عندما تكون عندك قضية يجب أن تزود نفسك بجرعة وعي وشجاعة تجعلك قادرا على الوقوف في وجه العدو مثل الجبل الأصم. المواقف القوية تنبع من وعي عميق بأن أنصاف الحلول هي تخدير للعقول وخيانة للضمير والقضية التي من أجلها سقط الشهداء شهيد تلو الشهيد، إيمانا بوطن جديد، يجد فيه كل فرد نصيبه من الحرية والعدالة والحقوق. بعد عهود طويلة من الخراب المنظم الذي ألغى دور الشعب وفرض حاكم طاغية قلب الأمور رأسًا على عقب، وجعل من نفسه الآمر الناهي، مسنودا بزمرة فاسدة من تجار الشعارات وشيوخ الضلال والدجل والنفاق، كل همهم الإستحواذ على المصالح الخاصة، ومن بعدها فلتحرق البلد بمن فيها وما فيها. في واقع بهذا الشكل، لابد من وجود وعي مؤمن بالقضية الوطنية، وعي يغوص في العمق، يتخطى كل الحواجز المصطنعة، ويبني جسور تواصل مع مكونات المجتمع، عشان الناس تفهم أن العدو واحد، وهو الحاكم الطاغية الذي خرب ثقافة شعبنا القائمة الحرية والديمقراطية، وحول الأغلبية إلى قطيع. في بلد مثل السودان ظل يعيش واقعا معقدا ومشوها بسبب القهر والطغيان، لابد من وجود فعل سياسي مستنير يوعي الشعب بأنه لا خلاص من واقع البؤس والتعاسة والمعاناة إلا بتشكل كتلة صلبة تقف في وجه الخراب المنظم. كتلة واعية تعبر عن قضايا الناس الغلابة العائشين على هامش الحياة، الناس المظلومين ظلم الحسن والحسين، الناس الغبش الذين لا يحصلون على جرعة ماء صالحة للشرب، أو لقمة عيش كافية تسد الرمق، أو لمسة حنان أو كلمة طيبة تطيب خواطرهم. في بلد ظل يفتك بها الظلم، لابد من فعل مقاوم يعبر عن الحق والحلم الذي عاش في قلوبنا ومشاعرنا لسنوات طويلة، وظل راسخاً في دواخلنا، بغض النظر حيثما كنا، سواء في داخل الوطن أو في المنافي البعيدة. حلم كل يوم يزداد إيماننا به، وبفجر الخلاص الذي حلمت به أجيال قبلنا منذ بدايات الإستقلال، الذي فقد معناه بعد عامين، حينما دقت موسيقى المارشات العسكرية التي أرست سنة الخراب الذي رافقنا منذ يومها وحتى الآن. انقلاب وراء انقلاب، والناس تعيش في ضياع. كم ضاع من عمرنا؟ ومن وقتنا وجهدنا؟ كم مرة ثرنا واستعدنا ذكريات النضال؟ في أكتوبر الأخضر ومارس وأبريل، كم طربنا ورقصنا مع محمد وردي وهو يغني "أصبح الصبح"، وود الأمين عندما طل في فجرنا ظالم، والكابلي في القومة ليك يا وطني، وضجة الشوق على أنغام مصطفى سيد أحمد والعميري. كم من شعارات رفعناها؟ وكم من حواجز عبرناها ؟ وكم من محطات نضالية سطر فيها المناضلون أروع قصص النضال؟ وكم نصوص جميلة قرأناها لمبدعين من شعراء وفنانين حفرت في ذاكرتنا عميقا؟ وأطلقت لخيالنا العنان ليحلق في الفضاء، يملؤه الأمل ببزوغ فجر جديد خالي من الدماء والدموع. التحية للجيل المقاوم بالبندقية والتحية لكل ثائر ما وقع في الفخ، أو باع القضية. أبقوا عشرة على القضية التي لا تقبل أنصاف الحلول أو التسويات المسرحية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة