التعديلات المقترحة على الوثيقة الدستورية تمثل خطوة مستهجنة في مسار السلطة السياسية السودانية، وتثير تساؤلات حادة حول جدوى هذه التعديلات من الناحية القانونية، الشكلية والموضوعية. زيادة مقاعد القوات المسلحة في مجلس السيادة ومنحها صلاحية ترشيح رئيس مجلس السيادة والتوصية بإعفائه، إلى جانب تمديد الفترة الانتقالية، جميعها تدل على محاولة لتوطيد النفوذ العسكري على العملية السياسية في السودان. علاوة على ذلك، تعديل المصطلحات لتوحيد القيادة العسكرية تحت مسمى "القوات النظامية" وإلغاء ذكر "الدعم السريع" قد يبدو خطوة تهدف إلى تقليص دور هذه المليشيات المتهمة بالتسبب في الكثير من الفوضى والدمار، لكنه في الوقت نفسه قد يشير إلى محاولة لتقنين وجود هذه القوات بشكل غير مباشر في المستقبل.
المدة الزمنية الطويلة للفترة الانتقالية التي تصل إلى 39 شهراً، بدلاً من المدة التي كانت متوقعة في الوثيقة السابقة، تدفع إلى التساؤل عن دوافع تمديد هذه الفترة في ظل الوضع الراهن. ورفع عدد أعضاء مجلس السيادة إلى تسعة مع استمرار تمثيل أطراف سلام جوبا يعكس رغبة في تضمين مختلف القوى في العملية السياسية، لكنه في الوقت نفسه يعزز من السلطة العسكرية ويقلص من دور القوى المدنية.
على صعيد الوزارات، فإن العودة إلى عدد الوزارات الكبير (26 وزارة) بعد أن كان متوقعًا تقليصه إلى 16 يُظهر غياب الالتزام الجاد بمبدأ تقليص حجم الحكومة وتحسين كفاءتها. هذا التعديل يعكس رغبة في إرضاء مختلف الأطراف السياسية على حساب المصلحة العامة، ما يثير الجدل بشأن قدرة الحكومة على التعامل مع الأزمات الاقتصادية والسياسية الراهنة.
تلك التعديلات لا تقتصر على كونها عبثًا دستوريًا بل تحمل في طياتها تحديًا حقيقيًا لمفهوم الانتقال الديمقراطي. من الناحية القانونية، فإن هذه التعديلات تمثل تجاوزًا للمبادئ التي بنيت عليها الوثيقة الدستورية الأصلية، إذ يبدو أن القوى العسكرية تسعى لإعادة صياغة المشهد السياسي وفقًا لأجندتها الخاصة بعيدًا عن التوازنات التي كانت تسعى الوثيقة لتحقيقها.
ردة فعل القوى المدنية، سواء المتضامنة مع الحكومة أو الموازية لها، ستكون حاسمة في تحديد مصير هذه التعديلات. القوى المدنية الموالية للحكومة ستكون في مواجهة تحدٍ حقيقي في ظل هذه التعديلات التي تعزز من هيمنة القوات المسلحة على السلطة، ما قد يقود إلى مزيد من التوتر بين الأطراف السياسية. في المقابل، القوى المدنية التي تدافع عن الحكم المدني الكامل في السودان قد ترفع صوتها عاليًا ضد هذا العبث الدستوري، وتعتبر هذه التعديلات بمثابة انقلاب على المبادئ الأساسية للوثيقة الدستورية.
صمود القوى المدنية سيكون على المحك، فهذه التعديلات قد تؤدي إلى مزيد من الاحتقان السياسي، لا سيما في حال استمرار محاولة الجيش والمليشيات تقليص الدور المدني في عملية التحول الديمقراطي. من الناحية القانونية، تظل هذه التعديلات موضع جدل قانوني، حيث يمكن أن يتعارض تعديل بنود الوثيقة الدستورية بهذا الشكل مع مبادئ العدالة الانتقالية التي تم الاتفاق عليها من قبل، ما قد يعزز من مشاعر الإحباط والرفض لدى الشارع المدني. إذا لم يتم الوقوف ضد هذا العبث، قد تتجه البلاد نحو مزيد من الانزلاق نحو حكم عسكري مطلق، ما يعيق أي تقدم حقيقي نحو الديمقراطية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة