في قلب الغابة، حيث تتشابك أغصان أشجار الصمغ وتتراقص خيوط الشمس الذهبية بين أوراقها، كان يعيش مزارع بسيط. كان هذا المزارع، الذي أنهكه العمل وسنوات العمر، يقضي أيامه في جمع صمغ الأشجار، ذلك السائل الذهبي الذي يتدفق كدموع حزينة في فصل الشتاء. كانت الغابة بالنسبة للمزارع عالمًا سحريًا، عالمًا مليئًا بالأسرار والحكايات. كان يستمع إلى حفيف أوراق الأشجار، وكأنها تروي له قصصًا عن الطيور المهاجرة التي تحلق في السماء، وعن الحيوانات البرية التي تتجول في أرجاء الغابة. في إحدى الليالي الشتوية الباردة، وبينما كان المزارع يتفقد أشجاره، سمع صوتًا غريبًا. صوت أنين خافت يأتي من عمق الغابة. اقترب بحذر، فوجد طائرًا مهاجرًا ساقطًا على الأرض، جناحه مكسور. لم يتردد المزارع لحظة، حمله برفق إلى كوخه الصغير، وعالجه بأعشاب من الغابة. بقي الطائر في كوخ المزارع لعدة أيام، يتعافى ببطء. كان المزارع يعتني به، يطعمه ويسقيه، ويتحدث إليه كأنه صديق. وفي كل يوم، كان الطائر ينظر إلى المزارع بعيون ممتنة، كأنه يقول له: "شكرًا لك، أيها الرجل الطيب." عندما تعافى الطائر، حان وقت الرحيل. حلق عاليًا في السماء، ثم عاد وحام حول كوخ المزارع، وكأنه يودعه. ثم انطلق جنوبًا، نحو بحر العرب. عاد المزارع إلى عمله، لكنه لم يعد يشعر بالوحدة. كان يشعر أن الطائر المهاجر قد ترك جزءًا من روحه في الغابة، جزءًا يضيء حياته ويمنحه الأمل. ومع مرور الوقت، بدأت قصة المزارع والطائر تنتشر في القرى المجاورة. أصبح المزارع رمزًا للكرم والإيثار، وقصته أصبحت حكاية تروى للأطفال قبل النوم. وفي أحد الأيام، جاء إلى الغابة رجل غريب، يرتدي ملابس فاخرة. كان تاجرًا كبيرًا، سمع بقصة المزارع وأشجار الصمغ الذهبية. عرض على المزارع ثروة طائلة مقابل أشجاره، لكن المزارع رفض. قال له: "هذه الأشجار ليست ملكي، إنها ملك الغابة، ملك الطيور والحيوانات، ملك كل من يحتاج إليها." أعجب التاجر بإجابة المزارع، وقرر أن يستثمر في قريته الصغيرة. بنى مدرسة ومستشفى، ووفر فرص عمل للشباب. وهكذا، تحولت القرية المنسية إلى مدينة مزدهرة، وأصبح المزارع رمزًا للخير والعطاء. وعندما كان المزارع يجلس تحت ظل إحدى أشجاره، وينظر إلى السماء، كان يرى الطيور المهاجرة تحلق في السماء، وكأنه يسمعها تغني له: "شكرًا لك، أيها الرجل الطيب." لكن هذه القصة الجميلة لم تدم طويلًا. فمع مرور السنين، بدأت الشركات الكبرى في استغلال أشجار الصمغ، ونهب ثروات الغابة. لم يقدموا للمزارع أي مقابل عادل، بل تركوه يعاني من الفقر والمرض. تغيرت الغابة، وتغيرت حياة المزارع. لم تعد الطيور المهاجرة تحلق في السماء، ولم تعد الحيوانات البرية تتجول في أرجاء الغابة. أصبحت الغابة صامتة، حزينة، وكأنها تبكي على مصيرها. وفي يوم من الأيام، وجد المزارع ميتًا تحت إحدى أشجار الصمغ، وكأن روحه قد فارقت الحياة مع آخر قطرة صمغ سالت من الشجرة. لقد مات المزارع، ولكن قصته بقيت حية، لتذكرنا بأهمية الحفاظ على الطبيعة، وعدم استغلالها #غابة_السنط #الدندر_الردوم
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة