يُعتبر كتاب الإمبراطور الأحمر: شي جينبينغ والصين الجديدة للصحافي البريطاني مايكل شيريدان من أهم الإصدارات التي تسلط الضوء على شخصية الرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي يقود دولة بحجم الصين في ظل تنافس عالمي محموم. الكتاب يقدّم صورة دقيقة عن نشأة شي، صراعاته، وصعوده إلى السلطة، كما يحاول فك شيفرة فلسفته السياسية التي تجمع بين إرث الماركسية اللينينية والنزعة القومية الصينية. التجربة الشخصية والتكوين الفكري على عكس القادة الغربيين، مثل دونالد ترمب أو إيمانويل ماكرون، اللذين وُلدوا في بيئات مرفهة إلى حد ما، مرّ شي بتجربة قاسية شكلت شخصيته. فقد عاش في ظل الثورة الثقافية الصينية التي تعرض خلالها والده للتطهير السياسي، مما اضطره إلى العيش في قرية فقيرة لسنوات، حيث ذاق طعم الفقر والإذلال. هذه التجربة رسخت فيه الصلابة والانضباط الحزبي، في حين أن القادة الغربيين غالبًا ما يصعدون عبر أنظمة ديمقراطية توفر لهم بيئات سياسية مختلفة، حيث تلعب الشعبية والدعاية الإعلامية أدوارًا أساسية. سلطة الحزب مقابل ديمقراطية الفرد يرى شيريدان أن أحد أهم الفوارق بين شي جينبينغ ونظرائه الغربيين يتمثل في العلاقة بين القائد والدولة. ففي حين أن القادة الغربيين يصلون إلى السلطة عبر انتخابات متعددة الأحزاب، فإن شي هو نتاج الحزب الشيوعي الصيني، الذي يمثل عمود السلطة في الصين. فبينما يحكم ترمب أو بايدن بناءً على تأييد شعبي مؤقت، يبني شي سلطته على شرعية أيديولوجية طويلة الأمد ترتبط بقدرة الحزب على إدارة البلاد بقبضة حازمة. البراغماتية والآيديولوجيا غالبًا ما يُتهم القادة الغربيون، خصوصًا في الولايات المتحدة، بالعمل وفق مصالح سياسية متغيرة تخضع لحسابات انتخابية، بينما يتمسك شي جينبينغ برؤية أيديولوجية واضحة تجمع بين إرث الماركسية اللينينية والنزعة القومية الصينية. فبينما يتنقل القادة الغربيون بين الخطابات الشعبوية والسياسات الاقتصادية المرنة، يلتزم شي بخط فكري ثابت يرى في الدولة المركزية القوية الوسيلة المثلى لتحقيق "النهضة الصينية"، وهو مفهوم يشابه في بعض أبعاده فكرة "الحلم الأمريكي"، لكنه يستند إلى إرث ثقافي مختلف. السلطة والقضاء على المعارضة في واحدة من أكثر المفارقات إثارة للاهتمام، يسلط شيريدان الضوء على حملات مكافحة الفساد التي قادها شي منذ وصوله إلى السلطة، والتي أسقطت شخصيات بارزة مثل تشو يونغ كانغ، مدير الأمن القومي السابق، الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة. هذه الحملات، وإن كانت تحمل شعارات الإصلاح، إلا أنها تعكس أيضًا رغبة شي في تثبيت سلطته داخل الحزب. على النقيض من ذلك، في الديمقراطيات الغربية، يكون القادة مقيدين بمؤسسات مستقلة تمنعهم من إقصاء الخصوم السياسيين بالقوة، مما يجعل عمليات الانتقال السياسي أكثر سلاسة وأقل ارتباطًا بقرارات فردية. السياسة الخارجية: المواجهة أم الاحتواء؟ أحد أهم الفروقات بين شي جينبينغ والقادة الغربيين يكمن في طريقة تعاملهم مع الأزمات الدولية. فبينما تتبنى الولايات المتحدة وحلفاؤها سياسة الاحتواء تجاه الصين، يعمل شي على تعزيز النفوذ الصيني عالميًا عبر مبادرات مثل "الحزام والطريق"، التي تمثل مشروعًا استراتيجيًا لإعادة تشكيل التوازنات الاقتصادية والجيوسياسية. فبينما يعتمد القادة الغربيون على التحالفات التقليدية كحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، يراهن شي على خلق نظام عالمي جديد قائم على النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي. ما بين الديمقراطية والاستمرارية يُعتبر الرئيس الصيني شي جينبينغ من أبرز الشخصيات السياسية في العالم اليوم، حيث يقود الحزب الشيوعي الصيني والدولة بقبضة قوية. تولى شي منصب الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني في عام 2012، ومنذ ذلك الحين عزز سلطته داخل الحزب والدولة، مما جعله الزعيم الأكثر نفوذاً منذ ماو تسي تونغ. موقفه من تايوان يُولي شي جينبينغ أهمية كبيرة لمسألة إعادة التوحيد مع تايوان، ويعتبرها جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الصينية. في خطابه بمناسبة رأس السنة في ديسمبر 2024، أكد شي أن "لا أحد يمكنه منع" إعادة التوحيد مع تايوان، مشددًا على أن الصينيين على ضفتي مضيق تايوان هم عائلة واحدة، ولا يمكن لأحد قطع روابط الدم بينهم. كما أكد شي في مناسبات سابقة أن التدخلات الخارجية لن تستطيع منع إعادة توحيد الجزيرة مع بر الصين الرئيسي، مما يعكس تصميمه على تحقيق هذا الهدف رغم التحديات الدولية. تعاطيه مع احتجاجات هونغ كونغ فيما يتعلق بهونغ كونغ، واجهت قيادة شي جينبينغ تحديات كبيرة، خاصة خلال الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية التي اندلعت في عام 2019. في يوليو 2022، زار شي هونغ كونغ بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعودتها إلى الصين، وأكد تمسكه بمبدأ "بلد واحد ونظامين"، مشيرًا إلى أن "الديمقراطية الحقيقية" في هونغ كونغ بدأت بعد عودتها إلى حضن الصين. رغم ذلك، شددت السلطات الصينية قبضتها على المدينة، مما أثار انتقادات من قبل المجتمع الدولي بشأن تآكل الحريات المدنية في هونغ كونغ. من خلال هذه المواقف، يتضح أن شي جينبينغ يسعى إلى تعزيز وحدة الصين وسيادتها، مع التركيز على استعادة ما يعتبره أراضٍ صينية تاريخية، مع مواجهة أي معارضة داخلية أو تدخلات خارجية بحزم.
أن ما يميز شي جينبينغ عن قادة الغرب هو الجمع بين سلطة غير مقيدة ونموذج اقتصادي ديناميكي يحقق نجاحات ملموسة. لكن التحدي الأكبر الذي يواجهه، كما يشير شيريدان، هو ما إذا كانت هذه المركزية القوية ستبقى فعالة على المدى الطويل، أم أنها ستواجه تحديات داخلية كما حدث مع الاتحاد السوفياتي سابقًا. في المقابل يواجه القادة الغربيون تقلبات مستمرة بسبب طبيعة الأنظمة الديمقراطية، التي تجعل من استمرارهم في الحكم مسألة خاضعة لمدى شعبيتهم في صناديق الاقتراع.
بهذا، يعكس كتاب الإمبراطور الأحمر صورة شي جينبينغ كقائد استثنائي في زمن التحولات الكبرى، لكنه يثير في الوقت ذاته أسئلة جوهرية حول مستقبل القيادة في الصين، وما إذا كان نظام شي قادرًا على الاستمرار في ظل عالم متغير. * علاف الكتاب \https://top4top.io/
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
زهير ابو الزهراء
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست