في ظل التاريخ السياسي المعقد للسودان، ظلّ الصحفيون في طليعة النضال من أجل الحريات المهنية والاستقلال عن الوصاية السياسية، سواء من الحكومات العسكرية أو الأحزاب الأيديولوجية. وقد كانت نقابة الصحفيين السودانيين إحدى أبرز الكيانات المهنية التي تأسست حديثًا بعيدًا عن التأثير المباشر لجماعة الإخوان المسلمين، مما جعلها مستهدفة من عدة جهات ترغب في إعادة هندسة المشهد الإعلامي لصالحها.
تاريخ من النضال والصمود على مدى عقود، سعى الصحفيون السودانيون إلى إنشاء نقابة تعبر عن تطلعاتهم المهنية، ولكنهم واجهوا عراقيل سياسية وأمنية حالت دون ذلك. فقد ظلّت الأنظمة المتعاقبة تستخدم وسائل عدة للسيطرة على العمل الصحفي، بدءًا من القوانين المقيدة، مرورًا بالملاحقات الأمنية، وصولًا إلى اختراق النقابات من الداخل عبر واجهات سياسية.
لكن بعد سقوط نظام البشير في 2019، تجدد الأمل في بناء نقابة حرة ومستقلة، وجاءت انتخابات نقابة الصحفيين كتتويج لهذا النضال الطويل، حيث تم انتخاب قيادة نقابية بعيدة عن سيطرة الإسلاميين، مما جعلها عرضة لهجمات مكثفة من تيارات تسعى إلى إضعافها.
التحديات الحالية: معركة ضد التمزيق والتسييس منذ تأسيس النقابة، تواجه القيادة المنتخبة حملات مستمرة تهدف إلى إضعافها وتفكيكها، مستغلة الخلافات الداخلية في الجسم الصحفي. هذه الحملات لا تأتي من فراغ، بل تقف خلفها جهات حزبية ذات مصالح محددة، تسعى إلى السيطرة على النقابة أو دفعها إلى حالة من الشلل وعدم الفاعلية، حتى يتم تسليمها إلى قوى أكثر ولاءً لأجنداتها.
وتشير مصادر داخل الوسط الصحفي إلى أن الاستقالة المفاجئة لنقيب الصحفيين عبدالمنعم أبو إدريس ليست بعيدة عن هذه الضغوط، حيث تعرض لانتقادات ممنهجة ومحاولات تشويه مستمرة من جهات ترى في استقلالية النقابة خطرًا على مصالحها.
لماذا النقابة مستهدفة؟ السبب الرئيسي لاستهداف نقابة الصحفيين يعود إلى كونها واحدة من الكيانات المهنية القليلة التي نشأت خارج نفوذ الإسلاميين، على عكس العديد من النقابات والاتحادات التي ظلت خاضعة للتأثير الحزبي منذ عقود. هذه الاستقلالية جعلت النقابة عقبة أمام محاولات إعادة ترتيب المشهد الإعلامي السوداني لصالح جهات بعينها، وهو ما دفعها إلى أن تصبح ساحة صراع بين القوى المتنافسة.
إضافة إلى ذلك، فإن نقابة الصحفيين لعبت دورًا مهمًا في الدفاع عن حرية الصحافة والتصدي لمحاولات التضييق على الإعلاميين، وهو أمر لا يروق لكثير من الأطراف التي تفضل إبقاء الصحافة تحت سيطرة سياسية مباشرة.
هل تصمد النقابة أمام العواصف؟ إن المرحلة القادمة ستكون حاسمة لمستقبل نقابة الصحفيين السودانيين، حيث يتوقف بقاؤها وقوتها على مدى وحدة الصحفيين أنفسهم في مواجهة محاولات الاختراق والتفكيك. فكلما تمكن الصحفيون من الدفاع عن نقابتهم ككيان مستقل، زادت قدرتهم على حماية حريتهم المهنية، والعكس صحيح.
وفي هذا السياق، يصبح دور القيادات النقابية حاسمًا، إذ إن استقالة شخصيات معتدلة مثل عبدالمنعم أبو إدريس قد تكون نقطة انطلاق لتفكيك النقابة من الداخل، وهو ما يدركه الصحفيون الذين يطالبونه الآن بالتراجع عن قراره والاستمرار في قيادة النقابة حتى لا تسقط في أيدي الأطراف التي تسعى لتحويلها إلى أداة حزبية.
معركة الاستقلال مستمرة إن معركة الصحفيين السودانيين في بناء نقابة حرة ومستقلة لم تنتهِ بعد، بل دخلت مرحلة أكثر تعقيدًا في ظل الصراعات الحالية. ورغم التحديات، يبقى الأمل معلقًا على قدرة الصحفيين على التماسك والدفاع عن نقابتهم، ليس فقط من أجل أنفسهم، ولكن أيضًا من أجل حرية الصحافة في السودان، التي تعد واحدة من أهم ركائز الديمقراطية والحكم الرشيد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة