فى زاوية مقهى "تكة" المظلمة، كان هناك ركنٌ خاصٌ بكاتبٍ غائب لم يعد يظهر. كانت تّرسل إلي ركنه رسائلها الملونة كما أوراق وازهار الغابات الاستوائية، أوراقًا تحمل كلماتٍ من القلب وانفاس الخاطر، وأحلامًا تتراقص على الورق. كانت الأوراق تتراكم، تفيض، تتساقط على الأرض، تخلق عالمًا سريًا بينها وبين الكاتب الغائب. كان صاحب المقهى، يراقب هذا المشهد بصمتٍ، يرى في الأوراق الملونة قصة حبٍ صامتة، قصة شوقٍ وأمل. كان يحفظ كل ورقةٍ بعناية فى مكانها، يرى فيها جزءًا من روح الكاتب، جزءًا من قلبها . ذات صباح، دخل عامل نظافةٍ جديدٍ إلى المقهى، لم يكن يعرف أهمية تلك الأوراق، فجمعها كلها، وألقى بها في السلة فتطايرت إلى الشارع. عندما وصل صاحب المقهى، رأى الركن خاليًا إلا من قليل على الطاولة، شعر بقلبه ينقبض، كأن جزءًا من روحه قد ضاع. في ذلك الصباح، بينما كانت المدينة تستيقظ، وجد شابٌ كومةً من الأوراق الملونة ملقاةً في الشارع. التقطها، قرأ بعض الكلمات، شعر بفضولٍ غريبٍ يدفعه إلى قراءة المزيد. بعد أيام، ظهر كاتبٌ جديدٌ في المدينة، يوقع روايته الأولى. كان يحكي عن معاناته في الكتابة، عن بحثه عن الإلهام، عن الأوراق الملونة التي اشتراها من بائع خردة، والتي كانت مصدر إلهامه. شَاهدت اللقاء، أَدركت أن رسائلها قد وقعت في الأيدي الخطأ. لم تدعِ ملكيتها، لم ترفع قضية. كانت تعرف أن الحب لا يُملك، وأن الكلمات لا تُسرق. لكن ، صاحب المقهى، لم يستطع أن يراها حزينة. كان يعرف أن الكاتب الحقيقي هو من يكتب من قلبه، وليس من يشتري الكلمات. في إحدى الأمسيات، بينما كان المقهى خاليًا، اقترب صاحب المقهى منها، وقال لها: "كلماتكِ لم تضع ، كلماتكِ زرعت بذور الحب في قلوبنا، وستظل تنمو إلى الأبد." نظر إليها بعينين مليئتين بالحب، وقال: "أنتِ الكاتبة الحقيقية، أنتِ من كتبتِ قصة الحب التي نعيشها." في تلك اللحظة، أدركت أن الحب لا يحتاج إلى كلماتٍ مكتوبة، بل يحتاج إلى قلوبٍ تنبض بالصدق. وأدركت أن صاحب المقهى، كان هو من فهم رسائلها، هو من رأى قلبها، هو من أحب كلماتها. احضر صاحب المقهى حبال ملونة من الجوت وسعف النخيل وقصب البامبو أحاط بها الركن وعلق لافتة كتب عليها ممنوع النظافة والاقتراب والتصوير وصدح صوت موسيقى المامبو السودانى !!!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة