بسم الله الرحمن الرحيم { مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا .. وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ }
(1-2)
للمرة الثانية يحتفل الحزب الجمهوري المنشق، بقيادة الأستاذة أسماء محمود، بذكرى الأستاذ محمود محمد طه.. وفي هذا الاحتفال كما في الاحتفال السابق، يقدموا اشخاصا غير جمهوريين للحديث عن الذكرى.. وقد كان د. النور محمد حمد متحدثا اساسيا في الاحتفال الأول، مع د. عبدالله احمد النعيم.. والآن في هذا الاحتفال الأخير د. النور هو المتحدث الاساسي.. وحديث النور، في هذا الاحتفال مفارق للفكرة، كما هو الحال في الاحتفال السابق. لقد كتب الأستاذ عمر هواري ردا مسددا وموضوعيا، على حديث النور.. فهو يذكر أقوال النور كما هي، ثم يرد عليها.. وكتابة الأخ هواري في هذا المجال تكفيني، وأريد هنا أن أتناول أقوال د. النور بصورةٍ مبدئية. من حق د. النور أن يرى ما يشاء، وهو حر في ذلك.. ولكن قطعاً هو ليس حراً في أن ينسب أفكاره الخاصة للآخرين !! فدكتور النور محمد حمد تحدث بصفته جمهوري، وهذه مفارقة اساسية خطيرة .. فهو ليس بجمهوري، وأعلن أنه ترك الفكرة، وذكر اسباباً لذلك، وسنورد قوله هنا .. فعليه، ليس من حق النور الحديث باسم الفكرة طالما أنه تركها، وكان ينبغي ان يكون رجلاً حراً لا ينسب اقواله لغيره .. هذه هي المفارقة الأساسية في حديث د. النور .. وقد جاء حديث د. النور في جملته مناقضاً لدعوة الأستاذ محمود .. ففي حين ان دعوة الأستاذ في جوهرها تقوم على السلام، وتبشر بالسلام الشامل الذي سيعم الارض بمجيء الموعود، فإن دعوة د.النور، عكس ذلك، تدعو إلى الحرب والعسكرة !! فدكتور النور في جملة حديثه يرى انه لا مجال لاقتلاع تنظيم الاخوان المسلمين إلا إذا انشأ التنظيم المدني المعارض له جناحاً عسكرياً!! وهذه دعوة لاستمرارية الحرب.. وأنا أقول أنه من حقه أن يدعو للحرب كما يشاء، على أن يتحمل مسؤولية دعوته فلا ينسبها للآخرين. خروج د.النور من الفكرة: خرج د. النور من الفكرة الجمهورية خروجا معلناً منذ 20 فبراير2018 وهو خروج مسبب !! فلقد جاء في لقاءٍ إذاعي مع د.النور ما نصه : (انا ما داعية اليوم، ما داعية !! لست داعية !! وما مشغول بي .... مشغول بي قضايا محدودة جدا .. يعني مشغول بي قضايا تتعلق بالهوية، قضايا تتعلق بتحسين اوضاع الإنسان السوداني.. تتعلق بي كده.. لكن المنظومة الفكرية الايدولوجية القابضة، التي تصب كل شيء في داخلها، ده انا خرجتا منو، بما في ذلك ما يتعلق بالفكرة الجمهورية .. يعني انا لست من الذين يعتقدون أن الفكرة الجمهورية هي الفكرة التي يعني لا بد لكل الناس – زي ما كنا بنقول قبل ثلاثين سنة – ينضووا تحت لوائها ، وهي الفكرة الخاتمة)!! 1 حسب هذا القول الواضح ، ليس من حق د.النور أن يتحدث من منطلق انه جمهوري، هذا تضليل، وعدم التزام بقيم الموضوعية وبالقيم العامة.. وقد رأينا بالفعل عدد من الذين ضللوا بكلام النور، وبكلام الاخرين الذين خرجوا من الفكرة، وهم يذكرون أقوال هؤلاء منسوبة للفكرة.. ولعل الكثيرين ليسوا على علم بخروج د. النور، ومن هم على شاكلته امثال د. عبدالله احمد النعيم، فتضللهم أقوالهم عن الفكرة، ولو كان هؤلاء على اطلاع على الفكرة لردوا على هؤلاء الخارجين. عمل د. عبدالله احمد النعيم في تشويه الفكرة هو عمل استراتيجي، يقوم على محاولة واهية على هدم الفكرة، وهدم الإسلام وهدم الاديان السماوية عموماً، ولمصلحة اعداء الإسلام في الغرب!! وهو عمل هزيل جدا، ومفضوح، ولا يجوز على عاقل.. فدكتور النعيم يهدم جميع اساسيات الفكرة، وهي أساسيات الإسلام .. فهو يتحدث عن الله تعالى حديثاً مفارقاً، وكذلك عن القرآن – فهو لا يؤمن بالقرآن ولا بنبوة المعصوم، إلى آخر هذه الهرطقات، كما يسميها هو. د. النعبم ينسب جميع اقواله المفارقة بصورة كلية للدين، وللإستاذ محمود ودعوته، وذلك حين يزعم انه تلميذ للأستاذ محمود: في جميع احواله، وفي جميع أقواله في الشأن العام .. وهذا زعم لا يجوز على أحد له ابسط إلمام بالفكرة الجهورية .. و د. النعيم لا يضر إلا نفسه. د. النور يسير على نفس طريق النعيم، ولكن بصورة أقل تطرفاً بكثير، من صورة د.النعيم .. والأمر المشترك بينهما هو انهما ينسبان افكارهما الخاصة، والمناقضة للفكرة الجمهورية، ينسبانها للأستاذ محمود ودعوته.. وهما يتعاونان في عملهما هذا، كما رأينا في الاحتفال السابق بالذكرى. هذه هي القضية الاساسية: ليس من حق د. النور محمد حمد أن ينسب أفكاره المفارقة للفكرة الجمهورية، د. النور ينسب أقواله للفكرة عن طريق التحدث باسمها.. نقبل جدا، ان ينقد د. النور الفكرة ونرد عليه.. أما أن ينسب لها خلاف ما تقول به، أو عكس ما تقول به، فهذا ما لا يجب أن يكون!!
الامر قديم: إعلان د. النور خروجه عن الفكرة الجمهورية، ليس هو البداية الحقيقية لهذا الخروج !! وقد ظل لوقت طويل يذيع افكارا مناقضة للفكرة، من حيث المحتوى الفكري، ومن حيث القيم .. وقد اتفق لي أن تصديت للعديد من اقواله هذه في وقتها .. والآن نذكّر ببعضها. مثلا في رسالة له ارسلها لبعضنا – وأنا من بين الذين ارسلها إليهم – يقول : (ولو نزل المسيح فجأة بيننا فعلام التعب ؟ وقتها سوف يؤمن كل شخص، وسوف تخضع اعناق البشر، والشجر، والحجر والمدر، فما حاجتنا وقتها إلى التخطيط أو التنفيذ؟! هل اقول لك شيئاً، ربما تجده، او ربما يجده غيرك، مِن مَن سأبعث لهم بهذه الرسالة، غير ملائم بعض الشيء، وهو: أنني اصبحت أحس ان الحياة بعد نزول المسيح، بالصورة التي ظللنا نرسمها لها، أو قل على وجه الدقة، التي ظللت ارسمها لها أنا، حياة مملة جدا، بل وسخيفة)!! 2 هذا قول ورد من د. النور قبل زمن طويل من إعلان هذا الخروج .. هذا القول هو نقيض الفكرة تماماً، فالفكرة هي دعوة للإسلام في اصوله .. وهي في المنهاج تقوم على طريق محمد صلى الله عليه وسلم .. اما في التطبيق على المجتمع ككل، فهي تقرر بصورةٍ واضحة ان هذا التطبيق لا يتم إلا بعد مجيء الإذن والمأذون!! والمأذون، حسب الفكرة، هو المسيح المحمدي.. هنالك تفاصيل كثيرة في هذا الصدد.. وبمجيء المسيح لا يصبح في الأرض إلا مسلماً، ويدخل الناس جميعهم في الإسلام، يقول تعالى: "هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرْسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًا" .. وتتوج بذلك جميع رسالات السماء، يسود السلام في الأرض، في جميع بيئاتها، حتى ان شجر الشوك، يفقد شوكه لعدم الحاجة إليه .. وتتحقق جنة الارض، التي جاءت في قوله تعالى " وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ" .. هذه هي القمة التي ظلت جميع الأديان تعمل لها، بل جميع حركات التطور في الارض، تستهدفها.. هذه البشارة هي دعوة الأستاذ محمود الاساسية، وقد جاء الإذن بالتبشير بها، مما يؤكد انها أمر قريب الحدوث.. فحياة الإسلام، التي يسود بها السلام، وتتحقق بها جنة الارض، هي عند د. النور هي مملة جدا وسخيفة!! هل يمكن أن يكون هنالك جحود أكثر من هذا ؟! انظر إلى هذه الجرأة الغريبة ؟! إن من ينتقد أعظم ما يقدمه الله تعالى لخلقه، بهذا الشطط، طبيعي ان لا يعجبه أحد ولا شيء في هذا الوجود!! ولكن د. النور لم يقل لنا ما هو الذي يراه أفضل من جنة الارض؟! إن من يتجرأ على الله تعالى بهذه الصورة، لا ينتظر إلا أن يتجرأ على خلقه، بالباطل!! لقد كان د. النور كثيرا ما يساند الذين يهاجمون الفكرة.. وعندما نقوم بالرد على هؤلاء، يقوم هو من جانبه بمهاجمة ردي!! وأوضح مثال على ذلك، دفاعه عن الأستاذ بدر الدين السيمت، و رده على أقوالي التي توضح باطل مزاعم السيمت.. من أقوال د. النور في هذا الصدد، ما نصه: (ففكر الأستاذ محمود محمد طه مطروح لكل الناس كافة، ولا يحق لأي احد إحتكاره .. بل إن محاولة إحتكاره بدعوى الصحة في الترجمة عنه متعذر من الناحية العملية) 3 .. يعني ليس من حق أي جمهوري أن يقول إن من يعارض الفكرة على خطأ ويصححه، وليس فهم الجمهوري بأصح من فهم الآخر!! ويواصل فيقول: (فالأمر مفتوح على كل الارض .. ولذلك فأنه لكل فرد الحق في فهمها وفي الترجمة عنها) 4 .. ويقول ايضا: (إدعاء الغيرة على الفكرة الجمهورية، والحرص على حمايتها إدعاء اجوف، وهو واحد من مؤشرات العزلة)!! 5 و د. النور يزعم أنه لكل فرد الحق في فهم الفكرة كما يريد وليس لأحد حق الرد عليه وتصحيح الخطأ في قوله على اعتبار أنه يخالف الفكرة .. فحسب زعمه هذا لا يوجد فهم صحيح وفهم خطأ. المنهاج: هكذا، عند د. النور الفكرة الجمهورية في جانبها الفكري قابضة، وتطبيقها لا ينتج إلا حياة مملة وسخيفة!! وكل هذا لا يقيم عليه أي دليل.. فهو لم يوضح المعنى الذي به الفكرة قابضة، والفكرة هي الدعوة إلى أصول القرآن، ومن تكون أصول القرآن عنده قابضة، فليبحث عن عقله وعن حسه!! والفكرة في جانب السلوك الفردي هي دعوة لكل الناس لتجويد تقليد المعصوم صلى الله عليه وسلم، ليرتقوا بحياتهم إلى حياة الفكر والشعور - حياة الإنسان - وهي أكمل من حياة البشر الحاليين بآماد بعيدة، ولكن د. النور يرى عكس ما نرى، فهو ضد المنهاج، وضد السلوك الذي يقوم عليه!! اسمعه يقول: (تعود الجمهوريون ذلك النمط من العيش البسيط المنحصر، واصبحوا من ثم يستوحشون من حياة المجتمع العريض.. وقد خلف ذلك العيش المنحصر الذي يشبه خلوات الصوفية، شُقة من نوع ما، بينهم وبين اهليهم وذويهم، واصدقائهم.. ويمكن القول ان الجمهوريين احبوا تلك العزلة السلوكية واستمرؤوها).. 6 اولاً قول د. النور إن الجمهوريين يستوحشون من حياة المجتمع العريض، وانهم يعيشون في خلوة كخلوات الصوفية مما جعل هنالك شُقة بينهم وبين اهلهم وذويهم، كله بهتان عظيم، يدل على غياب تام للورع.. الجمهوريون يعيشون في المجتمع ويشاركون في كل مناسباته التي تستقيم مع قيم الدين، بصورة واضحة ومميزة، وهذا ما يعرفه كل الذين يعرفون الجمهوريين.. يقول د. النور عن التجربة السلوكية ما نصه: (مدخل التسليك الذي صممه الأستاذ محمود محمد طه، ورعاه بنفسه، كان مدخلاً محاطاً بإطار محكم من العزلة عن حياة المجتمع العريض.. وهي عزلة فرضها ما تم استعارته من منهاج التصوف، خاصة في مفهوم الخلوة).. 7 ود. النور لأنه يعلم انه يكذب بصورة فاضحة يستدرك فيقول: (هذا مع ملاحظة ان الأستاذ محمود محمد طه قد ذكر حين دعا إلى طريق محمد، ان عهد الخلوة في الفلوات والمغارات قد انتهى.. فالخلوة العصرية في الأدب الجمهوري المكتوب، هي خلوة الثلث الأخير من الليل.. اما الجلوة فهي جلوة النهار، حيث يختبر السالك محصول عبادته في الليل، فيما يصدر منه من قول وعمل حين يحتك بالمجتمع العريض، في نهار كل يوم جديد)!! 8 هذا القول الأخير ينفي بصورة تامة البهتان الذي سبقه، كما ان الواقع العملي أوكد في هذا النفي.. والأستاذ محمود يعيش ما يقول، وربى تلاميذه على هذه القيمة.. مدخل السلوك في الفكرة كما يزعم د. النور بالباطل لا يقوم على التصوف، وإنما يقوم على طريق محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يدعو المتصوفة إلى ترك ما هم عليه ويلتزموا بطريق محمد.. هذه مبالغة في الكذب والبهتان، فهو يعكس وضع الجمهوريين عكساً تاماً.. ولكن لدكتور النور فهم خاص للحياة العريضة، اسمعه يقول: (الشاهد ان تجربة الجمهوريين (التسليكية) التي عاشوها مع الأستاذ محمود محمد طه، والتي حالت بينهم وبين الادب والفن، والموسيقى، والتمتع بمباهج الحياة في تجلياتها المختلفة، ليست هي الصورة التي ينبغي ان يكون عليها حال الجمهوريين في مقبل ايامهم)!!9 وهذا ايضا كذب وبهتان، فالحياة السلوكية لم تحل بين الجمهوريين وبين ما ذكره من: أدب وفن وموسيقى، وهذه أمور ليست محرمة في الفكرة، وفي اصول القرآن، ولكن حياة السالك تقوم على أولويات، اللهو ليس أولوية فيها.. وهنالك مثلا الإنشاد العرفاني وهو من أرقى الفنون، في معاني الاناشيد وفي الالحان، ود. النور نفسه كان من المنشدين!! ود. النور يعلم مثلا أن الأستاذ محمود وجه بدخول فيلم (أريد حلاً)، لعلاقته بطرح مشكلة الاحوال الشخصية ومشكلة المرأة.. اما الحديث عن مباهج الحياة، فالجمهوريون لا يتجهون إلى العيش وفق مباهج الحياة كما يصورها د. النور، بل يعملون على العيش وفق حياة المعصوم المتقشفة.. هم لا يتوسعون في الدنيا، ويعملون على العيش وفق قيم الدين، ووفق مستوى شعبهم الكادح.. مثلا الجمهوريون في السفر بالقطار يركبون الدرجة الرابعة.. وقد سؤل الأستاذ محمود لماذا يركب الدرجة الرابعة، فأجاب: لأنه لا توجد درجة خامسة!! و يأكل الجمهوريون في عموم حالهم الطعام المتوفر لعامة الشعب، وقد سأل احدهم الأستاذ محمود - في إعتراض على الزهد - هل الطعام الطيب الممتاز حرام؟ فأجاب الأستاذ : لا ليس حراما، ولكننا لا نأكله إلا إذا اكله عامة السودانيين!! يشكو د. النور من إتجاه الجمهوريين لعدم التمتع بمباهج الحياة، وفي نفس الوقت هو يصف دولة التمتع بمباهج الحياة التي تدعوا لها الفكرة بأن حياتها مملة وسخيفة!! التمتع بمباهج الحياة أمر مطلوب في الفكرة، ومنتظر، ولكنه سيتم بشروطه ومن أهم هذه الشروط أن يتوفر لجميع الناس، وان يكون محكوما بقيم الحلال والحرام.. هذه الشروط هي ما لا يريده د. النور!! هو يريد مباهج الحياة الآن، و دون أي اعتبار لتوفرها للآخرين!! هو ضد القيد الذي يفرضه السلوك وفق قيم الدين، ومن اوضح الامثلة على ذلك، إشادته بالشاعرة ولادة بنت المستكفي، في بيتيها الذين اوردهما.. فقد اورد د. النور شعر ولادة بنت المستكفي التالي: انا والله اصلح للمعالي وامشي مشيتي واتيه تيها وامكن عاشقي من صحن خدي واعطي قبلتي من يشتهيها. و د. النور لا يرى في هذا مجوناً وخروجاً على قيم الدين، عكس ذلك هو يرى فيه ما يستحق الإشادة، فيقول في تمجيد صاحبته: (فولادة لم تعد ترى في تلك اللحظة من الإشراق الوعيوي، ان في انوثتها ما يحول بينها وبين طلب المعالي) 10.. هذا أمر بعيد جدا عن قيم الدين وعن نصرة المرأة.. ففي حين أن الفكرة تدعوا إلى المرأة الإنسان المساوية للرجل في إنسانيتها وقيمها، يمجد د. النور المرأة الانثى التي تتباهي بمفاتنها، وتبتذلها بالصورة البشعة التي عبرت عنها ولادة. عن التجربة السلوكية يقول د. النور: (غير انني لا اريد الرجوع إليها أبدا.. لو اردت الحق، أنا لم أعد اطيقها!! هل معنى هذا أنني تركت السلوك؟ لا والف لا!!) 11.. ويقول: (علينا أن نبحث عن سمات المرحلة الجديدة بدل أن نغرق في الحنين إلى مرحلة انقضت، ولا اظنها كانت مرحلة سعيدة.. فقد رأينا فيها الكثير من العنت والمشقة، وشظف العيش، لسنا نادمين عليها فقد تعلمنا فيها الكثير)12.. لقد كانت المرحلة التسليكية بالنسبة لنا، نحن الجمهوريين، أمتع لحظات حياتنا، ونحن إلى اليوم نجتر ذكراها ونحنّ إليها، وهذا ما جعل د. النور يقول: (علينا أن نبحث عن سمات المرحلة الجديدة بدل ان نغرق في الحنين إلى مرحلة انقضت)13.. ما يسميه د. النور التجربة التسليكية أمر مستمر إلى اليوم، وسيظل كذلك دائما.. ودكتور النور هو من توقف عن السلوك.. وقول د. النور (ولا اظنها كانت مرحلة سعيدة)، عند جميع الجمهوريين الأمر عكس ما يقول النور، فقد كانت أسعد مراحل حياتنا، وكما ذكرت ونحن نحنّ إليها دائما.. فدكتور النور عاش الطرف الذي عاشه منها، وهو ساخط عليها، ولذلك لم يجد حلاوتها، كما لم يجد ما تعطيه من قيم. خلاصة ما توصل إليه د. النور هو رفضه للدين بصورة عامة، فقد قال: (انا بفتكر ما عاد يعني في فرصة للدعوة للدين.. يعني الدعوة للعقيدة او لأي فكرة دينية هي من التاريخ)14.. لاحظ، ان قوله هذا قديم فقد قاله في 30 يونيو 2016م!! من أجل ذلك قلت إن خروج د. النور من الفكرة لم يكن بعد إعلانه لهذا الخروج في فبراير ٢٠١٨ كما ذكرنا. يقرر د. النور ان الأستاذ محمود مفكر مرحلي، وان مشكلة الجمهوريين انهم لا يعتبرونه كذلك.. اسمعه يقول: (ما عاد من الممكن ان تدعوا للفكرة كما دُعي لها حينما كان الاستاذ موجود، وما اعتقدته انها ارتبطت به.. من إشكالات الاخوان الجمهوريين انهم لا يتعاملون مع الاستاذ محمود محمد طه كشخصية تاريخية أو كشخص مفكر يخضع لمنطق التاريخ، ويعتقدون إنه خارج سياق التاريخ اي كما انه يؤيد الإطلاق وهذا يقيد العقول، ما بخلي الناس يفكروا بطريقة سليمة، ويتعاملوا مع المواقف بطريقة عقلانية وموضوعية.. الاستاذ محمود مفكر عظيم، وعظمته ليست في انه قال كل شيء، لكنه اعطى تلاميذه المفاتيح التي يمكن عبرها ان يتفاعلوا مع الواقع، ويعرفوه بأوضاع جديدة، وان يكونوا ذواتهم أكثر من كونهم حفظة يرددون ما حفظوه.. ) 15!! هذا النص كله مفارقات، ولكننا لسنا بصدد متابعته.. الأستاذ محمود ليس مفكرا!! وإنما هو عارف بالله!! وهنالك فرق شاسع جدا بين الأمرين.. المفكر علمه من ذاته.. والعارف علمه من الله.. كما هنالك اختلاف جذري بين منهاج المعرفة عند المفكر، ومنهاج المعرفة عند العارف.. منهاج المعرفة عند المفكر هو استخدام عقله المجرد في القضايا.. أما منهاج المعرفة عند العارف فهو التلقي عن الله، بعد إعداد مواعينه لهذا التلقي.. هو ما قال عنه تعالى: " وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" .. وقال عنه المعصوم (من عمل بما علم، أورثه الله علم ما لم يعلم).. د. النور إما انه لا يعلم هذا التفريق، فلا يحق له الحديث عن الفكرة أو عن الدين بصورة عامة.. وإما انه يعلم هذا التفريق، وهذا ما اعتقده، ولكنه يجحده لأمر في نفسه، وهذا أسوأ بكثير جدا.. فحديث النور عن الأستاذ كمفكر، يجعله خارج موضوع الفكرة، ولربما يكتب عنها بغرض تشويهها!! دعوة الاستاذ محمود هي دعوة للإسلام، اساسها القرآن وحياة النبي صلى الله عليه وسلم.. والقرآن هو كلام الله ولا يمكن ان يكون مرحليا، إلا عند من لا يؤمنون به.. وقد قال المعصوم عن القرآن: (كتابُ اللهِ، فيه نبأُ ما قبلكم ، وخبرُ ما بعدكم ، وحُكمُ ما بينكم، هو الفصلُ ليس بالهزلِ، من تركه من جبَّارٍ قصمه اللهُ، ومن ابتغى الهدَى في غيرِه أضلَّه اللهُ، وهو حبلُ اللهِ المتينُ ، وهو الذِّكرُ الحكيمُ، وهو الصراطُ المستقيمُ، وهو الذي لا تزيغُ به الأهواءُ، ولا تختلفُ به الآراءُ، ولا تلتبس به الألسُنُ، ولا يَخلَقُ عن كثرةِ الرَّدِّ ، ولا تنقضي عجائبُه ، ولا يَشبعُ منه العلماءُ، من قال به صدَق، ومن حكم به عدَل، ومن عمِل به أُجِر، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيمٍ).. ومعلوم عند النور بالضرورة ان الأستاذ محمود جاء بالبشارة بأمة المسلمين، وفصّل في هذا الصدد، وقال بوضوح إن تطبيق الدعوة لن يتم إلا بمجيء المسيح المحمدي.. والفكرة فصّلت في موضوع المسيح المحمدي.. وعلى كلٍ، المسيح المحمدي لما يأت حتى الآن، ونحن في انتظار أن يأتي.. و د. النور حسب النص الذي نقلناه عنه، اعطى تصوراً للحياة بعد مجيء المسيح، و وصفها بأنها "مملة وسخيفة"!! هذه مفارقة لا تصدر من رجل يرجوا لله وقارا.. خلاصة الأمر ان د. النور يقرر في اخطر الامور وأدقها، بصورة ذاتية، بعيدة كل البعد عن الموضوعية.. فهو لا يذكر أي أسباب لما يقرره، وإنما يعتبر انه طالما صدر عن شخصه، فهو الحق الذي لا حق غيره. د. النور يعتبر ان الفكرة فكرة مرحلية، وان زمنها قد انتهى.. ويقرر انه لم يعد هنالك مجال للدعوة للدين بصورة عامة.. ويصف منهاج طريق محمد صلى الله عليه وسلم، وهو المنهاج الذي عليه الجمهوريون، ويدعون له الناس كافة، يصف د. النور هذا المنهاج انه مأخوذ من التصوف، وان اتباعه يقود إلى الانعزال والبعد عن الحياة العامة، إلى اخر ما قال، وهو يقرر بالنسبة له انه لا يتمنى الرجوع إلى هذا المنهاج.. وهو يسيء إلى الجمهوريين بصورة غير موضوعية في العديد من اقواله.. ومع كل هذا لم يقدم د. النور اي بديل للفكرة، يحسن السكات عليه.. البديل الذي قدمه هو (العقل الرعوي) وسنرى ذلك.. نقف هنا في هذه الحلقة، إلى ان نلتقي في الحلقة الثانية عن السودان والحرب.. وشكرا خالد الحاج عبدالمحمود الدوحة، قطر 11 فبراير 2025 المراجع: لقاء اذاعي مع د. النور محمد حمد 20 فبراير2018 من خطاب د. النور للاخ طه أبو قرجة ، وقد وزع د. النور الخطاب على مجموعة من الجمهوريين النصوص 3 ، 4 ، 5 موقع الجمهوريين الألكتروني (الصالون) النصوص 6، 7، 8 ، 9 من خطاب د. النور للاخ طه أبو قرجة ، وقد وزع د. النور الخطاب على مجموعة من الجمهوريين النص رقم 10 من مقال لد. النور منشور في سودانيز اونلاين بتاريخ 19 مارس 2003 بعنوان في ذكرى إغتيال الأستاذ محمود محمد طه: العصر الأموي، وفجر البراغماتية الإسلامية رابط المقال د. النور حمد يكتب: العصر الأموي، وفجر البراغماتية الإسلامية!د. النور حمد يكتب: العصر الأموي، وفجر البراغماتية الإسلامية! النصوص 11، 12 ، 13 من خطاب د. النور للاخ طه أبو قرجة ، وقد وزع د. النور الخطاب على مجموعة من الجمهوريين 7- النص رقم 14 من ندوة قدمها د. أحمد دالي وعقب عليه د. النور بتاريخ 30 يونيو 2016 بأمريكا 8- النص رقم 15 من برنامج كباية شاي بصحيفة التيار، نُشر بصحيفة التيار بتاريخ 21 أكتوبر 2018م
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة