المجتمعات الواعية تفخر بأبنائها الذين يكشفون لها أخطاءها ويُعرون نقائصها، مما يُمكّنها من تدارك الأخطاء والتخلي عن النقائص. إن جذور الأزمات التي يعاني منها السودان تعود إلى تاريخ طويل من الهيمنة والإنتهازية، خاصة في شمال البلاد. تأسيس السودان الجديد، يتطلب الأمر معالجة جذرية للأزمات التي كانت سببا رئيسيا في تعثر تقدم البلاد.
تشخيص الأزمة عند النظر إلى الأبعاد الثقافية والاجتماعية والسياسية، نجد أن تيارات التخلف والعنصرية تتواجد بشكل ملحوظ في الشمال. فقد ساهمت النخب السياسية والعسكرية التي تنتمي إلى هذا الإقليم في تنامي عقلية الهيمنة والإقصاء، واستحواذها على السلطة والثروة. لقد إخترقت هذه النخب الإنتهازية الجيش تحت راية تنظيم الإخوان المسلمين المعروف بـ"الكيزان"، مستغلين الجهل والفقر الذي يعاني منه المجتمع. هذه العقلية الرجعية تشبه تلك التي ميزت الزبير باشا، الذي مارس تجارة البشر، وهي مهنة لا يمارسها سوى المجرمين والانتهازيين وتعتبر خيانة للوطن. تتجلى هذه العقلية أيضا في تصرفات رؤساء الطوائف الدينية مثل محمد عثمان المرغني وأسرة المهدي، التي حولت أتباع هاتين الطائفتين إلى قطيع، مستفيدة من ضعف الوعي السياسي. إن فهم الأبعاد التاريخية والإجتماعية والثقافية لهذه الظواهر يعد أمرا بالغ الأهمية، حيث إن تشخيص الداء هو الخطوة الأولى نحو الحصول على الدواء. علاوة على ذلك، نجد أن العديد من المثقفين والإعلاميين والسياسيين والكتّاب قد انحازوا إلى معسكر الحرب، رغم معرفتهم بالأطراف التي تآمرت على الثورة والدولة والمجتمع. هذه الانتهازية جعلت بعضهم ينحاز صراحة بينما التزم آخرون الحياد، في مرحلة لا تقبل أنصاف الحلول. هذا الوضع يعكس الضمور الأخلاقي الذي جعلهم معاقين فكريا وسياسيا في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ السودان. الأبعاد الإجتماعية والاقتصادية لقد لعب شمال السودان دورا كبيرا في تأخير تقدم البلاد، إذ يعاني الإقليم من نقص الموارد الاقتصادية، بالإضافة إلى طبيعة بعض ممارسات سكانه القائمة على الانتهازية وإستغلال الآخرين. هذا السلوك ليس بجديد، بل له جذور تاريخية تعود إلى فترات سابقة، مثل تجارة البشر التي مارسها الزبير باشا لتحقيق مصالح شخصية. لذلك، فإن هذا السلوك الإنتهازي المتواصل منذ الماضي وحتى الآن يحتاج إلى تعرية وفضح من خلال التحليل والنقد والتوصيف. إن شمال السودان بحاجة إلى دعم بقية الأقاليم للخروج من هذا السلوك الانتهازي الذي حطم آمال الشعب. يتطلب ذلك تبني نموذج سياسي وطني فيدرالي ديمقراطي علماني، يكون قادرا على إنهاء رحلة الضياع التي مر بها السودان. دعوة للتغيير والتعاون في الأيام المقبلة، سنواصل تشخيص علة السودان الاجتماعية والثقافية والسياسية، ساعين إلى فهم أعمق للمعوقات التي تعترض مسيرة البلاد نحو التنمية والعدالة. إن معالجة هذه القضايا تتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف لبناء مستقبل مشرق يعكس طموحات الشعب السوداني ويحقق آماله في الحرية والعدالة الاجتماعية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة