في مجلة الصبيان -وهي من أقدم مجلات الكوميكس في افريقيا ١٩٤٧- كانت هناك شخصية غريبة جداً وهي شخصية (عمك تنقو) وزوجته (عزة). وغرابة هذه الشخصية أنها شخصية ذات تفكير متفرد غير أن عمك تنقوا ينتهي به الأمر إلى الفشل، فمهما حاول القيام بعمل كان ينتهي به الأمر إلى الفشل. في حين كانت زوجته مستقرة الضمير ولا تحب المغامرة. وقد كنت وأناْ طفل مندهش من فشل عمك تنقو في كل شيء حتى عندما يحاول السفر أو فتح متجر..الخ، حيث تأتي المصائب فتجرف كل ما أنجزه، ومع ذلك فقد ظل عمك تنقو مثابراً في محاولات القفز على الواقع ولكن دون جدوى. فلماذا كان مؤلف تلك القصص (سعد قسم الله) متشائماً هكذا. فإذا ربطنا عمك تنقو باسم زوجته (عزة) والتي ترمز إلى السودان، فإن ذلك تنبوء بما إليه حال شبه الدولة هذه بفضل النحس الملازم للمغامرين الذي حكموها. غير أننا هنا لسنا في معرض السياسة، ولكن في معرض حالة العجز التي يعاني منها البعض في مغادرة واقعهم مهما فعلوا. ذلك أن هناك نوعان من البشر تذهب أعمالهم جفاء، فالأوائل هم من تفشل كل أعمالهم في الدنيا، ومنهم من تفشل أعمالهم في الآخرة: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [النور-(39)]. ولا شأن لنا هنا بالآخرين أجارنا الله من أن نكون منهم. إنما نحن نتحدث عن الأوائل الذين تفشل جميع أعمالهم في الحياة الدنيا مهما اجتهدوا. وهؤلاء نوعان: نوع مدرك للسبب وهؤلاء يسمون في علم التصوف بالمُحارَبين، والنوع الثاني لا يعلمون، وكل منهما من المحاربين. فالمُحارَب هو من قدر الله مسارات حياته منذ ميلاده وحتى وفاته دون أن يمنحه الخيرة من أمره، فمهما اجتهد لم يزد ذلك مما كتب عليه، ومهما تكاسل لم ينقص ذلك مما كُتب عليه. فهم يرزقون رزقاً محدوداً ولكنهم لا يجوعون ولا يعرون ولا يتشردون في هذي الحياة الدنيا، فهم كناقة النبي مأمورون، وهم يحيون فرادى ويموتون فرادى ويبعثون يوم القيامة فرادى. فمن علم منهم ذلك سار مطمئناً، وأما من لم يعلم ذلك ظل مثل (عمك تنقو)، يثابر ويجتهد دون جدوى، وكلما حاول تغيير مسارات حياته فشل في ذلك دون أسباب معقولة، في حين يتمكن البشر من حوله من تغيير مساراتهم بسهولة. وجهل المُحاربين بذلك مورثٌ للفتنة، ولذلك يجدر بهم أن يُعلَموا فيَعلَموا، فيتوقوا الفتنة بالمَعْلَمة، وتجيرهم المعلمة بالرضا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة