كما ذكرت في مقال الأمس، إن النخب الفاسدة في شمال السودان، سواء كانت دينية أو سياسية أو عسكرية، هي التي ساهمت في دمار السودان. ما ذكرته يوم أمس هو مقدمة لمشروع كتاب تحليلي علمي تشريحي لأسباب تخلف السودان. المعروف أن كل أقاليم السودان الأخرى قد إضطلعت بدورها الوطني في الثورة التي إنطلقت في القرن التاسع عشر، لكن بعد تحرير السودان، إضطلعت بعض العناصر الإنتهازية، مدفوعة بعقلية الزبير باشا، بالتعامل مع الأجنبي للقضاء على حكم الخليفة عبدالله التعايشي، العقل الإستراتيجي للثورة السودانية التي سميت بالثورة المهدية. والصحيح هو "ثورة عبد الله التعايشي"، والدليل هو أن الشخص الذي بنى أم درمان في غرب النيل وليس في شرقه. وهنا تجلت عقليته الإستراتيجية: أولاً، كي يوظف النيل كساتر، وثانياً، من أجل أن يؤمن ظهره بالمدد من الرجال. حتى أسماء الأحياء في أم درمان لها دلالات، مثل الموردة التي سميت على مورد الخيل، وكذلك العرضة التي تعني عرضة الخيل والفرسان، والملازمين، وغيرها من أسماء الأحياء في أم درمان. المدينة التي أسسها الخليفة عبدالله التعايشي مثلت السودان الحقيقي. هذا الموضوع سيأتي تفصيله في الكتاب. نعود إلى التحليل السياسي والإجتماعي للأزمة السودانية. كما ذكرت، النخب الشمالية الإنتهازية تمثلت في رجال الدين الذين يأولون الدين حسب مصالحهم، وزعماء الطوائف الدينية مثل أسرة المهدي والمرغني، مضافاً إليهم النخبة السياسية التي تحالفت مع زعماء الطائفتين، وخضعت لإرادة آل المهدي والمرغني، وكذلك العسكر الذين نفذوا إنقلابات عسكرية وسعوا للتودد لزعماء الطائفتين. أبرز مثال كان في عهد الطاغية الضلالي عمر البشير، الذي عين الإنتهازي عبد الرحمن الصادق المهدي وإبن المرغني الإنتهازي جعفر الصادق محمد عثمان المرغني مساعدين له للإستمرار في الهيمنة على الأغلبية المهمشة، بعد أن تخلص من جماعة المؤتمر الشعبي الذين كان جلهم من أبناء غرب السودان. أي محلل سياسي حصيف يصل إلى قناعة تامة أن ما تم خلال 69 عاماً الماضية هو مجرد استهبال واستغفال وإستغلال للأغلبية الساحقة من الجماهير السودانية في بقية أقاليم السودان التي تعرضت للإقصاء والظلم من قبل النخب الشمالية الفاسدة التي تعمل دوماً للاستئثار بالمال والسلطة والجاه.
سنواصل تشخيص علة السودان الإجتماعية والثقافية والسياسية، ساعين إلى فهم أعمق للمعوقات التي تعترض مسيرة البلاد نحو التنمية والعدالة. إن معالجة هذه القضايا تتطلب تمليك الشعب السوداني وعيا صحيحاً وليس زائفاً لبناء وطن جديد خال من الإستبداد والفساد والظلم وطن يلبي طموحات الشعب السوداني ويحقق آماله في الحرية والعدالة الاجتماعية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة