريخية شاملة ترفض الإفلات من العقاب، وتُحمّل المسؤولية الفردية لكل من ارتكب جرائم.

    بناءً على هذا، فإن تصوير التحالف وكأنه تفويض أخلاقي أو تماهٍ سياسي مع كل ما جرى من انتهاكات، هو تزوير فجّ لوقائع واضحة. فالحركة الشعبية لم تُغير رؤيتها المبدئية حول العدالة والمحاسبة، بل أعادت تأكيدها بوضوح في وثائقها التأسيسية، التي تنص صراحةً على أن الجرائم لا تسقط بالتقادم، وأن العدالة لا تخضع لمساومات سياسية

    بل إن الحركة الشعبية، كما أوضح سجلها العملي، كانت من بين القلائل الذين واجهوا الدعم السريع بالموقف الأخلاقي والسياسي عندما علّقت التفاوض مع حكومة الثورة آنذاك بسبب خروقات الدعم السريع، الذي كان يمثل السلطة الرسمية حينها. أي أن رفض الانتهاكات لم يكن موقفًا انتقائيًا أو انتهازيًا، بل ثابتًا أصيلًا في بنيتها الفكرية والسياسية.

    التحالف، إذًا، لا يعني التخلي عن المبادئ، بل استخدام ما هو متاح في لحظة تاريخية حرجة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من البلاد، ومنح مشروع العدالة فرصة للحياة. إن القوى التي تقف ضد هذا التحالف دون أن تقدّم بديلًا عمليًا، لا تحارب الانتهاك كما تزعم، بل تحارب فكرة أن التغيير الحقيقي بات ممكنًا – فقط لأنه لم يعد يمر عبر بواباتها التقليدية.

    : تفكيك تزييف المصطلحات وانتهازية الخطاب
    في ضوء ما تقدّم من تفريق ضروري بين التحالف والتطابق، تتكشف طبيعة الحملات الممنهجة التي تستهدف تحالف "تأسيس" والحركة الشعبية تحديدًا، لا بوصفها فاعلًا سياسيًا عاديًا، بل لكونها حاملة لمشروع تحولي يهدد بإزاحة النظام القائم بأكمله، لا استبداله بواجهة جديدة. ولهذا، تُمارس ضدها واحدة من أقدم تقنيات الحرب النفسية والسياسية:

    تزييف المصطلحات، والتلاعب بمفاهيم المسؤولية، والتشويش على الفروق الأخلاقية والسياسية بين الأطراف، لإغراق الناس في ضباب كثيف من الالتباس المُمنهج.

    لقد باتت بعض الأصوات – ممن أدمنوا الوقوف على حافة الموقف، أو مارسوا المعارضة كوسيلة للحفاظ على الامتياز – تردّد خطابًا اختزاليًا يُحمّل الحركة الشعبية تبعات كل ما ارتكبته قوات الدعم السريع، لا لشيء إلا لأنها وقّعت معها على تحالف سياسي حول اهداف ليس من بينها ارتكاب الجرائم. هذا الخطاب، الذي يتجاهل المبادئ الأولية للمساءلة السياسية، يُذكّرنا بما حذّر منه نعوم تشومسكي حين قال:

    "You’re responsible for the predictable consequences of your own actions. You’re not responsible for the predictable consequences of somebody else’s actions."

    لكن أصحاب هذا الخطاب لا يسعون إلى العدل، بل إلى مصادرة الحقيقة لصالح توازنات خطابية تخدم مصالحهم. إنهم يتعمدون الخلط بين المسؤولية السياسية والأخلاقية من جهة، والتواطؤ أو التطابق والاندماج التنظيمي من جهة أخرى، ويُسقطون أي تفكير نقدي لصالح ابتزاز لغوي رخيص يحوّل مفاهيم واضحة إلى أدوات تشويه.

    وهم بهذا المعنى لا يختلفون عن النخب التي حذّر منها المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي حين قال:

    "كل أزمة تاريخية كبرى هي، في العمق، أزمة في قيادة النخبة: عندما تعجز النخبة عن التجديد، وتتمسك بأدواتها القديمة، فإنها تتحول إلى أداة قمع لا وعي لها"

    هؤلاء الذين يمارسون القمع والاحتيال الرمزي باسم حقوق الإنسان، لا يدافعون عن الضحايا، بل يحاولون احتكار تمثيلهم والحديث باسمهم دون تفويض، ويختزلون معاناتهم في ملف سياسي يستخدمونه لمصادرة المستقبل. لقد غاب عن هؤلاء أن مشروع العدالة لا يُبنى على الشكليات، بل على إرادة فعل جذرية تعترف بالضحايا، وتُفكك البنية التي صنعت الجريمة، لا فقط تُدين منفذها.

    في هذا السياق، لا بد من إعادة التأكيد على أن تحالف "تأسيس" لم يأت كترضية لأحد، ولا كمناورة تكتيكية، بل كاستجابة تاريخية لانسداد وطني شامل، ولكونه يحمل مبادئ واضحة في إدانة الجرائم والمحاسبة، وفي جعل العدالة ركيزةً لا مساومة فيها. وأي محاولة لتجريم هذا التحالف، دون فهم السياق، ودون تقديم بديل عملي، هي انتهازية أخلاقية تتستر بغطاء القانون لتعيد إنتاج منطق القوة والمركزية والإقصاء، وهذا ما تفعله حكومة بورتسودان.

    لقد أظهر التاريخ – من جنوب أفريقيا إلى إيرلندا الشمالية – أن التحالفات في لحظات الانهيار لا تعني التواطؤ، بل قد تكون الممر الوحيد لبناء سلام عادل. وكما قالت القاضية الجنوب أفريقية ألبي ساكس، أحد رموز العدالة الانتقالية:

    "العدالة لا تتحقق عبر الحقد، بل عبر التصميم على ألا تتكرر الجريمة مرة أخرى، أبدًا"
    إن هذا هو بالضبط جوهر مشروع "تأسيس": وقف الحرب، ومنع تكرار الانتهاك، وبناء دولة تُحاسِب ، وتُذكّر ولا تُزيّف.

    وأي محاولة للالتفاف على هذا المشروع عبر سحب المصطلحات من سياقها هي محاولة لإبقاء السودان في دائرة الخراب.

    التحالف كمسؤولية تاريخية لا كتنازل أخلاقيفي مواجهة الانتهازية الحقوقية:
    تفكيك التوظيف الزائف لخطاب حقوق الإنسان في صلب الحملة التي تستهدف الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال وتحالف "تأسيس"، تبرز واحدة من أخطر أدوات التشويش: الاستغلال الانتهازي لخطاب حقوق الإنسان.
    وهي ليست حملة عابرة، بل امتداد منطقي لنمط قديم درجت عليه النخب المأزومة التي، كلما شعرت أن مشروع السودان الجديد بات ممكنًا، استعادت أدواتها الأثيرة في المزايدة الأخلاقية، والتزييف الخطابي، وتجيير مفاهيم العدالة لخدمة مصالحها المتآكلة موظفة لهذه المهمة الجهلة، و الانتهازيين.
    في هذا السياق، يروّج خصوم مشروع "تأسيس" لدعوى باطلة مفادها أن الحركة الشعبية، بتحالفها مع قوات الدعم السريع، تكون قد تبنّت، بصورة أو بأخرى، سجل الانتهاكات المنسوب لتلك القوات، بل وصارت مسؤولة عن أي انتهاكات مستقبلية محتملة! واي احتيال غبي هذا؟

    وهذه دعوى تُقوَّض على ثلاثة مستويات مترابطة: القانوني، الأخلاقي، والسياسي-التاريخي:

    : ١/ قانونيًا
    تنص مبادئ القانون الدولي الإنساني، وعلى رأسها نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، على أن المسؤولية الجنائية فردية، ولا يجوز تحميل كيان سياسي مسؤولية أفعال طرف آخر لم يكن له دور مباشر في إصدار الأوامر أو تنفيذ الانتهاكات. التحالف السياسي لا يُنتج مسؤولية قانونية جماعية، إلا إذا ارتبط بمشاركة فاعلة في الجريمة، وهو ما لا ينطبق على الحركة الشعبية. فالحركة ظلت باستمرار تُدين الجرائم ضد المدنيين، وعلّقت التفاوض مع حكومة الثورة حين كانت قوات الدعم السريع ترتكب خروقات ميدانية – ما يثبت من حيث السلوك السياسي أنها لم تتواطأ، بل واجهت التجاوزات.

    ٢/ أخلاقيًا وفلسفيًا:
    يشير الفيلسوف السياسي مايكل والزر إلى أن "التحالف لا يُفترض أن يُبرّئ الشريك من جرائمه، بل يُمكن – بل يجب – أن يكون وسيلة للضغط الأخلاقي عليه". فالتحالف، في سياق التحول السياسي، هو مساحة اشتباك معقدة بين المبدأ والواقع، يُستخدم فيها النفوذ السياسي لإعادة توجيه مسارات القوة، لا لتجميلها بل لوجيهها نحو المتحالف عليه..
    وتذهب حنة آرنت أبعد من ذلك حين تكتب:
    "الشر لا يُواجه بالعزلة، بل بتفكيك ظروفه من الداخل والخارج".
وهذا بالضبط ما تسعى إليه الحركة الشعبية: تحويل موقعها داخل المعادلة السياسية إلى وسيلة لتفكيك بنية العنف من الداخل، وليس الهروب منها أو الوقوف على هامشها بتعالٍ عديم الجدوى او بسطحية غير منتجة.

    : ٣/ سياسيًا وتاريخيًا
    لقد عرف التاريخ الحديث عشرات التحالفات التكتيكية والاستراتيجبة حتي التي جمعت بين أطراف متباينة، بل متناقضة، دون أن يُحمَّل طرفٌ مسؤولية الآخر. والأمثلة كثيرة:

    - في الحرب العالمية الثانية، تحالف الحلفاء ضد النازية جمع بين الديمقراطيات الغربية (الولايات المتحدة، بريطانيا) والدولة السوفييتية الستالينية شخصيا. لم يكن ذلك تحالفًا منطقيا، بل ضرورة تاريخية لهزيمة الفاشية.

    - في جنوب أفريقيا، تحالفت قوى ليبرالية من البيض مع المؤتمر الوطني الأفريقي بقيادة نيلسون مانديلا، دون أن يعني ذلك تحميل المؤتمر إرث الفصل العنصري.

    - وفي إيرلندا الشمالية، أدّى اتفاق الجمعة العظيمة إلى دمج الجماعات المسلحة داخل العملية السياسية، كجزء من مشروع سلام مستدام لم يكن ممكنًا دون تسويات صعبة.

    كل هذه الأمثلة تؤكد أن التحالف السياسي لا يعني التطابق ولا الاندماج، بل إدارة التعقيد، وتوظيفه لتحقيق هدف أعلى، وهو في حالة السودان:

    وقف الحرب، تفكيك الدولة المركزية، وبناء منظومة عدالة تاريخية شاملة.

    اخيرا: المشروع مقابل الانتحال:
    ما تمارسه بعض الأقلام من ربط مباشر وساذج بين الحركة الشعبية والانتهاكات المرتكبة من طرف قوات الدعم السريع، ليس إلا محاولة خبيثة لاختزال مشروع تاريخي في عنوان تحالفي معلوم الاهداف. إنه تزييف يُقصَد به إضعاف المضمون الحقيقي للسودان الجديد، من خلال الانقضاض على أدواته، وتجريمه لإعاقة انتاج تغييرًا حقيقيًا. هذه الحملة تفضح الإفلاس السياسي والأخلاقي لمن يخشون أي مشروع لا يتكئ على هياكلهم البالية.

    إن الدفاع عن حق الحركة الشعبية في التحالف السياسي التكتيكي لا يعني الدفاع عن جرائم أحد، بل هو دفاع عن القدرة على التفكير الاستراتيجي، والمضي بثبات في طريق التغيير الحقيقي، دون السقوط في فخ التماهي أو التنازلات المبدئية ومن لا يفهم الفرق، أو يتعمد طمسه، لا يحارب الجريمة – بل يحارب السياسة بوصفها أداة للتحرر والتحوّل.


























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de