في الذكرى التاسعة والعشرين لرحيل قامة من قامات الفن السوداني نستحضر سيرة أحد عباقرة الأغنية السودانية الفنان مصطفى سيد أحمد المقبول الذي غادر دنيانا في 17 يناير 1996 بالعاصمة القطرية الدوحة ورغم مرور السنوات يظل مصطفى رمزاً حياً في وجدان الشعب السوداني يلهب مشاعر الجماهير بأعماله الخالدة التي تتجدد معانيها مع الأجيال. لم يكن مصطفى مجرد فنان بل كان صوتاً نابضاً بالقضايا الإنسانية والاجتماعية وما زال اسمه حاضراً بقوة حيث ينضم المئات من الشباب وغيرهم يومياً إلى قائمة عشاق (مصطفانا) كما يطلقون عليه تحبباً وتأكيداً لانتمائه إليهم، باعتباره (حقهم) و(فنانهم) و(رمزهم الفني). الشاعر صلاح حاج سعيد احد الشعراء الذين تعامل معهم مصطفى سيد أحمد وهو أحد أعمدة الشعر الغنائي السوداني معروف بقدرته الفريدة على التعبير عن مشاعر الحب والشوق والوجد كلماته تتسم بالعمق والبساطة التي تجعلها قريبة من وجدان المستمعين كتب العديد من الأغاني التي تعتبر اليوم من روائع الأغنية السودانية. مصطفى سيد أحمد فنان استثنائي تميز بصوته العميق وأسلوبه الفريد في الأداء عرف بتعاونه مع شعراء وموسيقيين كبار حيث شكلت أعماله علامة فارقة في تاريخ الأغنية السودانية قدم مصطفى أغاني تحمل قضايا اجتماعية وسياسية وإنسانية ما جعله يحظى بمكانة استثنائية في قلوب السودانيين. (المسافة) تعد من الأغاني التي تعكس الروح الإبداعية بين مصطفى سيد أحمد وصلاح حاج سعيد إذ حملت الأغنية مشاعر إنسانية عميقة وصورة فنية خالدة. أغنية (المسافة) تمثل واحدة من روائع الأغنية السودانية التي جمعت بين عمق الكلمات وصدق الأداء. تحمل الأغنية معاني الشوق والحنين والخوف من الفقد حيث تتحدث عن علاقة إنسانية مليئة بالتوتر والانتظار والتأمل في احتمالية اللقاء الذي يكسر المسافة بين الحبيبين.
لسه بيناتنا المسافة .. والعيون واللهفة والخوف .. والسكون .. ـ يستهل الشاعر بوصف المسافة بين الحبيبين وهي ليست فقط بعداً مادياً بل شعورياً. العيون تعكس المشاعر المضطربة واللهفة تمثل الشوق بينما السكون والخوف يرمزان إلى الجمود الناتج عن غياب الحبيب والخشية من استمرار هذا البعد. المسافة هنا ليست مجرد أمتار بل حالة وجدانية تجسد الفجوة النفسية والانتظار.
ورنة الحزن البخافا تعدي بي الفرحة وتفوت وأمشي بي الحسرة .. وأموت .. ـ يشير الشاعر إلى شعور دائم بالحزن الذي يغلب على لحظات الفرح القليلة (رنة الحزن) هي صوت داخلي ملازم للمتكلم يطغى على كل شعور جميل ويتركه عالقاً في الحسرة والألم. الحزن هنا أشبه بموجة تسرق السعادة العارضة، بينما الحسرة موت نفسي بطيء.
الأماني الفي سفر قبل الزمن .. كايسة المواني .. ـ الأماني توصف وكأنها في رحلة بحث عن ملاذ آمن, (كايسة المواني) تعني أنها تتوق للوصول إلى مرساها قبل أن يفوت الأوان. الأماني مسافرة في بحر الزمن حيث الأمل والتطلع يواجهان قسوة الواقع.
يوم تجيبني عليك .. بصدق إنو مرة الحظ طراني واحتواني معاك شجن .. عذبني قبلك .. ولسه منك .. جاي تاني .. ـ الشاعر يعبر عن لحظة نادرة من الفرح عندما يجمعه الحظ بالحبيب ومع ذلك فإن هذا الفرح لا يخلو من شجن وآلام سابقة ما زالت متجددة حتى بعد اللقاء. الفرح والحزن يمتزجان في لحظة نادرة من الوصال، لكنها مشوبة بشجن متجدد.
تمشي وين الخطوة عنك ما الزمن بي الحب بلاك .. وابتلاني .. ـ يؤكد الشاعر على استحالة الهروب من حب الحبيب لأن الزمن نفسه يجبره على البقاء في حالة عشق دائمة. الحب هنا قوة قاهرة تتجاوز الزمن والمكان تحكم القلب دون استئذان.
لي عيونك يا مدائن الفرح والحب .. والجسارة عندي ليك مليون بشارة وألف خير ... والكلمة شارة .. ـ يوجه الشاعر حديثه للحبيب واصفاً عينيه كمدائن مليئة بالفرح والشجاعة. يعبر عن مشاعر إيجابية ويريد إيصال بشائر الخير للحبيب. العيون تمثل عالماً كاملاً من الأمل والشجاعة بينما الكلمة تصبح رمزاً للوعد والتواصل.
وإنتِ لما الحب يهوم في عيوني.. وفي عيونِك يبقى حائر .. بالأمارة .. ـ يشير الشاعر إلى اللحظة التي يلتقي فيها الحب في عيني الحبيبين لكنه يظل متردداً وحائراً ربما بسبب الخوف أو الظروف. الحب يظهر ككيان مستقل، حائر بين الروحين ولكنه حاضر بقوة
الفرح منك .. يجيني يعتريني الخوف عليك خطوة منك .. خطوة ليك .. ـ يربط الشاعر الفرح بالحبيب لكن هذا الفرح لا يخلو من خوف عليه. يصف العلاقة كرحلة متبادلة حيث كل خطوة من الحبيب تقربه منه والعكس. الفرح مشوب بالخوف والخطوات تعبر عن محاولة مستمرة لتقليص المسافة.
راجي منك بس إشارة وكلمة تديني البشارة ولاّ بيناتنا المسافة ..؟ ـ ينتظر الشاعر من الحبيب إشارة أو كلمة تعيد الأمل وتبشره بتقليص المسافة وينهي الأغنية بسؤال مفتوح يعكس الترقب والانتظار المستمر. الختام يحمل دعوة صامتة للوصل ممزوجة بالقلق من استمرار المسافة. أغنية (المسافة) تمثل قصيدة وجدانية مليئة بالشجن والشوق تعبر عن مشاعر إنسانية عميقة تتعلق بالفقد والانتظار والخوف من استمرار البعد. صلاح حاج سعيد قدم نصاً شعرياً مفعماً بالصور المعبرة في حين أضاف مصطفى سيد أحمد بصوته وإحساسه بعداً عاطفياً جعل الأغنية خالدة في وجدان المستمع السوداني.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة