التدمير الممنهج للبنية التحتية في الحرب السودانية سؤال حيّر الخبراء والمحللين ففي احاديثهم للفضائيات يتكرر استغرابهم لهذا الشيء الذي لم يعهدوه في الحروب الاخري فقد كان هناك نهج واضح لاتلاف الخدمات والمرافق بصورة تنم عن نية منعقدة وسبق اصرار وترصد اتلاف خطوط المياه والكهرباء الصهاريج والطلمبات واعمدة الكهرباء وخراطيش المياه والمحولات والمحطات والمستشفيات والمدارس والجامعات والطرق والجسور والاندية ومراكز الشباب والملاعب ودور الثقافة والترفيه ..الخ ..الخ لكن هناك سبب بالطبع نحن في السودان لدينا الروابط الاسرية وطيدة الناس يفتخرون دائما باهاليهم ويرددون ان: (العز اهل) و(البكاء بحرروه اهلو) ولكن هذه "الاهلية" لديها مشكلة واحدة ولكنها مشكلة كبيرة وعويصة: الحسد بين الاقارب وثقافتنا في هذه المسألة ثقافة رديئة جدا (ود ابوك نارا تلهبوك) وايضا (اكلوا إخوة واتحاسبوا تجار) !! ونحن لم نستفد من قصة يوسف في القرآن فعنوان القصة هو الحسد بين الإخوة ولكن بعض السذج يعنونون القصة انها عودة الابن الضائع الي أهله وأبيه !! لكن يوسف اضاعه اخوته وكان ذلك عن عمد حسدا منهم ولذلك لم يفهم الناس امر النبي الأب يعقوب لابنائه الا يدخلوا مصر من باب واحد فهو كان يخشي عليهم من انفسهم وليس من المصريين عندما يدخلوا مصر حيث تنتشر المتع والبهارج والزخارف فخشي ان تجعلهم يتنافسون عليها فيكرروا ما فعلوه بيوسف قبل فترة وجيزة من بدء الحرب سألني احد اصدقاء الميديا من ولاية النيل الازرق فقال ان أبناء عمومتهم يشنون عليهم حربا شرسة وقد قتلوا منهم العشرات فماذا نفعل فقلت له خذ اطفالك واخرج من تلك البلدة ولا تعد اليها فإنه لا ينفع ان تقاتل ابناء عمومتك وطبعا كلنا يعرف السبب وراء تلك الحروب الجاهلية ان بهائم هؤلاء دخلت حوّاشة اولئك !!! وطالما ذكرنا النيل الازرق دعونا نذكر النيل الأبيض فقد ظلت بنت العم تهدد جارتها: "بكُتْلِك" لو غنمايتها دخلت زريبتهم وهذا بالطبع مجرد لفظ توجهه الأم حتي لأولادها عشرات المرات في اليوم الواحد: إن فعلت كذا.. "بكتلك" آخر مرة قالت لها ان هذه المرة الأخيرة فأخذتها تلك علي محمل الجد لأنها كانت نحيفة وكانت بنت عمها بدينة فخبأت سكينا تحت ثوبها وطعنتها وصادفت السكين الرقبة والمسكين السكين ذهبت الي السجن ومع انها حوكمت بثلاثة سنوات لكنها قضت سنتين اضافييتين بسبب التأخر في دفع الديّة نحن لا نكره النيل الأبيض فلا أحد يمكن ان يكره ذلك الوادي الساحر الذي نعتقد اعتقادا جازما أنه جنة الله في الأرض مثلما قال جماع: وادٍ من السحرِ أم ماءٌ وشُطآنُ أم جنةٌ زفّها للناسِ رضوانُ وأجمل ذكريات الطفولة التي لا تزال عالقة بأذهاننا تلك الرحلات الجميلة بالشواطيء الشرقية الساحرة الخلابة بشمال النيل الأبيض ولكن الجمال دائما ما يصحبه الغباء واللعنة ولا أريد هنا ان اسهب في الكلام علي حرمة الدماء لكن قتل الأقارب والأخوة منتشر في كل اريافنا وبوادينا إن لم يكن قتلا ماديا كان قتلا معنويا؛ وكما قال الشاعر: وظلمُ ذوي القربي أشدُّ مضاضةٍ علي المرءِ من وقعِ الحسامِ المهنّدِ وواضح جدا أن ما يحدث لنا اليوم هو أشبه.. بقارعة: {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا [قارعة]} والكفر ذكر مقابل الشكر: {انا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} فالحرب .. بدأت فجأة .. وبدون اسباب .. ولا مقدمات .. وحتي العدو .. غير معروف .. فالذين يقتلونك اليوم سيكون مقتلهم غدا بأيديهم انفسهم إن لم يكن بيد اعدائهم والآن الحرب تسير إلي نهايتها لأن الناس بدأت تثوب إلي رشدها فالقرح قد مسّ هؤلاء مثلما مسّ أولئك من كان يظن ان آباءنا المسنين يقضون أواخر أيامهم في السفر والترحال والتغرّب بالأمس عادت كتائب كيكل واليوم يعود كبار مستشاري الدعم لأنهم اقتنعوا ب "عبثية" الحرب هكذا كان وصفها من أول يوم ونتمني عودة القادة العسكريين من كان يظن أن الراحل جون قرنق يشرب القهوة في القصر الجمهوري وأن جبريل الذي اغتيل أخاه بالأمس وقتل شر قتلة هو اليوم أهم وزير في الحكومة يعطي من يشاء ويمنع من يشاء ومالك عقار.. الذي تمرد ثم عاد حاكما تم تمرد وازداد تمردا ها هو الآن في خانة نائب الرئيس فهذه الحرب العبثية الدائرة الآن إنما هي عقاب إلهي بعد أن أضل الشيطان منا جِبِلّا كثيرا الشيطان صنعته ان ينزغ بين الإخوة واولاد العم وهذه الحرب صورة مكبرة لنزاعات الاخوة ونزاعات ابناء العم لأن الناس للأسف لا يعلمون ان الأخ او ابن العم ان منع شاة اخيه او ابن عمه ان تدخل مزرعته وجاعت الشاة ولم تحلب فإن اخيه او ابن عمه مسؤول من اطعامه فهذه هي حقوق ذوي القربي التي يذكرها القرآن دائما بعد حقوق الوالدين مباشرة: {وبالوالدين احسانا وذي القربي} [البقرة: ٨٣] {وبالوالدين إحسانا وبذي القربي} [النساء: ٣٦] وقد تكلمنا في هذا عندما قلنا ان صلة الرحم إنما هي باليد وليس بالرجل لكن رجال الدين الكيزان يصرون ان صلة الأرحام زيارة فقط !!! زيارة للغني وزيارة للفقير !! هؤلاء هم من حذر منهم النبي: (الأئمة المضلين) !! فالكيزان مسؤولون في المقام الأول من تدمير البناء الأخلاقي للمجتمع السوداني وبالمناسبة.. نلاحظ أن هناك خلط في مصطلح (الكيزان) فهل "الكيزانية" هي الجمع بين الدين والسياسة عموما؟ ام بين الدين والعمل الحزبي والحكم؟ هنالك فرق بالطبع وذلك ما سنبيّنه إن شاء الله في مقال لاحق.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
محمد الصادق
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست