السياسة علم و فن ، ليس كل من هب و دب مؤهل لخوض غمار السياسة ، و من أدواء السياسة في السودان ، دخول الناس فيه أفواجاً من غير ملكات أو مؤهلات . . إطلعت قبل أربعة أو ثلاثة أيام مضت على الفيديوهات التي فيها ذبح المواطنين في ولاية الجزيرة من قبل قوات العمل الخاصة ، و بعض القوات الموالية للجيش السوداني ، و فيهم مواطنين من دولة جنوب السودان ، فقلت في نفسي: لقد أخطأت مؤسسة الجيش السوداني خطأ عظيماً يستوجب سرعة الإعتذار و سرعة المحاسبة للفاعلين ، لأن فعل ذبح مواطن يتبع لدولة شقيقة ، إضطرته الظروف للإحتماء بدولة تعاني من ويلات الحرب و شغل بعض الوظائف الهامشية في تلك الدولة ، و إتباع ذلك بدفن جثامينهم في مقابر جماعية دون إنتظار طلب جثمانهم بواسطة سفارتهم ، هو فعل إن دل على شيء ، فإنما يدل على ضرب الحكومة السودانية الأعراف و التقاليد الدبلوماسية عرض الحائط ، و مما زاد الطين بلة خطاب الرئيس البرهان في ود مدني الذي خلا من الحس الدبلوماسي ، و الذي يبين أن قيادة الجيش في فترات الإنتصارات ، تتذكر اللغة العسكرية فقط و تتناسى الأعراف والتقاليد الدبلوماسية التي تفرضها منصب رئاسة الجمهورية التي بحوزتهم ، فتخسر الدولة السودانية الغالي والنفيس جراء ذلك ، فلو كان الرئيس البرهان يفهم في السياسة ، لقدم إعتذار لشعب دولة جنوب السودان على الطريقة المهينة التي تم بها إعدام مواطنيهم ، دون محاكمة عادلة ، و دون إخطار لسفارتهم ، و لأمر بتغيير قيادة قوات العمل الخاصة فوراً ، و إجراء محاسبة عاجلة للمتورطين في تصفية المواطنين الأجانب بهذه الطريقة المهينة و الموغلة في البشاعة ، و لكن الرئيس البرهان خيب ظن شعب دولة جنوب السودان فيه ، كان يجب على بقية القادة في دولة السودان حث البرهان على تطييب خاطر شعب دولة جنوب السودان بعد هذه الجريمة البشعة مثل نائب رئيس مجلس السيادة السيد مالك أقار و حاكم إقليم دارفور السيد منى أركو مناوي خاصة بعد مشاركة القائد ( تقلات) في تحرير ود مدني من طرف القوات المشتركة ، و لكن شيئا من ذلك لم يحدث ، مما يعني رضاهم عن أفعال قوات العمل الخاصة في حق المواطنين الأجانب من دولة جنوب السودان.. و القوانين الدولية لم تضع الأعراف والتقاليد الدبلوماسية من فراغ في مؤتمر فيينا في النصف الثاني من القرن الماضي ، بل وضعتها من أجل حماية المصالح الحيوية بين الدول ، فبقدر إهتمامك بهذه الضوابط الدولية ، يكون حفظ هذه المصالح ، و أثناء أزمة هجليج، في بداية العام 2012م ، ظلت المصالح الحيوية بين البلدين في مأمن ، و لكن المذبحة البشعة التي أعادت إلى الأذهان مذبحة الضعين الشهيرة ، نكأت جراح الماضي ، و تسعى جادة لتدمير المصالح الحيوية بين البلدين ، إذا لم تغلب قيادة البلدين الشقيقين صوت الحكمة و قيود الدبلوماسية المتينة في أقرب وقت ممكن . نبيل و جبريل من التجار السودانيين الذين لهم متاجر في أحد أحياء جوبا ، في غمرة الغضب في ليلة أمس ، بكى (لوال) الصبي الصغير الذي ذو ١٤ عاما أمام أمه حاثا إياها على سرعة إنقاذ صاحبه (نبيل) قبل وصول الجموع الغاضبة لدكان صديقه ، فما كان من أمه (ميري) إلاّ أن تعاونت مع الجيران في إنقاذ نبيل و بعض مقتنياته المهمة و حفظه في مكان آمن ، و كذلك فعل الجيران الجنوب سودانيين مع التاجر الآخر (جبريل) ؛ فالود بين الشعبين قائم بالرغم من دخول الدولتين في أزمة دبلوماسية غاية في الصعوبة ، فالوقت ينفد أمام الأطراف الإقليمية والدولية التي يهمها إستتباب الأمن في الدولتين الشقيقتين . [email protected].
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة