تمثل العلاقة بين جنوب السودان والسودان نموذجًا فريدًا من الترابط الاجتماعي والثقافي، حيث يمكن اعتبارهما جسدًا واحدًا؛ فإذا اشتكى أحد أعضائه، فإن بقية الجسد تتداعى بالسهر والحمى. ما حدث ليلة البارحة في أحياء مدينة جوبا يستدعي وقفة طويلة، فهو يمثل خرقًا في اللحمة الاجتماعية الراسخة في وجدان الشعبين. ورغم انفصال جنوب السودان، تبقى هناك قواسم مشتركة ستظل محفورة في القلوب مهما كانت الدواعي والأسباب.
تاريخ طويل من الإرث القيمي يجمع بين الشعبين، حيث فصلتهما حدود سياسية، لكن من الصعب اجتماعيًا واقتصاديًا أن تُمحى هذه الروابط من ذاكرة الشعبين. هناك جهات تسعى لصب الزيت على النار لتفتيت النسيج الاجتماعي والسياسي والثقافي بين الدولتين، وقد فشلت هذه الجهات في إزاحة "سلفاكير"، رئيس دولة جنوب السودان، رغم المغريات الكبيرة التي تقدمها.
لقد اتخذ سلفاكير موقفًا مشرفًا تجاه الحرب التي تُخاض في السودان، رافضًا استخدام أراضي جنوب السودان كقاعدة لشن هجمات على السودان، رغم طول الحدود المشتركة بين الدولتين. وفي ذات السياق، عملت حكومة السودان على الحفاظ على العلاقات مع جنوب السودان دون أن تصدر أي أوامر تمس كيان الدولة الجارة. ورغم مشاركة بعض الكتائب الجنوبية ضمن قوات الدعم السريع في جبهات عدة، إلا أن حكومة السودان اعتبرت ذلك تصرفات فردية لا تعكس موقف الحكومة الجنوب سودانية.
تعتبر قضية حماية المدنيين جوهرية وأساسية، وأي انتهاكات لحقوق الإنسان لأي مواطن تُدين مرتكبها بلا أدنى شك. يجب أن نرفض أي مسلك للانتقام من النازحين والمقيمين في جنوب السودان، فمثل هذه السلوكيات تمس بكرامة الإنسان وتنتهك حقوقه المشروعة.
في الآونة الأخيرة، ظهرت تقارير وصور توثق وجود مقاتلين من جنوب السودان في مناطق مختلفة من السودان، بما في ذلك المدنية الرياضية وأحياء الرياض والعمارات وحي صالحة، إضافة إلى ولاية الجزيرة ومحلية التضامن. هذه الصور، التي تم التقاطها بكاميرات الهواتف المحمولة، تثير قلقًا عميقًا حول تداعيات هذا التدخل على الأمن والاستقرار في المنطقة.
إن وجود مقاتلين من خارج الحدود في صراع داخلي يعدّ أمرًا خطيرًا، حيث يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأوضاع وزيادة العنف. نحن نؤمن بأن الحرب لا تخصهم، وأنه يجب عليهم كف أيديهم عن المشاركة في نزاعات لا تعنيهم. إن هذا التدخل لا يعكس فقط عدم احترام للسيادة الوطنية، بل يهدد أيضًا النسيج الاجتماعي الذي يجمع بين الشعبين.
ندعو جميع الأطراف المعنية إلى التحلي بالحكمة والتفكير في العواقب الوخيمة التي قد تنجم عن هذه التصرفات. يجب أن نعمل جميعًا من أجل بناء السلام وتعزيز العلاقات بين الدولتين، بدلاً من الانجرار وراء صراعات قد تؤدي إلى مزيد من المعاناة والدمار.
إن تعزيز الحوار والتفاهم بين الشعبين هو السبيل الوحيد لتجاوز هذه المحنة. فلنتحد جميعًا من أجل مستقبل أفضل يسوده السلام والاستقرار، ولنبذل الجهود اللازمة لإيقاف أي تدخل خارجي قد يعرقل مسيرة السلام.
ندعو أهلنا في جنوب السودان والسودانيين المقيمين هناك إلى العمل سويًا لتفويت الفرصة على المتآمرين ضد الدولتين. يجب عدم إتاحة الفرصة لهم لتمرير أجنداتهم الخبيثة التي تهدف إلى تغيير النظام السياسي لمصلحتهم الشخصية وتغيير التركيبة السكانية في الدولتين للاستفادة من مواردهما الطبيعية.
إن الحكمة والدهاء هما المفتاح لتقوية النسيج الاجتماعي والأواصر بين الشعبين الشقيقين. يجب أن نعمل معًا على تعزيز هذه الروابط وتجاوز الفتن والمكائد التي تحاول تفتيت وحدتنا. إن مستقبلنا مشترك، ولذا علينا أن نتكاتف ونبني معًا وطنًا يسوده السلام والاحترام المتبادل.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة