منذ اندلاع الحرب في السودان، اتخذ الصراع أبعادًا أكثر تعقيدًا، حيث لم يعد مجرد مواجهة بين طرفين عسكريين، بل أصبح مشهدًا متداخلًا بين قوى مدنية وعسكرية، بين مصالح محلية وإقليمية، وبين إرادة التغيير وتحديات الماضي. في هذا السياق، يبرز التساؤل الجوهري: هل يمكن أن يكون التفاوض هو الحل لإنهاء الأزمة، أم أن السودان على موعد مع إعادة إنتاج قواه القديمة؟
تشدد العسكر: بين الدعم المدني والإسناد التقليدي لا يمكن فهم تشدد المؤسسة العسكرية بمعزل عن التحولات في المشهد السياسي السوداني. فمنذ اندلاع الحرب، وجدت المؤسسة العسكرية دعمًا من بعض القوى المدنية ذات التأثير الضعيف نسبيًا، ولكن هذا الدعم أضاف لها بعدًا سياسيًا يعزز موقفها. إلى جانب ذلك، انخرط الإسلاميون والحركات المسلحة في دعم الجيش، في محاولة للحفاظ على نفوذهم التاريخي في المشهد السوداني، مما زاد من تعقيد أي محاولات للحل السياسي.
التحديات أمام الحلول التفاوضية
بالنظر إلى الوضع الراهن، نجد أن العقبات أمام التفاوض ليست فقط عسكرية، بل تمتد إلى المواقف السياسية للقوى المتصارعة. فهناك قوى مدنية ترفض أي تفاوض قد يعيد إنتاج النظام القديم، وهناك تيارات أخرى ترى أن الحل يكمن في إعادة بناء الدولة على أسس جديدة، مما يجعل من الصعب التوصل إلى رؤية موحدة.
من جهة أخرى، فإن تشدد العسكر ليس فقط بسبب التنافس على السلطة، بل أيضًا بسبب المخاوف من تفكيك مؤسساتهم أو تقديم بعض قادتهم للمساءلة. هذه المعادلة تجعل التفاوض أكثر تعقيدًا، إذ إن أي اتفاق لا يضمن مصالح هذه الأطراف سيكون مهددًا بالانهيار.
الخيارات المطروحة: التفاوض أم إعادة القوى القديمة؟
في ظل هذا المشهد، تبرز ثلاثة سيناريوهات محتملة:
التفاوض الجاد: يعتمد على التوصل إلى تسوية سياسية تضمن وقف الحرب وإعادة بناء الدولة وفق رؤية جديدة تبتعد عن سيطرة القوى التقليدية، مع تحقيق عدالة انتقالية ومحاسبة عادلة.
إعادة إنتاج القوى القديمة: وهو سيناريو يتمثل في عودة الإسلاميين وتحالفاتهم مع الجيش إلى واجهة المشهد، مما قد يؤدي إلى استمرار الأزمة بأشكال أخرى، وربما مواجهة مع القوى المدنية الرافضة لهذا السيناريو.
حالة الاستنزاف الطويلة: حيث تستمر الحرب دون حسم واضح لأي طرف، مما يؤدي إلى تآكل الدولة السودانية بشكل أعمق، مع تصاعد التدخلات الإقليمية والدولية.
أي مسار يختاره السودان؟
إن التحدي الأكبر الذي يواجه السودان اليوم ليس فقط في إنهاء الحرب، بل في تحديد مسار مستقبله السياسي. فبين قوى تسعى إلى تغيير جذري يقطع مع الماضي، وأخرى تسعى للحفاظ على امتيازاتها، يبقى الخيار أمام السودانيين في كيفية فرض مشروع وطني جديد يحقق الاستقرار دون إعادة إنتاج الأزمات القديمة.
المرحلة القادمة ستكشف ما إذا كان الحل سيأتي عبر التفاوض الجاد أم أن السودان سيجد نفسه أمام خيار إعادة تدوير قواه التقليدية، وهو ما سيحدد مصير هذا البلد الذي يقف عند مفترق طرق مصيري.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة