هندما تتحرك كالدمية مردداً في نفسك متي ستصيبني القاذفة او المسيرة التالية وتصرعني لترديني قتيلاً ؟ هكذا حال كل أهل وسكان مدينة الابيض تنتابهم الهواجس والخشية لحظة بلحظه .
فنحن كل سكان وأهل مدينة الابيض في شمال كردفان صرنا أهدافاً مشروعة للقتل والموت في أي وقت . فكل شبر من مدينتنا هدف ومرمي لنيران قاذفات المدافع والمسيرات خاصة الدعم العشوائية . فلا مكان أمن في كل مدينتنا عروس الذي بات هدفاً شرعياً ومهدداً بالقصف والقتل العشوائي في كل لحظة . فأن كنت واحد من سكان هذه المدينة فأنت في خطر دائم وحياتك مهددة بصورة كلية . انت لا تأمن نفسك وكل أفراد أسرتك وأنتم في بيتكم ربما داخل غرف نومكم نيام تحلمون بغد أفضل . او حتي وانتم حول مائدة طعامكم لا تدرون ان كنتم ستهنئون بهذه الوجبة من فطوركم أم انها ستكون هي عشائكم الاخير !
هواجس الاحساس بالخوه والشعور بالرعب وفوبيا الارهاب قاسم مشترك يبتاب كل أهل وسكان الابيض في كل ثانية لحظة بلحظة ساعة بعد ساعة وكل يوم وكل دقيقة علي مدار الساعة . لا أمان لك وأنت بالبيت ولا أمان لك وأنت في شارع بيتكم خارج منه في طريقك الي السوق او الي مكان عملك . فأنت مهدد وحياتك في خطر حقيقي في أي مكان واينما أنت موجود في المدرسة او المستشفي في السوق او وأنت في زيارة قريبك وصديقك . أنت في خطر والموت يتربصك ويترصد كل حركاتك وسكناتك في حلك وترحالك . فشظايا الدانات الاثمة القذائف الشريرة وراك وارك والطال عمرك لن تسلم منها الا برحمة ربك العلي القدير بلطفه بك وعنايته وحمايته لك فقط ستنجو وتسلم وسيكتب لك عمر جديد .
القصف العشوائي يطال الجميع بلا استثناء فكل انسان متحرك كان او نائم هو هدف ومستهدف .المركبات من الحافلات والبصات والشاحنات الناقلات والعربات الصغيرة والكبيرة أهدافاً بمن فيها حتي التكتك وعربات الكارو لا تسلم .الدور والمنازل بساكنيها هم غير أمنين . اسرة كاملة بكل أفرادها ردمت منزلهم بالكامل وحل الي ركام وأنقاض و مقبرة محترقة لم ينجو منهم الاب لوحده لآنه كان خارج الدار في أثناء صلاة الترويح . لم يعد في الابيض مكان أمن وهي تكاد تشبه الفاشر او غزة في شدة وضراولا القصف وقد بداً الكل في هذه الايام الاخيرة يشعر حقيقة بشراسة الحرب ورعبه . كل الاحياء شرقاً وغرباً شمالاً وفي الوسط لم تسلم أحياء الله كريم والصحافة وحي الشريف وود الياس وفلسطين والصحوات. أحياء الرياض والخرسانة والمطار والصالحين . ولا حتي الاحياء الشرقية والشمالية كانت الي وقت قريب أمنة في طيبة والابحاث وكريمات وأمير والصفا والمروة والقلعات وعر فات والرحمة . في الارباع والبترول وكل فج عميق في مدينتنا صار مسكوناً بالرعب والخوف وهواجس الموت ليس بالرصاص والدانة لكن بهستيريا الخلعة والاضرابات والهواجس النفسية .
في الاسبوع الماضي كنت خارج البيت وتأخرت قليلاً حتي قبيل حلول ساعة المغرب ودنو أذان فطور رمضان الكريم . وانا طريقي الي منزلي وعلي نحو مئتي متر دوي انفجار هائل صك دويه أذان كل من سمعه وأرتجفت له كل الاوصال . ترجلت خطواتي وواصلت سيري نحو البيت بخطي حثيثة . حدثني بعضهم قائلاً لي : (هذه القذيفة سقطت في ناحية اتجاه بيوتكم ) .لأشاهد الكل الذين كانوا يتهيأون لفطور رمضان يهرعون الي مكان سقوط القذيفة الذي صرت قريباً منه . وبحمد الله سقطت القذيفة في فضاء قرب منزل أحد الاخوة ولم ينفجرمنها الا جزء صغير من رأسها الذي تطاير لنحو يزيد عن المئة متر .وتطاير الشظايا لتصيب زجاج بعض العربات وزجاجات نوافذ البيوت القريبة من مكان الحادث . في مكان الحادث تجمع كل شباب ورجال الحي في فضول لآستقصاء الحدث وكان بعض الشباب يلمس الاجسام الغريبة في الموقع قلت لهم زاجراً: ( يا أولاد أعملوا حساب نفوسكم ولا تلمسوا الاشياء بأبيدكم ولا تمسوها عسي أن يصيبكم خطرأو أذي ) . وقد أمعنت النظر الي القذيفة او الصاروخ الذي يصل طوله ما يقارب المترين بقطر لا يقل عن الستة بوصات . تعجبت وأشتغربت أن ىكل هذه الكلتة النارية الملتهبة المحشوة بقطع الحديد المسنونة المسمومة الحادة التي تطاير أثر سقوط هذه المقذوفة منتشرة في كل الاتجاهات الي مسافات تزيد عن المئة متر لتصيب كل من يصادفهم في مقتل . ولاعجب ان تشاهده هذه الايام في مدينة الابيض مئات الشباب ممن قطعت أذرعهم وبترت أرجلهم ناهيك عن المئات او الالاف غيرهم من المعاقين اعاقات شبه كاملة تعجزهم من الخروج من بيوتهم وممارسة حياتهم التي ستتعطل كل ياقي حياتهم.
وصلت البيت لأجد أطفالي المضطربين القلقين عليَ واقفين بالباب علي أحر من الجمر. وما أن فتحت الباب ورأوني حتي اسرعوا نحوي مبتهجين وقد انشرحت صدورهم واستنارت وجوههم بالفرح والابتسامات المشرقة حامدين الله شاكرين لأجل سلامتي . فقال لي أبني الصغير كوكو يا أبوي في جاحات وقعت فوق الزنكي . ( أي علي سطع سقف المنزل ).
فقلت له : ( طيب انا أعمل ليكم شنو يا أبني ؟
ليريد قلقاً مرتاعاً قائلا : ( ولكن انحنا يا أبو ؟ ! ) . لم استطع بالطبع أن أجيب سؤاله الصعب . وسيبقي هذا السؤال الذي لا أجابة له عالقاً بذهني وعقل كل أب وأم . هو السؤالالمقلق الذي يتردد في خواطر كل الاباء والامهات العاجزين عن فعل شيئاً ما لآجل سلامة وسلام أطفالهم وأسرهم
فالاطفال الابرياء يسأولون مع كوكو : ( ولكن أنحنا يا أبوي ؟ ! ) .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة