في زمن العجائب، خرج علينا قومٌ يحملون أختامَ السماء في جيوبهم، وأوراقَ الغفران في أيديهم، وتفويضًا إلهيًا مختومًا بخاتم النبوة – حسب زعمهم – ليحكموا على الناس بالكفر والإيمان، وليُقسّموا البشر بين جنات النعيم وحفر الجحيم، كأنَّ خزائن الرحمة لا تُفتح إلا بمفاتيحهم، وكأنَّ الله استقال من إدارة الكون، وفوّضهم ليكونوا وُكلاءه الحصريين في الأرض!
يجلس أحدهم فوق عرشه المصنوع من عظام الأبرياء، يُمسك بآية قرآنية هنا، وحديث نبوي هناك، يقطّعها كما تقطع السكاكين اللحم، يأخذ منها ما يُناسب هواه، ثم يلوّح بها في وجوه العابرين كأنها صكّ إدانة لكل من يجرؤ على التفكير. وإن سألته عن الرحمة، زمجر كوحشٍ جائع، وإن ذكّرته بأن الله واسع المغفرة، صاح في وجهك: "أأنتَ أفقهُ مني في الدين؟!".
لا يرى هؤلاء من الدين إلا ما يُناسب شهواتهم للسلطة، لا يُبصرون في القرآن سوى ما يخدم سيوفهم، ولا يلتفتون إلى "وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين"، لأنَّ الرحمة لم تكن يومًا بضاعة رائجة في أسواقهم السوداء!
يسيرون في الأرض كأنهم آلهةٌ مُتنكّرة، يُصدرون الفتاوى كالرصاص، ويُطلقون الأحكام كالسياط، يجلدون هذا، ويكفّرون ذاك، ويذبحون ثالثًا لأنه صلّى بطريقةٍ لم ترُق لهم. هم شيوخ الدم، دُعاة القتل، فقهاء المقاصل، يجلسون على عروش الوهم ويعتقدون أنهم يحكمون الناس باسم السماء، وما دروا أن السماء تتبرأ منهم كما يتبرأ الذئبُ من دمِ ابن يعقوب!
إن سألتهم عن العدل، قالوا: "نحن نُقيم شرع الله"، وإن سألتهم عن المساواة، قالوا: "نحن نفرز الطيب من الخبيث"، وإن سألتهم عن أرواح الأبرياء، قالوا: "دمهم هدرٌ، لأنهم لم يؤمنوا بما نؤمن به". فكيف تطلب العدل من جزارٍ لا يرى في الإنسان إلا عنقًا يصلح للذبح؟!
هؤلاء ليسوا وكلاء الله في الأرض، بل هم وكلاء الكراهية والجهل، هم صُنّاع الفتن وسدنة الظلام، يبيعون الوهم للناس، ويُضلّلون العوام، ثم يتقمّصون دور الأنبياء المُصلحين. غير أنهم نسوا أنَّ الله ليس بحاجةٍ إلى سفّاحين، وأن الدين لم يُنزَل ليكون سيفًا على رقاب الناس، بل نورًا يُضيء لهم الطريق.
فيا أيها الدجّالون، يا من تتاجرون بالله، كفاكم عبثًا بأرواح الناس، ودعوا ربَّ الناس يتولّى عباده برحمته، فليس في الأرض مكانٌ لآلهةٍ مزيفة تعبد نفسها، وتظنُّ أنها تُدير شؤون السماء!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة